
*إسقاط التطبيع.. وإسقاط النظام !*
د أحمد ويحمان
منذ توقيع اتفاق العار بين السلطة في المغرب والكيان الصهيوني، والشعب المغربي يواصل كفاحه في مواجهة هذا الاختراق الاستعماري الخطير، واضعًا سقفًا واضحًا لموقفه كثفه في شعار: *”الشعب يريد إسقاط التطبيع”.*. ومن أجل ذلك، شهدت البلاد مسيرات مليونية في العاصمتين؛ الإدارية الرباط والاقتصادية الدار البيضاء، بالإضافة إلى مظاهرات حاشدة في مختلف المدن من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ووسط البلاد. كما لم تتوقف الوقفات الاحتجاجية منذ اندلاع ملحمة 7 أكتوبر المجيدة، حيث كان المغاربة في الصفوف الأمامية لدعم الشعب الفلسطيني في وجه مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يقترفها جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين بدعم من الغرب الاستعماري، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. *التطبيع قرار استبدادي* شعار “الشعب يريد إسقاط التطبيع” لم يعد مجرد هتاف في المظاهرات، بل هو حقيقة مجسدة في الشوارع والساحات، تؤكد حقيقة رفض المغاربة القاطع لأي شكل من أشكال الارتباط بالكيان الصهيوني. وبالتبعية، أظهرت هذه الحقيقة أن التطبيع لم يكن خيارًا شعبيًا، بل قرارًا استبداديًا مفروضًا بالقوة، وبإملاءات أمريكية واضحة. السلطة لم تكتفِ بفرض التطبيع، بل حاولت في البداية خنق الأصوات الرافضة، محاولًة تزييف إرادة الشعب عبر الدعاية والتضليل الإعلامي، لكن الميادين فضحت ذلك وكشفت زيف الرواية الرسمية التي اختارت الخضوع والانصياع للضغوط.
*التآمر الصهيوني على المغرب: هل يعي المسؤولون خطورته؟*
ورغم انخراط السلطة في التطبيع، إلا أن العدو الصهيوني لم يغير من طبيعته العدوانية، بل ازداد وقاحة في استهدافه لأمن المغرب ووحدته واستقراره، بل واستهدافه للنظام نفسه، ورأس النظام مباشرة، وبأشكال غاية في الانحطاط والنذالة !ومن أبرز مظاهر هذا التآمر:+ استفزاز الوحدة الترابية للمغرب عبر قيام رأس الإرهاب الصهيوني، مجرم الحرب نتنياهو، بتكرار نشر خرائط مبتورة للمغرب، متعمدًا فصل الأقاليم الصحراوية، في رسالة واضحة للاستهانة بالسيادة المغربية واحتقار المطبعين.+ تصريحات مدير مكتب الاتصال الصهيوني السابق، المجرم ديفيد غوفرين، الذي حول مكتب الاتصال في الرباط إلى وكر للفضائح الأخلاقية، ثم إعلانه، صراحة، أنه يتعمد إهانة الملك بتصريحاته !+ استهداف المقدسات الإسلامية والرموز الوطنية عبر حتضان ورعاية وتجنيد أدوات الاختراق الصهيوني رسميا من قبل وزراء في حكومة نتنياهو تحت قيادة رئيس الكيان الصهيوني شخصيا اسحاق هرتسوغ في إطار ما يسمى مؤسسة شراكة الصهيونية، مثل المدعو يوسف أزهاري الذي صرح في “متحف أصدقاء صهيون” بأن النبي محمد (ﷺ) كان صهيونيًا !+ إطلاق حملات دعائية صهيونية *عبر استخدام أدوات تحضر برعاية من منابر إعلامية عمومية* .. كان أبرزها الترويج لليهودية الصهيونية وادعاء المدعو محمد أوحساين بأن الملك والعائلة الملكية يهود ولا يمتون بصلة لآل البيت!+ القضية المريبة لليهودية جين بنزاكين، التي رفعت دعوى قضائية في بروكسل مدعية أنها ابنة الملك الراحل الحسن الثاني، في سيناريو يتكامل مع باقي الأدوات الصهيونية لاستهداف “الشرعية السياسية والدينية” في المغرب.+ الترويج للصهيونية ثقافيًا وإعلاميًا، حيث أطلقت مجلة “زمان” عددًا بعنوان “المغرب أرض يهودية”، ومجلة “حقائق مغربية” بعنوان “المغرب المملكة المقدسة لبني إسرائيل”، فيما كتب أحمد الشرعي، مدير المجموعة الإعلامية المنفوخة بالمال العام، مقالًا بعنوان “كلنا إسرائيليون” !+ إقدام المدعو فيصل مرجاني على تأسيس “معهد إمارة المؤمنين” في القدس (قبل ايام قليلة)، بعد أن صرح بأن “فلسطين أرض يهودية”، وأن أي مقاومة ضد الاحتلال هي “إرهاب”، وأن من حق “إسرائيل” القضاء على “الإرهاب الفلسطيني” ! *نهب الأراضي تحت غطاء الاستثمار !* إلى جانب الاختراق السياسي والثقافي، يتواصل التغلغل الصهيوني والرأسمالي الجشع عبر غزوات العقار، حيث تتعرض أراضي المغاربة للسطو بطرق مباشرة وغير مباشرة، في مختلف مناطق البلاد، من المدن الكبرى إلى القرى النائية فينا وراء الجبال والصحاري . فمنذ سنوات، تم الكشف عن تورط شخصيات نافذة ولوبيات مرتبطة بالصهاينة في محاولات الاستيلاء على أراضي وعقارات عبر شبكات النفوذ المالي والسياسي . واليوم، في ظل الهجمة الشرسة التي تستهدف المغرب، نشهد تصاعدًا غير مسبوق في عمليات السيطرة المنظمة على الأراضي، خصوصًا مع دخول مستثمرين صهاينة إلى القطاع العقاري ونسجهم علاقات مع كبار المضاربين والمحتكرين والمتواطئين في عدد من مدن البلاد. والنتيجة؟ إقصاء السكان الأصليين، تفريغ الأراضي من أصحابها الحقيقيين، وخلق جيوب استيطانية مغلقة بأسماء خادعة مثل “مشاريع سياحية”، “مدن ذكية”، أو حتى “مراكز ثقافية”، لكنها ليست سوى أدوات لاختراق البلاد اقتصاديًا وسكانيًا. *”الهوية القاتلة” الجديدة: تزوير التاريخ لخدمة الأجندة الصهيونية .. المغرب إقليم توراتي!*. بالتوازي مع الاختراق العقاري، تعمل الصهيونية على إعادة كتابة التاريخ المغربي عبر فرض “الهوية اليهودية الأمازيغية”، وهي محاولة خبيثة لفصل الأمازيغ عن عمقهم العربي والإسلامي، وتهيئة الأرضية للتطبيع المجتمعي. لم يعد الأمر مجرد دعايات إعلامية، بل أصبح مشروعًا مؤسسًا على أساطير مصطنعة مثل:+ “اكتشاف ثلاثة قبور لأنبياء بني إسرائيل” في جنوب المغرب، من بسمونهم ويروجون لهم (سيدي والكناس سيدي دانيال .. سيدي حزقاييل) وكأن المغرب كان موطنًا لأنبياء بني إسرائيل !+ “اكتشاف أورشليم صغيرة” في إفران الأطلس الصغير، في محاولة لإضفاء قدسية توراتية زائفة على المنطقة.تحويل بقايا تامدولت إلى “عاصمة نبي الله اليهودي صامويل”، في تزييف فج للتاريخ، هدفه إضفاء شرعية استعمارية جديدة. هذه كلها تقليعات في الاستراتيجية الصهيونية على أساس ما سماه الباحث والفيلسوف الفرنسي روجي غارودي ؛ “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ” وهي المرحلة التي نحن بصددها في المغرب كمرحلة مؤسسة لأي مشروع صهيوني؛ وهي المرحلة التي أسماها المؤرخ الفرنسي، هنري لورانس، وعنون بها أحد مجلداته؛ *اختلاق الأرض المقدسة :* *L’ invention de la terre sainte !* هذا التلاعب ليس مجرد عبث أكاديمي، بل هو جزء من مخطط صهيوني لإعادة هندسة هوية المغاربة، عبر تسويق “جذور يهودية” للمغرب، في محاولة لشرعنة الوجود الصهيوني والتطبيع معه ثقافيًا ومجتمعيًا. *معادلة السقوف: بين الشعب والمشروع الصهيوني* اليوم، نحن أمام معادلة واضحة المعالم:
1. سقف الشعب المغربي وقواه الحية: *”الشعب يريد إسقاط التطبيع”.*، ليس فقط من أجل الواجب الشرعي والأخلاقي والقومي والوطني إزاء أشقائنا الفلسطينيين المذبحين، يوميا، هناك وكذا مقدساتنا ومسرى رسولنا الكريم المستباح والمخطط لتدميره كما يعلنون وبكل فضوح، وإنما حماية لبلدنا واستقرارنا وأمننا وكينونتنا هنا . 2. سقف الأجندة الصهيونية: “كلنا إسرائيليون”، و”النبي محمد (ﷺ) صهيوني”، و”الملك يهودي ولا علاقة له بآل البيت”، و ” يضبر راسو ” والتآمر على النظام وصولًا إلى إسقاطه ! إننا، اليوم، أمام مشروع اختراق شامل، لم يعد يخفي نواياه، بل بات يعلنها صراحة عبر أدواته الإعلامية والسياسية والثقافية، وهو اختراق يستهدف، ليس فقط سيادة المغرب وشعبه، بل حتى الدولة والنظام نفسه !
*آخر الكلام* إما إسقاط التطبيع.. أو سقوط النظام ! إن كل الوقائع أمامنا تؤكد أن التطبيع ليس مجرد اتفاق سياسي، بل مشروع اختراق وعدوان صهيوني شامل. وإذا لم يتدارك النظام خطورة ما يجري، فإن الاستمرار في التطبيع لن يكون مجرد كارثة سياسية، بل قد يتحول إلى تهديد وجودي للدولة ذاتها.. ‼️ إن الخيار الوحيد الذي يبقى أمامنا، والحالة هذه، هو، إسراع النظام في إسقاط التطبيع فورًا، وإلا فإن الصهاينة لن يتوقفوا حتى إسقاط النظام نفسه، وقد قطعوا أشواطا كبيرة على هذا المسار .. عبر ضرب الأسس الهوياتية و معاني المفاهيم المركزية والرموز الحضارية والوجاهة السياسية للدولة أمام الشعب… ! نقول كلامنا بكل مسؤولية وطنية، ونتوجه بها للجميع، ودون استثناء، لأننا كلنا في سفينة الوطن ركاب متساوو الحظوظ في المصير . ومن شأن الغرق أن يهمنا جميعا .فماذا نحن فاعلون ؟ من جهتنا، فإننا، منذ مدة ما فتئنا نقرأ اللطيف . فما رأيكم في قراءة جماعية له مرة أخرى ؟! .
—————–
× باحث في علم الاجتماع، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع