مجلة “دير شبيغل” الألمانية
جوائز الأوسكار: أساطير وتحولات في عالم السينما
برلين – محمد نبيل
في مقال مفصل، استعرضت فيه مجلة “دير شبيغل” الألمانية العديد من الأساطير المحيطة بجوائز الأوسكار، التي تُعد واحدة من أعرق الجوائز في صناعة السينما. تُمنح هذه الجائزة سنويًا منذ عام 1929، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من أسطورة هوليوود. لكن هذه الأسطورة، مثل غيرها، يحيط بها الكثير من الخرافات والأفكار المضللة. وفي هذا المقال، نستعرض بعضًا من أبرز هذه الأساطير.
هل أصبحت الأوسكار مخصصة فقط للأفلام الطويلة؟
منذ عام 2012، بدأ متوسط طول الأفلام المرشحة لجائزة “أفضل فيلم” في الزيادة بشكل ملحوظ. اليوم، إذا قررت مشاهدة جميع الأفلام المرشحة، قد تجد نفسك مضطراً للجلوس لساعات طويلة. في المتوسط، تبلغ مدة هذه الأفلام حوالي ساعتين ونصف، بينما كان متوسط مدة الأفلام في عام 2014 لا يتجاوز الساعتين. يعتقد البعض أن هذا التوجه يعود إلى تراجع الإقبال على الأفلام القصيرة، بينما يرى آخرون أن بعض الأفلام أصبحت تتجاوز الحدود المعتادة للطول.
لكن هذا التطور ليس بجديد. ففي فترات سابقة، مثل مرحلة السبعينات والألفية الجديدة، ظهرت أفلام طويلة مثل “كليوباترا” (1964) الذي امتد لأكثر من خمس ساعات. ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن متوسط طول الأفلام في الأوسكار على مدار الخمسين عامًا الماضية كان ثابتًا بين الساعتين والساعتين ونصف. ربما نشهد عودة للأفلام الأقصر قريبًا.
هل تفضل الأوسكار الممثلات الشابات؟
من المعتقدات الشائعة أن الممثلات الشابات دائمًا ما يحظين بفرص أكبر في الترشيحات، بينما يتم تجاهل الممثلات الأكبر سنًا. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. على الرغم من وجود فارق في الأعمار بين الممثلين والممثلات المرشحين، يتراوح غالبًا بين 5 إلى 15 عامًا، إلا أن هذا الفارق بدأ في التقلص تدريجيًا في السنوات الأخيرة. في عام 2023، على سبيل المثال، فازت الممثلة ميشيل يوه بجائزة “أفضل ممثلة” عن عمر يناهز 60 عامًا، بينما كانت أصغر مرشحة في نفس العام تبلغ 34 عامًا.
في السنوات الأخيرة، تغير الوضع بشكل كبير، حيث أصبح متوسط عمر الممثلات المرشحات يتجاوز 40 عامًا منذ الثمانينات، بينما ظل متوسط أعمار الممثلين الذكور يتجاوز هذا العمر بشكل متزايد، ليصل أحيانًا إلى الخمسينيات.
هل تراجعت جودة الأفلام؟
يتردد الحديث عن تراجع جودة الأفلام على مر السنين، ويُعزى ذلك إلى تأثير خدمات البث عبر الإنترنت. لكن في الواقع، تظهر البيانات أن تقييمات الأفلام شهدت تقلبات كبيرة عبر السنوات. على سبيل المثال، أظهرت تقييمات موقع IMDb أن أفلام السبعينات والتسعينات كانت تحظى بتقدير أعلى مقارنة بتلك التي تم إنتاجها في العقدين الأخيرين. قد يكون هذا مؤشرًا على تراجع طفيف في مستوى الأفلام المرشحة في السنوات الأخيرة، رغم أنها لا تزال تحظى بالكثير من الإعجاب.
الأفلام التي تروي حياة المشاهير: هل هذا هو المستقبل؟
أحد الاتجاهات البارزة في السنوات الأخيرة هو ظهور “أفلام السيرة” (الأفلام التي تروي سير المشاهير). من “غاندي” إلى “أماديوس”، ثم “بوهيميان رابسودي” و”إلفيس” في السنوات الأخيرة، أصبح هذا النوع من الأفلام يتصدر قوائم الترشيحات. بدأ هذا الاتجاه في الثمانينات، لكنه أصبح أكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة.
هوليوود والعالم: هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟
على الرغم من أن هوليوود لا تزال تحتفظ بمكانتها في صناعة السينما، إلا أن الهيمنة الأمريكية على جوائز الأوسكار بدأت تتراجع. تشير البيانات إلى انخفاض حصة الولايات المتحدة من الترشيحات في فئة “أفضل فيلم”، حيث تشكل الأفلام الأمريكية حوالي 50 في المائة إلى 70 في المائة فقط من الترشيحات في السنوات الأخيرة. في الوقت ذاته، شهدنا زيادة في المشاركة الدولية من خلال أفلام صينية وهندية.
هل تغيرت الأذواق؟
في السنوات الأولى لجوائز الأوسكار، كانت الأفلام الرومانسية هي الأكثر ترشيحًا. ولكن اليوم، أصبحت هذه الأنواع أقل شيوعًا، بينما ظلت أفلام الكوميديا تشكل جزءًا ثابتًا من الترشيحات عبر السنين. حتى في العقد الأخير، لا تزال الكوميديا تشكل ما بين 20 إلى 40 في المائة من الأفلام المرشحة.
على الرغم من أن بعض الأساطير حول الأوسكار قد تكون صحيحة، تكشف البيانات الكثير من التغيرات في صناعة السينما وتطوراتها على مر السنين. قد تستمر الانتقادات، ولكن تبقى الأوسكار رمزًا حيًا للتطور المستمر في عالم الأفلام.
لا توجد معايير ثابتة تحدد ما يجعل فيلمًا جيدًا، فالأذواق تختلف من شخص لآخر. ومع ذلك، فإن هناك تقييمات من المشاهدين والنقاد السينمائيين المحترفين تكشف عن بعض الاتجاهات المثيرة. وعلى الرغم من أن جمهور المشاهدين لا يتفق دائمًا مع النقاد المحترفين حول تقييم الأفلام، فمنذ منتصف السبعينات وحتى التسعينات، كانت الأفلام تحظى بتقييمات أعلى بشكل ملحوظ. أما بعد عام 1990، فقد شهدنا انخفاضًا ملحوظًا في التقييمات.
انخفاض الهيمنة الأمريكية في صناعة السينما
على الرغم من أن هوليوود تظل اللاعب الرئيسي في صناعة السينما العالمية، إلا أن الهيمنة الأمريكية على الترشيحات بدأت تتراجع. فقد أصبحت حصة الولايات المتحدة من الأفلام المرشحة لجائزة “أفضل فيلم” تتراوح بين 50 و70 في المائة في السنوات الأخيرة، ما يقل كثيرًا عن الماضي. أما بالنسبة للترشيحات لأفضل ممثل وأفضل ممثلة رئيسية، فإن نسبة المرشحين الذين ولدوا في الولايات المتحدة تتراوح عادة بين 50 و70 في المائة، مع وجود عدد كبير من البريطانيين بين المرشحين.
تطور أنواع الأفلام
في سنوات الأوسكار الأولى، كانت أفلام الحب تمثل حوالي نصف الأفلام المرشحة لجائزة “أفضل فيلم”. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه النوعية من الأفلام أقل شيوعًا، بينما ظلت أفلام الكوميديا واحدة من الأنواع الأكثر استقرارًا، حيث كانت تمثل بين 20 و40 في المائة من الترشيحات عبر العقود.
ورغم التغييرات التي شهدتها صناعة السينما على مر السنين، تظل جوائز الأوسكار مرآة حية للتطورات المستمرة في هذا المجال. تتغير الأذواق وتظهر الاتجاهات الجديدة، لكن الأفلام الجيدة تظل هي التي تحظى بالتقدير وتظل خالدة في تاريخ السينما.