حيمري البشير

عودة للحديث عن أسطوانة الإندماج والإنصهار في المجتمع

يبدو أن السياسيين الذين مازالوا يتحدثون عن المصطلحين ،لا يريدون قول الحقيقة ،ويركبون على المصطلحين لإدامة هذا الصراع في المجتمع وإلصاق التهم حتى بالأجيال التي ازادت وترعرعت في المجتمع الدنماركي وينطبق الأمر حتى على الأجيال المزدادة في باقي المجتمعات الأروبية.ولعل هذه المصطلحات التي أصبحت عدة أحزاب تركب عليها لاستقطاب الناخبين في المعارك الإنتخابية ،لا تخدم لا الإندماج ولا الإنصهار في المجتمعات وتعيق تحقيق الدولة الديمقراطية ونشر القيم الإنسانية التي يتغنى بها الغرب .ثم علينا أن نطرح عدة أسئلة إلى متى يبقى هذا الخطاب السياسي سائدا ،من أجل الوصول فقط إلى سدة الحكم ؟أتساءل دائما لماذا يتواجد أغلبية من المهاجرين في أوروبا من أصول إسلامية،بمعنى من جنسيات مختلفة،يأتي في مقدمتها فلسطينيون وعراقيون وإيرانيون وأفغانيون وقلة أردنيون لكنهم من أصول فلسطينية ثم عرب من شمال إفريقيا ؟لماذا تغيب جنسيات أخرى على سبيل المثال لا الحصر سعوديون وإماراتيون وبحرينيون وكويتيون و…….أعتقد أن دوافع الهجرة واللجوء التي عرفتها دول شمال أروبا ناتجة عن الحروب التي عاشتها العديد من الدول كالعراق على سبيل المثال لا الحصر.إن رواسب الحروب التي عاشها المهاجرون المقيمون في مختلف الدول الأروبية وسوف أقتصر على واقعنا في البلدان الإسكندنافية ،وحتى تتوضح الصورة أكثر .فلابد من التعبير بكل صراحة وبكل وضوح عن واقع المهاجرين في الدنمارك والذين طالبتهم رئيسة الحكومة الحالية بالإنصهار في المجتمع الدنماركي ،ولعلها بنت موقفها من خلال بحث ودراسة قام بها باحثون مختصون للأقليات المسلمة في المجتمع الدنماركي ،هذه الدراسة بينت أن المهاجرين من أصول عربية مسلمة ،أومسلمون يتكلمون لغات أخرى لا يحتمون على كلمة سواء ،وتنطبق عليهم الآية (كل حزب بما لديهم فرحون) بمعنى أنهم مهاجرون من أصول مسلمة لا يستطيعون الوصول إلى اتفاق يتخذونه كخارطة طريق ،وخطاب موحد يدافعون به عن وجودهم الإضطراري في المجتمعات الأوروبية بصفةزعامة والمجتمع الدنماركي على وجه الخصوص .والحقيقة التي لا يريدون فتح نقاش فيها ،هي أن الجيل الأول ،يختلف عن الجيل المزداد في المجتمعات الأوروبية وسوف نتحدث عن واقعنا في المجتمع الدنماركي .إن السياسيين الذين يخاطبون الجيل المزداد في البلدان الأوروبية بالإنصهار ،وسوف أعود مرة أخرى للحديث عن الدنمارك .فأعتبر شخصيا من خلال المدة التي قضيتها في هذا البلد ،أن من الحيف بل من العيب أن تطالب جيل ولد هنا ودرس هنا وتخرج من الجامعات الدنماركية بالإنصهار لأنهم جيل يحمل من الثقافة الدنماركية أكثر من الثقافة التي يحملها آباؤهم وأمهاتهم لا لشيئ سوى أنهم درسوا في المدارس والثانويات والجامعات الدنماركية مع أصدقاء وصديقات دنماركيين ودانماركيات وجسدوا حقيقة الإنصهار الذي تحدثت عنه رئيسة الحكومة ومن العيب أن يتم ترديد نفس الخطاب على جيل ازداد وترعرع هنا وتشبع بالقيم الدنماركية ولا علاقة له بالثقافة التي يحملها آباؤهم وأمهاتهم ،لأن تأثير ثقافة المجتمع الدنماركي على الجيل المزداد هنا تصبح أقوى من ثقافة أصولهم العربية والإسلامية.استمرار هذا الجدل وعودة هذا الخطاب السياسي من جديد هل يخدم الإستقرار في المجتمع ،أم يشعل فتيل صراع ونقاش سياسي من المفروض أن نتجاوزه ،ونبني المجتمع الذي نعيش فيه بل المجتمعات التي نعيش فيها على القيم المشتركة التي تجمعنا جميعا قيم التسامح الديني ،ونبذ العنف والتطرف ،والدعوة إلى العيش المشترك ونبذ العنصرية.

لقد مللنا من العودة من جديد لطرح مسألة الإندماج والإنصهار هذه الأسطوانة التي يجب أن نطويها وهذا الخطاب يجب أن تقتنع به كل الأطراف .الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد ومازالت مستمرة على فتح هذه الأسطوانة كلما ظهرت علامات الفشل على التحالف الذي يسير أمور البلاد واستمرار الأحزاب إلصاق التهم للمهاجرين بعدم انصهارهم واندماجهم رغم مرون أكثر من نصف قرن على تاريخ الهجرة بهذا البلد.وفي الحقيقة من يتحمل مسؤولية عدم الإندماج أوعدم الإنصهار ؟ ألا نحمل المسؤولية للأحزاب والحكومات التي دبرت شؤون البلاد لكل هذه السنين التي مرت ؟ثم للإنصاف وقول الحق المسلمون الذين اضطروا للهجرة للدنمارك وأوروبا ألا يتحملون جزئ من مسؤولية عدم الإندماج لأنهم لم يعيشوا على كلمة سواء فكل فريق له مسجده وجمعيته يعيشون في خلاف دائم إلى يوم يرحلون ،مازالوا لم يقتنعوا بأن الإسلام واحد وأن المساجد للعبادة يجب أن تكون مفتوحة في وجه الجميع وليس العراقيون لهم مساجدهم والمغاربة لهم مساجدهم والباكستانيون لهم مساجدهم وأفكارهم متفرقة ،ليسوا على كلمة سواء .وهذه الأمور هي التي تدفع السياسيين على التركيز على فكرة الإنهيار وليس على الإندماج وهي في الحقيقة قد تنطبق على الجيل الأول الذي بدأ في الإنقراض وليس على الجيل الذي ازداد في الدنمارك ودخل المدارس والثانويات والجامعات الدنماركية فهو منصهر ويحمل ثقافة دنماركية بامتياز ولا يفكر مطلقا من العودة من حيث أتى آباؤهم لأنهم بصدق يحسون بالإغتراب هناك من حيث أتى آباؤهم ،ويحسون عكس ذلك بالطمأنينة في الدنمارك،لأنهم يعتبرون أن الديمقراطية التي يتمتعون بها هنا لا يمكن تحقيقها في البلدان التي أتى منها آباؤهم وأجدادهم ،وبالتالي أعتقد على السياسيين الدنماركييين أن لا يستعملوا نفس الخطاب عندما يبنون سياستهم في الهجرة على الجيل الأول الذي على وشك الإنقراض .

ثم نقطة مهمة يجب الإشارة إليها هو أن الحقوق التي اكتسبها المهاجرون من مختلف الأوطان لم يستطيعوا الحصول عليها في بلدانهم وسوف أتكلم عن موطني الأصلي فمازال حق المشاركة السياسية مصادر في الوقت الذي حققناه في الدنمارك وفي غالب الدول الأروبية،ولا بد من التنويه بالبلدان التي نعيش فيها لأنها بالإضافة للمشاركة السياسية وفرت لنا حقوق أخرى مكنتها من إقامة مساجد ووفرت لنا مقابر لدفن أمواتنا لتكون قريبة منا ،وخففت عنا متاعب نقلها إلى بلدانها الأصلية.يجب أن نحمد الله ونشكره على تواجدنا في بلدان تحس فيها بالمواطنة الكاملة وتتمتع بكل ظروف العيش بسواسية مع كل فئات المجتمع ،ولا تحس بالإقصاء الذي تحس به في المجتمعات التي تنحدر منها،والتي أصبحت تركز أكثر على تحويلاتك وترفض تمتعك بالحقوق كباقي أفراد المجتمع .

حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID