رسائلمستجدات

أما بعد… من الإجماع إلى البناء: الصحراء المغربية في ميزان العدالة الانتقالية التوقعية”( من وحي موقف بريطانيا العظمى من مقترح الحكم الذاتي )

لن يُزايد علينا أحد في قضيتنا الوطنية، المصيرية، بل والقومية حتى. نحن من صلب الحركة الوطنية والديمقراطية الأصيلة، أبناء المقاومة وجيش التحرير، وحملة الذاكرة الحية التي لم تفرّط في الحق، ولم تنزلق في الشعارات. إننا – في لحظة التحدي والمكاشفة – نثمن عاليا كل التراكمات المنجزة في ملف الصحراء المغربية، دبلوماسيا وتنمويا ومؤسساتيا، كما نثمّن المساعي الرسمية المبذولة لاستدراك ما شاب بعض مراحل تدبير القضية من اختلالات أو ضيق أفق.لكن، ولكي لا يتحول الإجماع الوطني إلى واجهة صماء، أو إلى سردية مغلقة على ذاتها، لا بد من أن نطرح السؤال الذي يتجاوز الاحتفال إلى الاستشراف: أما بعد؟لقد صرنا أمام لحظة فارقة، حيث لم يعد الرهان فقط هو تثبيت الموقف المغربي خارجيًا، بل بات التحدي الأكبر هو إنجاحه داخليًا، كمنظومة مجتمعية متكاملة، من خلال تفعيل جاد لمقترح الحكم الذاتي، باعتباره مشروعًا للحكامة التشاركية، وللعدالة المجالية، ولإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وليس فقط كحل سياسي تقني لتدبير نزاع.أما بعد؟ تعني: ما الذي أعددناه فعليًا – كمجتمع ودولة – لتأهيل الفضاء الترابي والرمزي الذي سيحتضن هذا النموذج المتقدم من اللامركزية؟هل نملك بنية معنوية مؤهَّلة لاحتضان التعدد الثقافي وتدبيره؟هل تم تهيئة بنية مؤسساتية تضمن الكفاءة والتمثيلية والنزاهة، بعيدًا عن الريع السياسي والزبونية الانتخابية؟هل جرت مصالحة شاملة مع الذاكرة الصحراوية، بأصواتها المتعددة، ضمن رؤية وطنية منفتحة، بدل التوظيف الأحادي أو الانتقائي للتاريخ؟من منظور العدالة الانتقالية التوقعيّة، نحن أمام مسؤولية جماعية تتجاوز منطق الملفات المغلقة نحو استكمال مسلسل الحقيقة والإنصاف والمصالحة، هذه المرة من بوابة الاندماج السياسي والكرامة المجالية والمواطنة الكاملة. لقد آن الأوان لفتح ورش العدالة الترابية باعتبارها مدخلاً للإنصاف السياسي، في أقاليم عانت التهميش أو وُظِّفت رمزيًا دون أن يُعاد الاعتبار الحقيقي لسكانها في السياسات العمومية الوطنية (خارج منطق المواطنة الإمتيازية والهيمنة القبلية لبعض الأسر ) .إننا لا ندّعي امتلاك الحقيقة، لكننا – من موقع التفكير النقدي التوقعي – مستعدون للعب دورنا، كمجتمع مدني وكقوى اقتراحية، في تعميق النقاش العمومي حول أفق الحكم الذاتي، والمشاركة في إنتاج التصورات الكفيلة بتفعيل مضامينه بشكل ديمقراطي، عقلاني، وتشاركي.إن الرهان اليوم ليس فقط دبلوماسيًا أو دستوريا، بل رهان على تحرير الوعي الوطني من اختزال القضية في الأروقة الرسمية، وعلى بناء سردية جماعية جديدة، تجعل من الصحراء المغربية نقطة انطلاق لورش وطني واسع يعيد توزيع المعنى والثقة والكرامة على مجموع جهات الوطن.فـ”أما بعد” ليست مجرد سؤال بلاغي، بل صيحة مسؤولية ، و بمثابة إستفهام يسائل مصير الديموقراطية التشاركية والتي يخشى أن يتم تحنيطها على صفحات الدستور إقترانا بمصير الفصل 54 المتعلق بالمجلس الأعلى للأمن ، ويلقى نفس مآل مطلب تنصيب مجلس الدولة كأعلى هيأة قضائية تلعب دور الوسيط بين الحكم المركزي وجهات دولة الجهات المنشودة في حالة التنازع والتدافع !

مصطفى المنوزي رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID