مستجداتمقالات الرأي

كلمات.. في عودة أجواء 20 غشت 1953

هل نحن بإزاء “ريفييرا” الرباط؟!

د أحمد ويحمان

يبدو أن ما يجري اليوم في الرباط، وبالأخص في حي “المحيط” وحي “الغربية”، لا يخرج عن مشروع خطير لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين، لصالح استثمارات عقارية ضخمة، تتحكم فيها شبكات احتكارية عالمية، والبترول المالي الخليجي، والجشع الصهيوني العابر للقارات، وكل ذلك بتواطؤ مفضوح مع السلطة، التي من المفترض أن تحمي المواطنين، فإذا بها، بكل أسف، تصطف مع “الأغيار” و”الجهات الخارجية المجهولة” ضد أهلها، كما عبّر عن ذلك، بصراحة وشجاعة، المحامي فاروق المهداوي، مستشار فيدرالية اليسار بالمجلس الجماعي للعاصمة.إن ما يحدث في الرباط، وخلف شعارات “التأهيل” و”التجديد الحضري”، ليس سوى مشروع “تطهير طبقي” و”استعمار عقاري” جديد، يهدف لتحويل أحياء تاريخية وشعبية إلى “ريفييرا” للمال الأجنبي، وساحة مفتوحة للبورجوازية الطفيلية، التي لا يهمها لا تاريخ الأحياء، ولا سكانها، ولا بعدها الوطني والهوياتي، بل فقط ما تدره الأرض من ذهب حين تُسلّم للمضاربين والاحتكاريين.ولعل المشهد اليوم يذكرنا، بشكل مثير ومؤلم، بأجواء 20 غشت 1953، حين كانت سلطات الحماية الفرنسية، مستعينة بالمحميين والطابور الخامس، تشن هجومًا على كل ما له صلة بالوطنية والشعب المغربي، حتى وصل الأمر إلى نفي الملك محمد الخامس والبحث عن ملك بديل له، فقط لأنه رفض التماهي مع إرادة الاستعمار وأعوانه.وهنا لا بد من التذكير بأن رجال المقاومة من الرباط لم يفاجئهم تسارع الأحداث في 20 غشت 1953، بل كانوا متابعين لتفاصيل المشروع الاستعماري وجشعه، وتكالب المحميين والوسطاء ووكلاء الاستعمار شهورًا قبل ذلك.وفي هذا السياق حدثني المجاهد الرباطي المقاوم عبد الواحد بنونة، شقيق الشهيد محمد بنونة (محمود)، والكاتب الخاص لرباطي آخر هو الشهيد الكبير والقائد الأممي المهدي بنبركة، بأن المجاهد محمد الفقيه البصري، قائد المقاومة وجيش التحرير، كان يزوده بالبنادق والمسدسات والذخيرة التي كان يتركها له في كهوف معينة جنب البحر ( ويا لمكر الصدف، على عرض المناطق التي تتعرض اليوم للهدم ) في أكياس بلاستيكية منذ 1952، وذلك استعدادًا للمواجهة التي كانوا يدركون أنها آتية. للعلن، فإن هذه المعلومات من المرحوم سي عبد الواحد أكدها لي المرحوم الفقيه البصري بحكم رفقتي له طيلة الثماني سنوات الأخيرة من عمره كاتبا خاصا له، وحكى لي عن دور الرباطيين الآخرين من رفاقه ممن تشرفت بمعرفتهم والنضال معهم من أمثال المجاهد علي برݣاش والمقاوم والمناضل التقدمي، برلماني وعمدة العاصمة، المرحوم عبد الفتاح سباطة رحمة الله على الجميع . … هكذا، كانت الرباط وأهلها جزءًا حيًّا من وعي المقاومة، وهم الذين شكلوا سدًّا منيعًا ضد مشروع “الاستيطان الاستعماري” يومها، تماما كما يجب أن يكونوا اليوم، في مواجهة “الاستيطان العقاري” الجديد ! . ولأن مشاريع “الريفييرا” ليست وليدة اليوم، بل هي جزء من فلسفة استعمارية رأسمالية متوحشة، قديما وحديثا، يكفي أن نتذكر كيف دعا دونالد ترامب، قائد لوبي العقار العالمي الاستعماري، إلى التهجير القسري لأهالي غزة، وإعلانه اعتزامه امتلاك غزة وتحويلها إلى “ريفييرا” صهيونية بعد طرد سكانها الفلسطينيين.واليوم، وكأن هذا النموذج يتم استنساخه في المغرب، حيث يسعى نفس التحالف (شركات أجنبية، أموال خليجية، لوبيات صهيونية) إلى تحويل أحياء بكاملها إلى فضاءات “ترف” مغلق، مقصي منه الشعب المغربي، تماما كما يتحدث ترامب عن غزة: “إفراغها من سكانها لتحويلها إلى منتجع للأثرياء”. فهل يريدون “ريفييرا” الرباط على أنقاض أحياء المقاومة والكرامة الشعبية؟! *آخر الكلام* إن ما يجري اليوم، في “المحيط” و”الغربية”، هو قضية كل المغاربة، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد حي أو بنايات، بل بمستقبل المدن المغربية كلها، وبمسألة الحق في المدينة، والحق في السكن، والحق في الوطن. إنها قضية استقلال المغرب الثاني: استقلال الأرض والقرار الوطني عن لوبيات المال والنهب المعولم. فهل من صحوة وطنية توقف هذا المسار؟.

أم أن “ريفييرا” الرباط ستُقام فوق أنقاض بيوت الفقراء . ودموعهم؟!سؤال يهمنا جميعا .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .

× باحث في علم الاجتماع السياسي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID