شخصياتمستجدات

مفضل باب تازة: أو البقاء على قيد الحياء(سردية في تأبين خريج تزمامرت الطيار الحربي المفضل المَگُّوتي)

بقلم: مصطفي الزِّ يـــن

ببلدتنا(باب تازة) كان ، ولا يزال ، كثيرون يحملون هذا الإسم “المفضل”؛ فقد كان إسما شائعا في منطقة الشمال الغربي من مغربنا الأقصى ؛ إسما من أسماء الرسول محمد (ص)، شأنه شأن أحمد أو المصطفى أو المختار..أو البشير أو الحبيب..؛ بل إن أهلنا ، في هذه المنطقة، كانوا ،تيمنا بفضل هذا الإسم، يؤنثونه ، أيضا ، فيسمون بناتهم “المفضلة” .. ولكن المفضل المگوتي، ربما هو الوحيد الذي كان يحمل هذا الإسم صفةً ونعتا أيضا؛ كان فتىً نموذجيا ، قدوةً مثالا لناشئة البلدة وشبابها..لا أذكر أني رأيته ، رأي العين ، في طفولتي أو في يفاعتي، ولكننا ما إن كنا نسمع زئير أو زمجرة طائرة في السماء ،إلا صحنا : مفضل دالمگوتيي..مفضل دالمگوتيي.. وأخذنا نلوح للسماء .. وقلما كنا مصيبين..إذ ربما لم يمرّ إلا مرةً أو مرتين، بطائرته الحربية في مهمة ، فحلا له أن يعرج ويحلق فوق قريتنا ،وعلى بيتهم ، على علو منخفض.؛ فإن القاعدة الجوية ، حيث كان يعمل، بالقنيطرة لا تبعد إلا بمائة وخمسين كيلومترا، أو أقل.. كنتُ طفلا في نحو السابعة عندما احتفلت (باب تازة )بزواج هذا الشاب الطيار ..بعرسه صيف 1967 ، بعد ،أو قبل، أسبوعين أو أقل قليلا من هزيمة الأيام الستة ،هزيمة حزيران،/يونيو التي سميت “النكسة”..كانت العروس الجميلة من حينا “الپريسمپي” في أعلى البلدة ، إلى حيث كنا انتقلنا حديثا..كانت العروس، طبعا دون العشرين ، ربما بثلاث سنوات، وكان المفضل الطيار ضابط الصف دون الثلاثين، أيضا بثلاث سنوات أو سنتين اثنتين.. وبعد سنتين ،احتفلت باب تازة بعودة والديْ المفضل من الحج، حتى أننا غادرنا المدرسة وخرجنا إلى مدخل القرية نستقبل الحاج عبد السلام المگوتي، وزوجه الحاجة “لَّا رحمة”. كنت أعرف الحاج عبد السلام..صاحب أحد أهم دكاني البقالة بقريتنا، جنبا إلى جنب مع دكان أحمد السوسي الذي كان هو الآخر له ولد نبيه يتابع دراسته بتطوان..متفوقا..غير أنه لما ذهب إلى فرنسا لاستكمال دراسته، لم يعد إلى وطنه وإلى بلدته وأهله إلا لإحياء الرحم..وكان لأحمد السوسي ولد آخر ، في مثل سني وقسمي ، ولكنه كان شيطانا لا يقر له قرار..؛ وفي ربيع 1970 زارنا ابن عمتي الكومندان ،فعلمت أنه يعرف الطيار المفضل، وربما جمعت بينهما مقاعد الدراسة بتطوان..وربما توطدت معرفة أبي بالحاج عبد السلام أكثر نتيجة تلك الزيارة.. وكنت أُقْبلُ على الحاج عبد السلام وحيدا، أو مع أختي الأكبر مني ، لأخذ بعض المؤن البسيطة، وكان-رحمه الله يستلطفني عندما أسرد عليه سبعة أو عشرة أشياء مما نحتاج دون أن أتلكأ أو أنسى شيئا..وكثيرا ما كنت أجد معه ابنه البكر محمد والد سعيد الفتى الشقي ،وأحمد الذي كان زميلي في الدراسة ،والذي كان يتلعثم في كل شيء إلا في الأناشيد والأغاني والمواويل..وكان والدهما يستلطفني أيضا، وينفحني عشرين فرنكا كاملة..قبل أن يهاجر للعمل بألمانيا.. كان الحاج عبد السلام المگوتي رجلا وسيما أنيقا في جلابته أو جلابتيه، وذقنه الحليقة دوما، وفي سمته الجميل، وصوته الذي ما سمعته يعلو أو يشخط أبدا، ورائِه المكسورة التي ينطقها غَيْنا..؛ على النقيض من الحاجة لاَّ رحمة التي كانت تبدو لي خشنة مزعجة بصوتها المرتفع وقامتها القصيرة المدكوكة ، وشخصيتها القوية المسترجلة.. وهي تمر أمام بيتنا مع سعيد حفيدها في طريقهما إلى غرسة المگوتي في الجانب الآخر من القرية ..ولكنها هي الأخرى، عندما كانت تزورنا قبل أي شخص آخر في أصباح الأعياد ، سمعتها، ذات مرة، تسأل عني والدتي: [إن كان قد عاد ولدك” ذيك الْمزِيوْن” من فاس؟] مما أخجلني كثيرا، ومنعني من الخروج للسلام عليها..

في يوليوز 1971 ، اهتزت بلدتنا،كما اهتز كل المغرب، على وقع أحداث محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على الملك..؛ المحاولة التي كان وراءها الضابطان اعبابو والمذبوح. . ومن خلفهما الجنرال الدموي أفقير. وبدا الكل غاضبا محتدا على الانقلابيين الخونة، وبخاصة أن شقيق اعبابو ،وهو كولونيل كأخيه ، تم إيقافه هاربا متخفيا بإحدى غابات منطقتنا.. ولكن باب تازة ، بعد سنة أخرى ، سيخيم عليها حزن قاتم على إثر المحاولة الانقلابية الثانية الفاشلة، في غشت 1972 ؛ محاولة إسقاط طائرة الملك العائد من فرنسا، وقد انطلقت المؤامرة من القاعدة الجوية بالقنيطرة..ولم يستطع أن يصدق أحد من البلدة وضواحيها أن المفضل المگوتي متورط فيها، إلى جانب ضابطين من شفشاون: الكولونيل أمقران والكومندان الگويرة .. ولكن باب تازة ،على صغرها ، سيصبح لها معتقلان اثنان من الحجم الكبير :هذا المعتقل العسكري المفضل ، ومعتقلهاالسياسي اليساري الكاتب الناقد الروائي الأستاذ عبد القادر الشاوي نزيل السجن المركزي بالقنيطرة ( مابين1974 و1990)! سيحاكم سي مفضل، ضمن من حوكم صوريا، وسيحكم عليه بعشرين سنة سجنا ، يسقضِّي منها ما يقارب سنتين اثنتين بسجن القنيطرة .. ثم نحو سبعة عشرة سنة أخرى، بجحيم معتقل تزمامرت السري الرهيب سيء الذكر، خلف الريش؛ أي منذ أن شغَّلوه إلى أن اضطروا لإغلاقه.. وستكتب له النجاة مع قلة الناجين ،بعدما هلك أغلب المعتقلين، سواء ممن كانوا محكومين مثله بعشرين سنة ، أو من كانوا محكومين بالمؤبد، أو ، بالخصوص، ممن كانوا محكومين، فقط ، بأربع سنوات ،أو أقل،فتم تناسيهم هناك في قلب الحجيم، مما لا يخطر على قلب إنسان من العذاب المقيم..

في سمتمبر من 1991..وكنت قد ألفت الحياة ببلدة أهرمومو ، بعدما عينت هناك أستاذا قبل ست سنوات..سمعنا ، وقرأنا ورأينا ، كيف تحركت الحياة مجددا بالمدرسة العسكرية لتكوين الضباط وضباط الصف ، تلك التي كان منها خرج مديرها الكولونيل محمد اعبابو برتل عربات مساعديه وتلامذته الضباط ذلك الفجر قبل أكثر من تسعة عشر عاما منحدرا باتجاه قصر الصخيرات لينجز محاولته الدموية الفاشلة..يا للأقدار! يا لعبث أو تقدير مصادفتها ..سينقل من تبقَّوْا على قيد الحياة من معتقلي تزمامرت إلى تلك المدرسة الحربية بالذات ، ليتلقوا الإسعافات و العلاجات ومحاولات ترميم الخراب الذي لحق نفوسهم وأبدانهم ، حتى يمكن إطلاق سراحهم بعفو ملكي.. بعد ثلاثة أشهر ، سأعود إلى باب تازة ، في عطلة رأس السنة ونهايةالدورة الأولى من الموسم الدراسي، وسأزور بيت الأب الحاج المگوتي ، وهم جيراننا ، و كان قد انتقل إلى جوار ربه قبل بضع سنوات..كانت أفواج المهنئين لا تزال تتقاطر على البيت وعلى الرجل الذاهل الذي ربما كان متضايقا من كل هؤلاء القوم الذين يعجزون عن فهم نفسيته وحاجته إلى استعادة أنفاسه و(الإنصات إلى عظامه)،كما في التعبير الدارج، سيما وأن الرجل ستصدمه مفاجأتان اثنتان، على الأقل : خبر رحيل أبيه ..، وخبر تطليق زوجه منه، وهي التي كانت طويلا ما قاومت..وعاهدت نفسها على انتظار عودته ..ولكنها رضخت ،قبل بضع سنوات، عندما اضطرت لطلب الطلاق، فتزوجت من الأستاذ أرمل أختها الكبرى التي ماتت وخلفت أيتاما، فحلت هي محلها.

أفاق سي مفضل بعد شهرين أو ثلاثة من ذهوله ومن وقع المفاجأة، واستعاد سريعا شخصيته القوية النشيطة الحيوية، واندمج سريعا في الناس، بحِلمه وهدوئه وتواضعه وقدرته على التواصل، وبسمو أخلاقه وسمْته الجميل الذي ورثه عن والده ، رغم أنه ظل تحت مراقبة السلطات المحلية، واستعاد اسم “المگوتي” الذي كانوا أَحَلُّوا محله “علوش” ، وحرك سيارته رونو 16 الخضراء خضرةً عسكرية ،والتي كانت ما تزال رابضة بمربئهم الذي تحول إلى ورشة نجارة(كان من قبل مقهى) كانت السيارة لا تزال جديدة تماما كما تركها قبل تسع عشرةسنة ، كان ينطلق بها بسرعة عالية..فلربما كان يود لو يعاود الطيران..ومن نصيبه من ميراث أبيه بين إخوته(أخ واحد واختان اثنتان وأمهم قبل أن ترحل هي الأخرى -رحمها الله) ؛ من ذلك، ثم مما ناله من تعويض جزافي وراتب شهري بسيط،تمكن أن يبني بيتا، ومحل “تليبوتيك” ،تحصل فيه فواتير الكهرباء أيضا، وتزوج، من جديد، وأنجب أطفالا،واستبدل سيارته القديمة من أخرى.. كان كثيرا ما ما يزور بيتنا، متفقدا أبي وأمي اللذين كان يعزهما كما كانا يعزانه، وكذا أختي التي كانت مربية أطفاله بالتعليم الأولي..رحمهم الله جميعا. كنت أرى الرجل شعلة من الفطنة والذكاء والقدرة الرهيبة على التكيف مع الوسط، ورث عن أبيه الوسامة والهدوء والسمت الجميل،وعن أمه قصر القامة وقوة الشخصية وحيويتها وطيبتها العميقة..قلت له يوما: لقد عرفنا أنهم نقلوكم إلى “أهرمومو” قبل أن يطلقوا سراحكم.هل كنت تعرف أنكم هناك؟ وهل كنت تعرف أهرمومو من قبل؟أجاب بعفوية، مبتسما: و هل عرفتم ذلك؟ وقال: إنه شخصيا لم يكن يعرف تلك البلدة ، ولا زار تلك المدرسة الحربية، ولكنه يذكر أنه حلق فوقها بطائرته مرة أو مرتين، وأن بعض زملائه ممن كانوا من قبل هناك، كمحمد الرايس، أدركوا فعلا أننا في المدرسة العسكرية بأهرمومو.. كان سي المفضل موهوبا جدا في تعلم اللغات خاصة، يتكلم ،فوق العربية ، الإسبانية كإسباني، والفرنسية والإنجليزية..، وكان صاحب ذاكرة قوية جدا ..كنت قرأت مذكرات محمد الرايس تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم، من ترجمة عبد الحميد اجماهري الذي ساقته الأقدار، فيما بعد إلى بيتي بأهرمومو- رباط الخير ذات ليلة ؛ قرأتها منجمة على أعمدة جريدة الاتحاد الاشتراكي أو جريدة الأحداث المغربية-لا أذكر بالضبط- ثم أعدت قراءتها لما صدرت في كتاب ، كما قرأت شيئا مما يكتبه أحمد المرزوقي..وكنت أجد الجميع يذكر المفضل المگوتي باعتباره شخصا مستقيما متدينا مؤمنا مثالا في الصبر والإصطبار والصمود في وجه الصعاب، سلاحه قوة إيمانه، لا يتزحزح أو يزحزح عنها قيد أنملة.. وربما كان سلاحه الثاني هو طبيعة التنشئة التي تلقاها في بيئة قاسية ، وصبر النملة الذي تعلمه من أمه خاصة ..سألته: سيدي المفضل،لم لا تكتب مذكراتك عن تجربتك في الحياة في الجيش وسلاح الطيران وفي الاعتقال؟ وأردفت:إنك الأكثر ثقة ومصداقية ،والأقوى ذاكرة،من كل من كتبوا؟ نظرإلي مبتسما ،وقال: لقد كتبت فعلا، وكتابي تحت الطبع، سيصدر قريبا.. وكذلك كان؛ فقد صدر له ، في أوائل الألفية الجديدة : “مذكرات المفضل المگوتي: ويعلو صوت الأذان فوق تزمامرت” ، فالتهمته ، وأعدت قراءته، ووجدته مختلفا كثيرا عن مذكرات الرايس أو عن غيره،ليس لأنه جاء عبارة عن حوار ،ومن تحرير كاتب صحفي، ولكن لأن المفضل لم يشأ أن يكرر ما قاله الآخرون، وركز فيه على طبيعة النشأة التي نُشِّئ عليها نضالا في الحياة، وفي الدراسة والتحصيل،في زمن الفقر وقلة ذات اليد، بدءً من مدرسة باب تازة في أواخر الاستعمار إلى تطوان، حيث ستنتقل معه أسرته،قبل أن تعود إلى باب تازة، ونضالا وإصرارا على الإلتحاق بالطيران الحربي والنجاح في التكوين الصعب سواء بالمغرب أو بفرنسا وأمريكا ،حيث كان الرجل يعبر عن تميزه ومهارته وسرعته المدهشة في التعلم والاستيعاب ، وكذا في الإستقامة والنزاهة الأخلاقية والبعد عن الشبهات ،إلا هذه الشبهة في التواطؤ مع الانقلابيين التي كان يكتفي بالقول صادقا،دون أن يقسم أو يحاجج كثيرا، إنه بريء..دون أن يخون ،أو يخدش ، ذكرى أصدقائه ،وبخاصة صديقه الحميم الكولونيل أمقران الذي كان يثق فيه مطلقا، وكان يصحبه معه سائقا ليلتقي بالداهية الدموي الجنرال أفقير الذي ربما كانوا جميعا ضحاياه.. و أنا شخصيا يمكنني أن أجزم ببراءته ؛ لأني خبرت صدقه وشجاعته. فلو كان متورطا بإرادته لوجد كل الشجاعة ليصرح بذلك، وبخاصة، أنه دُفِّع الثمن أضعافا مضاعفة تكفي لتجعل منه ضحية وشهيدا لكل ذلك الهول الذي لقيه لقاء المؤمن بقدره الصابر على الابتلاء.. ولم يكن تديًّن المفضل وحبه المسجد ورفع الأذان، من قبيل هذه الموجات من الإسلام السياسي أو من التطرف الديني ؛ وإنما إستقامة منه ونزاهة، فهو حقا نموذج للرجل المسلم الحداثي المتفتح على العالم والحياة،ولكنه أيضا،نموذج للرجل الذي ظل مدينا في البقاء على قيد الحياة لإيمانه، ولبقائه على قيد الحياء..نعم، “على قيد الحيـــاء”. ولعل الشيء الوحيد الذي لم أفهمه من مذكراته، وفاتني أن أسأله فيه، هو :لمَ لمْ يذكر حدث رحيل أبيه المفاجئ؟ لم أفهم لِمَ لَمْ يذكره ، لا من قريب أو بعيد..؟ فقد تفاجأت باب تازة ذات يوم ،قبل ان يخرج المفضل من الجحيم ببضع سنوات، بخبر موت الحاج عبد السلام المگوتي ، فقد كان من عادته أن يغلق دكانه من داخل ، ويخرج من باب خلفي،يفضي إلى فناء حي “الپاطيو” ،ومنه يتوجه إلى بيته في الجهة الأخرى من الشارع الموازي.. ولكنه لم يعد ذلك المساء من أواخر الثمانينات..وكان لابد أن تقلق عليه لّا رحمة ..وبعد لأي ، اضطروا أن يكسروا الأقفال والأبواب ليجدوه جثة هامدة ..فقد مات من سكتة قلبية على حين غرة، رحمه الله. كان كثير من أهل باب تازة، قبل موت الحاج، يتداولون، أن الحاج كان في السنوات الأخيرة،يسافر ، وربما كان يتمكن من مقابلة ابنه ..أو أن أشخاصا غرباء كانوا يزورون الحاج ، ويطلبون منه أن يبعث معهم أشياء أو أموالا يوصلونها إلى ولده المفضل سِراًّ، وأنه كان يفعل ذلك..ولكنهم ، في المرة الأخيرة ،أقنعوه أن يصاحبهم ليرى ولده ويقابله ، وأنه كان ضحية هؤلاء النصابين الذين ابتزوا منه أموالا وعنفوه ، ورموا به في الخلاء، فعاد الحاج عبد السلام حسيرا كسيرا ،أسرَّها في نفسه، وربما مات من الاكتئاب ومن الحسرة..والغصة في حلقه..

صبر الطيار السابق، طويلا على كل ما قاسى من عذاب وهوان تزمامرت ،محتسبا ذلك لوجه الله؛ ولكنه لم يصبر على أجواء باب تازة وهوانه فيها، وهو يرى كيف تغيرت القيم والأخلاق، وتسيدت تفاهة محدثي النعمة من الجهلة السفلة، ومن التهميش والعبث والفوضى التي صارت إلها البلدة التي أخذت تنمو نموا سرطانيا، دونما أي تهيئة حضرية أو إدارة أو توجيه..فباع سي المفضل ما باع ، ورحل إلى طنجة بأسرته وأبنائه ..ولا شك أن طنجة لم تكن به أرحم؛ هناك اشترى شقة في في عمارة مما ينشئه هؤلاء المنعشون العقاريون الجشعون..وكنت قرأت قبل سنوات كيف انفتحت أمام تلك العمارة حفرة كبيرة فاغرة تتجمع فيها المياه وتنق فيها الضفادع، تهدد تلك العمارة بكارثة الإنهيار، أو أن ذلك المنعش الجشع قد رفع عمارة أخرى في وجه تلك العمارة الأولى تحجب عنها النور والشمس والهواء.. مما لم يكن ،أبدا ، في التصميم العقاري الذي بموجبه أشترى سي المفضل وجيرانه شققهم..غير أني متأكد أن سي المفضل لم يمت من حسرة أو كمد.. فقد استوفى الثمانين وكان رأى أطياف جنة النعيم من قلب جحيم تزمامرت.. حيث كان يقرأ القرآن ويرفع الآذان : الله أكبر..الله أكبر..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube