مستجداتمقالات الرأي

حصان طروادة أو إسرائيل .

  

لقد ظل حلم السيطرة على المنطقة العربية، حلما يراود الغرب الصليبي و ظلت المحاولات تتكرر في مراحل تاريخية معلومة مترصدة ضعف الدولة الإسلامية و خصوصا المركز فيها و الصراع على السلطة داخل الدولة الإسلامية و التفتيت الذي حصل داخلها لأسباب كثيرة سياسية و مذهبية. و قد تعرضت  المنطقة العربية لأشرس حملة صليبية في القرون الوسطى بزعامة الكنيسة الكاثوليكية و تحت شعار استعادة السيطرة على مناطق نفوذ الإمبراطورية الرومانية في الشام خاصة و في مصر. و قد توالت الحملات الصليبية على المنطقة العربية، لكنها انكسرت جميعها و فشلت في هدفها الأساسي و المتمثل في السيطرة على المنطقة من خلال السيطرة على الطرق التجارية و المنافذ البحرية، و قد كان شعار تلك الحملات استعادة الأراضي المقدسة، مما أعطاها صبغة دينية، و صراعا بين الحضارات و قد بدأت من القرن الحادي عشر و استمرت إلى غاية القرن الرابع عشر.
و قد كان للظروف التاريخية الصعبة التي عاشتها المنطقة العربية سياسيا، من تشرذم و صراع على السلطة و بذور الفتنة المذهبية الأثر الأكبر في استهداف المنطقة العربية و الطمع فيها، لكن الفشل كان نصيب كل تلك الحملات، و قد انتهت مع بزوغ فجر الخلافة العثمانية. 
لكن ذلك الحلم لم يفارق العالم المسيحي، و ظل يتحين فرص ضعف جديدة في العالم الإسلامي ، و قد كانت حملة نابليون على مصر في القرن الثامن عشر، بمثابة مؤشر جديد على تنامي أطماع الدول الغربية في الشرق العربي ، بعد الاكتشافات الجغرافية الكبرى للسيطرة على الطرق التجارية في آسيا الوسطى و الممرات و المنافذ البحرية و قد تلى ذلك كلها الموجة الاستعمارية التي طالت كل من افريقيا و المنطقة العربية و استراليا و آسيا و الأمريكيتين، لتوسيع النفوذ المسيحي و فرض قيم الحضارة الغربية بالقوة و النار.
و نظرا للموقع الاستراتيجي الذي يحظى بها العالم العربي والإسلامي، فقد كان المستهدف الرئيسي من الحملة الاستعمارية الأخيرة كجزء من فرض هيمنة العالم الغربي المسيحي على العالم العربي والإسلامي . و فعلا تم تفتيت هذا التكتل الذي ظل موحدا لقرون عدة بعد العمل على إضعاف الدولة العثمانية و إسقاط نظام الخلافة الإسلامية بها و جعل  امصارها دويلات ضعيفة سياسيا و عسكريا.
و من هنا كان على العالم الغربي المسيحي العمل على زرع كيان داخل جسد الأمة العربية والإسلامية لتأكيد سيطرته و تفوقه حضاريا و ثقافيا و عسكريا على المنطقة العربية و العالم الإسلامي.
عاشت المنطقة العربية، الاحتلال الاستعماري تحت مسميات عدة، فمن الانتداب إلى الحماية و عانت شعوب المنطقة العربية من ويلات و جرائم المحتلين، و لم يكن بد من مواجهة المحتل الغاشم و تشكلت في كل الوطن العربي الحركات الجهادية التي لقنت المحتل دروسا في الدفاع عن الأوطان و الأعراض و الأنفس و قد تم تسطير ملاحم و بطولات ترسخ صداها في الذاكرة الشعبية عند شعوب العالم العربي والإسلامي و بصمة في التاريخ الحديث، مما أدى إلى كسر التطلعات الاستعمارية في المنطقة ، و لاح في الأفق القريب فجر التحرر و الاستقلال، و هنا كان لابد من إيجاد آلية جديدة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الكبرى للامبريالية العالمية في المنطقة العربية، و جاء التخطيط لخلق حصان طروادة جديد لإبقاء المنطقة العربية والإسلامية خاضعة سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا لسيطرة النفوذ الامبريالي. و قد تحقق ذلك بزرع الكيان الصهيوني داخل جسد الأمة العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط و خاصة في فلسطين. 
و يبدو لي أن المنطقة العربية، لن تنعم بالتحرر الحقيقي،و الخروج من تبعات العهد الاستعماري و التبعية المذلة بكل أشكالها للغرب، إلا عبر تحرير فلسطين من المحتل الصهيوني و إحراق حصان طروادة الجديد.
إن حلم الوحدة العربية والإسلامية، هو الطريق الاسلم نحو التحرير و التحرر، تحرير الأوطان و تحرر الإنسان. التحرر من كل الأيديولوجيات التي كانت سببا في التشرذم و الفرقة  ، المذهبية منها  و الطائفية و العرقية و الفكرية والسياسية . و تحرير الأوطان من الأوهام و السلطوية الزائفة و العقول المتحجرة  و ذلك عبر تحقيق العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية. و لن تقوم للأمة العربية والإسلامية قائمة الا عبر قاطرة التعليم و الاستثمار في الإنسان لبلوغ المراتب العليا بين الأمم .
حصان طروادة اي الكيان الصهيوني أو إسرائيل، المشروع الامبريالي داخل جسد الأمة العربية والإسلامية، بدأ يحترق من الداخل و من الخارج أيضا، فقد اتضحت مرامي و أهداف زرعه في المنطقة العربية، و هي زعزعة استقرار المنطقة و جعل ثرواتها في قبضة الامبريالية و الصهيونية و خدمة أجندتها التخريبية في المنطقة.
انحسار المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، يعد بمثابة الانفراجة التي ستعيد حلم الوحدة العربية والإسلامية إلى أجندة شباب الأمة العربية والإسلامية، و ما تشهده المنطقة من أحداث جارية يعد منطلقا لتحقيق ذلك.

أحمد الونزاني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube