مستجداتمكتبة قانونية

معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية إعداد: ادريس السدراوي

معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية إعداد: ادريس السدراوي

رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان

مقدمة

يعتبر تعزيز حكم القانون من أهم مرتكزات الدولة الديمقراطية وركنا جوهريا في إقامة العدل وضمان المساواة في الحقوق والمسؤوليات باعتباره التعبير الأسمى لإرادة الشعوب، ومن تم فإن مختلف السلط الدستورية والمؤسسات الوطنية والمنظمات غير الحكومية تلعب أدوارا ريادية في النهوض بسيادة القانون سواء من خلال المساهمة في سن السياسات والتشريعات أو من خلال تقديم المشورة والرأي على مستوى تطوير وتحسين آليات الرقابة والمراقبة، وذلك بغية ضمان العدل وتوفير سبل الانتصاف، وتحقيق المساواة وإقرار المسؤولية والخضوع للشرعية القانونية وإقرار الشفافية والنزاهة وتحقيق الحماية المؤسساتية لحقوق الإنسان؛ لأن العمليات والآليات الرقابية التي تؤدي عملها بفعالية، والتي يمكن أن توفر المساءلة والضمانات ضد إساءة استعمال السلطة، تشكل عناصر لا غنى عنها ، وأن الديمقراطية تتطلب أيضاً وجود مؤسسات حكم تتمتع بالشفافية وتخضع للمساءلة, وتتوقف شرعية هذه المؤسسات على امتثالها للمبادئ الأساسية لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. واعتبارا لكون الحفاظ على الأمن ضرورة لبناء دولة القانون ولحقوق الإنسان، ولكنه لا يمثل بديلا لهما، حيث أنه لا يجب أن يتم الحفاظ على الأمن على حساب حقوق الإنسان كمقوم أساسي لدولة القانون. لكن بالمقابل فإن عدم الاستقرار والإخلال بالأمن يؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان ولا سيما من حيث التمتع بالحق في الحياة، والحرية والسلامة الجسدية، كما يشكل عاملا أساسيا في تقويض البنيات الاجتماعية وتقليص أدوارها التأطيرية، ناهيكم عن أن عدم الاستقرار يهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما يؤثر بصورة مباشرة على التمتع بحقوق الإنسان في شموليتها وعدم قابليتها للتجزيء. وبالتالي فضرورة ضبط المعايير المناسبة خلال العمليات الأمنية في تلازم وتناسب بين حفظ الأمن واحترام حقوق الإنسان كمرتكزين رئيسيين لدولة القانون، فلا يمكن الحفاظ على أحدهما دون الآخر, لأنه بدون الأمن تهدر حقوق الإنسان؛ وبدون حقوق الإنسان لا يتحقق الأمن, وتأسيسا على ذلك نصت مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان على التدابير المرجعية للحفاظ على الأمن، ليس فقط لتدبير استخدام القوة وشروطه وحدوده ومعاييره، ولكن أيضا عبر معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي غالبا ما تكون مصدر التوتر وعدم الاستقرار والانفلات الأمني. لذلك تكمن أهمية موضوع “معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية” لأن للأمر علاقة بتعزيز دولة القانون والتي لا يمكن أن تقوم ايضا إلا عبر حفظ الأمن وضمان تمتع المواطنين والمواطنات بكافة حقوق الإنسان من جهة، وترشيد حكامة الأجهزة المكلفة بإنفاذ القوانين من جهة أخرى, الشئ الذي دفعني إلى سلسلة من المقالات العلمية حول هذا الموضوع حيث سيتم نشره عبر ثلاثة أجزاء

يتبع ………………………………………………………………………….

معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية إعداد: ادريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان استكمال العرض بعد المقدمة: I. الاطار يبدأ عمل الشرطة الفعّال بإطار قانوني واضح يوفر توجيها مناسبًا وتحديدا واضحا لصلاحيات عناصر الشرطة. غير أن أي إطار قانوني لا يمكن أن يكون فعالا في ظل غياب الالتزام السياسي والاجتماعي بحماية القيم الديمقراطية والاعتراف بالشرطة باعتبارها مؤسسة شرعية. ولا بد من وضع آليات للمساءلة أو آليات للضوابط والضمانات للحد من خطر زج الحكومة بجهاز الشرطة في مواقف غير ملائمة. ولا بد كذلك أن تضمن الحكومات توافق القوانين المحلية والقواعد والبروتوكولات الداخلية المتعلقة باستخدام القوة مع الأعراف والممارسات الجيدة المعترف بها دوليًا, فالسياسات الداخلية يجب أن تُوضع على أساس نهج تشاركي يتسم بالشفافية، مع مراعاة أن تكون كاملة ومفهومة للضباط والجمهور على حد سواء. ولا بد أن تتحقق مؤسسات إنفاذ القانون من استيعاب الضباط للسياسات للحفاظ على ثقافة المساءلة، مع ضرورة إخضاع السياسات لعمليات مراجعة دورية على يد هيئات مستقلة.

1) الاطار الأساسي لاستخدام القوة

على الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه دوليًا لاستخدام القوة، فإن هناك فهم عام لاستخدام قوة الشرطة يعرف بأنه “مقدار الجهد المطلوب أن تبذله الشرطة لإرغام شخص لا يرغب في الالتزام على الالتزام” قد يلجأ ضباط الشرطة إلى استخدام القوة للتخفيف من حدة حادث معين أو مواجهة أي مقاومة أو حماية أنفسهم أو الآخرين من التعرض لمكروه, وقد تستدعي كافة المهام التي تقوم بها الشرطة اللجوء إلى استخدام القوة كما هو الحال في عمليات الإيقاف والتفيش والمصادرات والاعتقالات والاحتجازات ومكافحة الجرائم وإدارة التجمعات العامة. يمكن أن تتراوح مستويات القوة المستخدمة، حسب كل سياق، ما بين تقييد حركة الجسد باعتدال والقوة المميتة, وفي جميع الحالات يجب أن يحكم استخدام القوة القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين المحلية. تُقدم الأمم المتحدة إرشادات دولية أساسية من خلال مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ( الصادرة من الأمم المتحدة في عام 1979، والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين الصادرة عام 1990، والتي يلزم الامتثال لها من جانب الدول الأعضاء التي صدقت على هذه الاتفاقيات. وقد أشارت الإنسان ومحكمة الأمريكية إلى هاتين الاتفاقيتين على أنهما بيانات ذات حجية تحكم استخدام عناصر الشرطة للقوة وفي عام 2020، أصدرت الأمم المتحدة إرشادات تكميلية بشأن الأسلحة الأقل فتكا.

2) المبادئ الأساسية الشرعية:

يلزم تنظيم استخدام القوة وفق القوانين المحلية واللوائح الإدارية بما يتماشى مع الأعراف المعترف بها دوليًا. ولا يمكن أن يُبرر استخدام القوة إلا إذا كان الهدف منها هو تحقيق هدف مشروع في سبيل إنفاذ القانون. ولابد أن تكون تشريعات الدولة واضحة في هذا الخصوص بما يكفي لضمان توقع آثاره القانونية، كما يجب نشر هذه التشريعات على نطاق واسع لضمان وصول الجميع إليها بسهولة. وفي سياق إنفاذ القانون، لا يجوز أبدا استخدام القوة كأسلوب من أساليب العقاب، كما لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الاستعانة بأي معدات تخالف تلك المصرح بها من جانب السلطات المعنية بالدولة. ولا بد أن تحدد القوانين واللوائح المحلية الحالات التي يمكن فيها استخدام الأسلحة الأقل فتكا والمعدات ذات الصلة التي تفرض قيود على استخدامها من أجل الحد من مخاطر التعرض إصابات. الحيطة: يلزم التخطيط لعمليات وإجراءات إنفاذ القانون وتنفيذها مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع أو على الأقل تقليص مخاطر اللجوء إلى القوة ومن ثم تخفيف حدة أية إصابات قد تترتب عليها. ولا بد أن يحرص الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون على تأجيل أي احتكاك أو اشتباك مع الجمهور إذا كان ذلك سيقلل من احتمالية الحاجة إلى استخدام القوة أو حدوث نتائج عنيفة، وإذا كان التأجيل لا يمثل أي خطر على الشخص الذي يشكل تهديدا أو الآخرين. ومن هنا، فإن عملية تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وتزويدهم بمعدات حماية كافية وقدر كاف من الأسلحة الأقل فتكا ونشرهم بشكل ملائم يندرج ضمن التدابير الاحتياطية الضرورية لمنع وقوع أية أضرار غير ضرورية أو مفرطة. الضرورة: استنادا إلى مبدأ الضرورة، الذي يستدعي تحقيق أهداف إنفاذ القانون المشروعة عدم توفر أي بديل معقول في لحظة التعامل بخلاف اللجوء إلى استخدام القوة. وعلى وجه الخصوص، يجب عن الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون السعي لتهدئة المواقف التي يتعاملون معها بطرق مختلفة كالبحث عن حلول سلمية للمواقف الخطيرة متى تسنى لهم ذلك. وعندما تكون هناك أسباب معقولة لضرورة اللجوء إلى استخدام القوة في أية ظروف، فلا بد من الحرص على استخدام الحد الأدنى من القوة اللازمة لتحقيق الهدف المنشود. ولا بد أيضا من التوقف عن استخدام القوة إذا زالت الضرورة التي تستدعي ذلك. التناسب: يلزم أن يكون نوع ومستوى القوة المستخدمة والضرر الذي قد يُتوقَّع بشكل معقول أن ينتج عنها متناسبًا مع مستوى التهديد القائم. ولا ينبغي بأي حال من الأحوال اللجوء إلى القوة المفرطة من أجل تحقيق هدف مشروع. فعلى سبيل المثال، لا يجوز استخدام قوة، حتى ولو بأسلحة أقل فتكا، يُحتمل أن تؤدي إلى إصابات متوسطة أو بالغة لمجرد إجبار شخص على الامتثال لأمر ما وكانت مقاومته مجرد مقاومة سلبية. وفي جميع الأوقات، ينبغي للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون مراعاة التأثير العرضي المحتمل لاستخدامهم للقوة على المارة والعابرين والأطقم الطبية والصحفيين وتخفيفه إلى أقل حد ممكن. كما لا يجوز لهم توجيه القوة المستخدمة نحو هؤلاء الأشخاص المذكورين، مع مراعاة أن يكون أي تأثير عرضي متناسبًا تماما مع الهدف المشروع المراد تحقيقه. عدم التمييز: يلزم على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون عدم ممارسة التمييز ضد أي شخص على أساس الانتماء العرقي أو الاثني أو اللون أو الجنس أو التوجه الجنسي أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية أو الآراء الأخرى أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الإعاقة أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من المعايير المشابهة. ولضمان عدم التمييز وتحقيق المساواة الفعلية في معاملة الأشخاص الخاضعين لاستخدام القوة، يلزم ممارسة مستوى عال من العناية والحيطة والمفاضلة إزاء الأفراد المعروفين بتعرضهم، أو المحتمل تعرضهم، بشكل خاص لآثار استخدام القوة بصورة معينة. وتشكل عملية المراقبة، بما في ذلك الإشارة إلى المعلومات الملائمة عن الأشخاص الذين تُستخدم القوة ضدهم، عنصرا في غاية الأهمية في الجهود المبذولة لضمان عدم التمييز في استخدام القوة. المساءلة: تلتزم الدول، بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي والمبادئ الدولية بشأن استخدام القوة، بضمان إخضاع الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون للمساءلة عن تصرفاتهم، بما في ذلك قرارات استخدام القوة. ونظرا إلى أن واجب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون يحتم عليهم حماية الجمهور، تكون الدول ملزمة، في بعض الأحوال، بإخضاعهم للمساءلة عن أي تقصير في أداء واجباتهم. وتشمل المساءلة الفعالة للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون مختلف الجهات الفاعلة: ممثلو الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني وهيئات الرقابة المستقلة، بما في ذلك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أو مكاتب أمناء المظالم. ومع ذلك، تظل المساءلة متعلقة في المقام الأول بالشرطة وغيرها من وكالت إنفاذ القانون حيث تشكل المساءلة أهمية جوهرية في سد الثغرات القائمة بين سياسة الشرطة وممارساتها. من الضروري الإقرار بعدم وجود إطار قانوني دولي شامل ملزم قانونًا بشأن استخدام القوة بحيث تخضع بموجبه جميع الدول للمساءلة، غير أن التوجيهات الصادرة عن الأمم المتحدة في هذا الصدد تشكل نقطة مرجعية معترف بها على نطاق واسع لتقييم التشريعات المحلية والممارسة الفعلية.

3) أسس أنظمة حكامة جيدة

يبدأ عمل الشرطة الفعّال بالتوجيه المناسب والتحديد الواضح لصلاحيات عناصر الشرطة. وينبغي أن تكون القوانين والأنظمة واللوائح والإجراءات والبروتوكولات المتعلقة باستخدام القوة متوافقة مع القواعد والتوجيهات المعترف بها دوليًا. وينبغي كذلك أن يقترن الإطار القانوني بعمليات وأنظمة وظيفية لتعزيز الامتثال للقواعد الموضوعة جنبًا إلى جنب مع الصلاحيات والقدرات اللازمة لإنفاذ الامتثال وفرض العقوبات عند الضرورة. وهذه الجوانب الأساسية تستلزم وجود نظام مساءلة قوي لضمان الامتثال. ………………………………………………………………………….

معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية إعداد: ادريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان استكمال العرض بعد المقدمة والإطار: II. سيادة القانون

1) الطريقة المثلى لاستخدام القوة

يمكن لمؤسسات الشرطة الاستفادة من تعزيز نظام حكومتها، إذ يساعد ذلك على ضمان الامتثال للأطر القانونية الدولية والمحلية ويعزز مستويات الشرعية. ويمكن أن تقدم لنا التجربة الدولية أمثلة تُبرز مدى أهمية مبادئ الحوكمة الرشيد – المطبقة على جوانب استخدام القوة، بما في ذلك السياسة والموارد البشرية والمعدات – لفعالية عمل الشرطة. تجدر الإشارة إلى أن مبادئ الحكامة وأنظمتها التي يتطرق لها عرضنا تتعلق بأجهزة الشرطة فحسب، رغم تعلقها بشكل غير مباشر بالعديد من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، إذ أن طبيعة السياق السياسي والاجتماعي والإطار التشريعي الذي تعمل فيه هو ما يحدد الهيكل التنظيمي لاستخدام القوة في نهاية المطاف. وهناك عوامل خارجية تأثر تأثيرا كبيرا على أجهزة الشرطة؛ فالنظام السياسي يحدد هياكلها إذ تكون المركزية في الدول الفيدرالية، بينما تكون مركزية في الدول الوحدوي، كما تضطلع التشريعات ونظام العدالة بدور لا يقل أهمية عن دور القيم وقوة المجتمع المدني. وتستدعي عوامل التأثير المهمة هذه النظر في العلاقات بين البيئة المحيطة والشرطة. لإن إيجاد بيئة تركز فيها أجهزة الشرطة على مراعاة حقوق الإنسان يتطلب توجها سياسيًا إيجابيًا فيما يخص سيادة القانون، بالضافة إلى إطار تشريعي يتضمن المعايير والمبادئ المعترف بها دوليًا.

2) العوامل الاستراتيجية والسياسية

تتحمل الدول، خاصة الدول الموقِّعة على اتفاقيات دولية ، مسؤولية إعداد جدول الأعمال لوضع إطار كامل يضمن الامتثال الأعلى المعايير المتعلقة باستخدام القوة والرقابة عليه. ولا بد من الانتباه إلى أن عمليات تغيير القواعد والإصلاح المؤسسي والتحديث لن تكون كافية أو فعالة إذا لم تكن مصحوبة بالتزام سياسي بتنفيذها. تعمل أجهزة الشرطة تحت سلطة الحكومات القائمة على الحكم، وتختلف التفاصيل المحددة لهذه العالقة من بلد لآخر. وتتحمل الحكومات مسؤولية التأكيد على أهمية دور الشرطة باعتبارها الجهة الضامنة لحقوق المواطنين. وتعد عمليات إصلاح أجهزة الشرطة أو تحديثها بغرض تحسين ممارسات استخدامها للقوة عملية طويلة المدى وربما تمتد لما بعد فترات الولاية الرئاسية أو البرلمانية، كما أن إحراز أي تقدم ملحوظ قد يستغرق وقتًا أطول من متوسط مدة الدورة الانتخابية في معظم البلدان. وهذا يعني أن عمليات تحسين استخدام الشرطة للقوة يجب أن ترتكز، إلى جانب الدعم السياسي، على الحوار والانفتاح والشفافية ومشاركة المواطنين. فهذا يعزز بناء الثقة التي ال بد من توافرها لتحقيق عمليات الإصلاح، لاسيما من أجل الشرعية والحصول على دعم الجمهور. يسلط حفظ الأمن والنظام في التجمعات الضوء على أهمية تحديد الحكومات التجاه استراتيجي للإجراءات التي تتخذها الشرطة. فالاحتجاجات غالبًا ما تكون موجهة بشكل خاص صوب الحكومات أو سياساتها أو مواقفها من الشؤون الخارجية. وبالتالي فإن وجود إطار قانوني ييسر ممارسة الحق في حرية التجمع والتظاهر يعد عاملا جوهريًا في تحديد طريقة تيسير الشرطة لمثل هذه التجمعات وإدارتها. كما ال يقل عن ذلك أهمية أن تتساهل الحكومات في منح هذه الحريات للمواطنين بالإضافة إلى مواقفها العامة والخاصة بشأن الطريقة التي ينبغي لأجهزه الشرطة التعامل بها مع هذه الحريات.

3) الاطار القانوني

يشكل احترام الشرطة للقانون وتنفيذها له بصورة صحيحة ومحايدة عاملا حاسما في إرساء الديمقراطية والشرعية، غير أن هذا يفترض مسبقًا أن يكون القانون نفسه ملائما للغرض الموضوع من أجله. فالإطار الدولي المعترف به على نطاق واسع يحتوي على المعايير التي يجب أن تستند إليها كل دولة في وضع إطارها القانوني المحلي. على الرغم من أن استخدام الشرطة للقوة ينبغي أن يعكس ما تنص عليه المعايير الدولية والمبادئ الأساسية الواردة في قوانين الأمم المتحدة المختلفة، فإن ضباط الشرطة ما زالوا مطالبين بإنفاذ التشريعات الوطنية. وإذا كانت التعليمات التي تنص عليها هذه التشريعات قاصرة وغير كافية، فإن نتائج تنفيذ ضباط الشرطة لها لن تكون ملائمة. تستخدم الحكومات الوطنية تشريعات لوضع معايير تحدد طبيعة عمل الشرطة الميداني لاسيما فيما يتعلق باستخدام القوة. وعلى الرغم من عدم قدرة هذه التشريعات على الاستجابة لجميع التحديات التي تواجه الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون في مهاهم اليومية، فإنها يجب على الأقل أن توفر توجيهات أساسية تضمن امتثال الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون للقوانين والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن الضروري ألا يُعفى الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون من المسؤولية الجنائية عن أي أعمال غير قانونية تُرتكب أثناء تأدية مهامهم، ولا بد أن تكفل أحكام القانون الحق في رفض الأوامر التي تتعارض تعارضا واضحا مع أحكام القانون. كما قد تلعب المحاكم الوطنية دورا إيجابيًا أو سلبيًا من خلال تفسير القوانين وتنفيذها. وبالرغم من أن المحاكم الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان قد تُراجع هذا التفسير المحلي وتتعارض معه، فإن هذه الإجراءات تستغرق وقتًا طويلا يصل لسنوات عديدة حتى تصدر المحكمة أحكامها، ومزيدا من الوقت لإدراج هذه الأحكام في القوانين المحلية. ينبغي أن يكون الإطار التشريعي للدول كاملا وواضحا لا غموض فيه وقابلا للإنفاذ ومتوافقًا مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وينبغي كذلك إتاحة الوصول إلى القوانين والمعايير المحلية لكل من ضباط الشرطة والجمهور على حد سواء وأن تكون بصيغة يسهل عليهم فهمها. ونظرا إلى أن عمل الشرطة يتم في بيئة دائمة التغيّر، فال بد من مراجعة مدى ملائمة الإطار القانوني وامتثاله بصفة دورية من قبل سلطات إدارية وقضائية مختصة مستقلة ومحايدة، وتحديثه عند اللزوم.

4) المبادئ التوجيهية الداخلية

تشكل السياسات والبروتوكولات والمبادئ التوجيهية الداخلية اللبنات الأساسية لوضع نهج تتبعه الشرطة في استخدام القوة يتوافق مع جميع أحكام القانون ذات الصلة. ونظرا إلى أن الإطار القانوني يحدد بالتفصيل القواعد التي تنظم استخدام الشرطة للقوة، فإن السياسة والمبادئ التوجيهية الداخلية ترمي إلى ضمان الامتثال لهذا الإطار القانوني من خلال وضع توجيهات تحدد كيفية استخدام هذه القوة وأوقات استخدامها. لا بد أن تكون السياسات الداخلية واضحة وقوية، وأن تهدف إلى تزويد ضباط الشرطة بتوجيهات قابلة للتنفيذ عمليًا، مع وضع معايير عالية لاستخدام القوة، وضمان مسؤولية كل فرد عن سلوكياته وسلوكيات الأفراد الذي يعملون تحت قيادته وإشرافه. يشكل إلمام ضباط الشرطة بهذه السياسات وفهمها واستيعابها أهمية بالغة لتحسين استخدام ممارسات القوة. ويعد وضع آليات فعّالة لنشر السياسات والتوجيهات الداخلية وتعزيزها واختبار مدى استيعابها من المسؤوليات الرئيسية التي تضطلع بها مؤسسات إنفاذ القانون. وهذا يتطلب وعيًا بأن مؤسسات الشرطة تعكس المجتمعات التي تخدمها. فمؤسسات الشرطة تتطور على مر الزمن جنبًا إلى جنب مع المجتمعات التي تنتمي إليها، وتمثل انعكاسا لقيم هذه المجتمعات وثقافتها ومستويات المساواة فيها وطبقاتها الاجتماعية وتاريخها. تمثل الشفافية آلية رئيسية في إرساء الشرعية وبناء الثقة. لذا ينبغي حث وكالات الشرطة على التعاون مع أصحاب المصلحة أثناء وضع السياسات، على أن تراعي هذه السياسات تنوع المجتمعات والمنظور الجنساني. تشير المشاركة إلى عدم ممانعة مؤسسة الشرطة في السماح أطراف خارجية بالمشاركة في العملية. فإشراك هيئات الرقابة الخارجية المكلفة بالتحقيق في الشكاوى ضد الشرطة قد يساعد في ضمان أن تكون توقعات مطالب السياسة واقعية. ولا ينبغي استخدام حجة المعلومات الفنية كذريعة لاستبعاد المواطنين من المشاركة. فالتركيز على الجوانب التشغيلية والإجرائية دون الاكتراث لمخاوف المجتمع وتوقعاته يمثل خطئًا استراتيجيًا. كما أن الوسائط الأكاديمية والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والجماعات ذات المصالح المجتمعية ستقدم مساهمات مهمة، لا سيما من خلال عرض وجهة نظر الأشخاص الذين قد يتعرضون لاستخدام القوة على يد قوات الشرطة. ومن هنا ينبغي تطبيق أقصى حد ممكن من الانفتاح والشفافية واتباع نهج تعاوني في جميع جوانب عمل الشرطة مع ضمان بذل الجهود الممكنة لضمان نشر المبادئ التوجيهية الداخلية وإتاحتها للجمهور. ………………………………………………………………………….

معايير استعمال القوة خلال العمليات الأمنية إعداد: ادريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان استكمال العرض بعد المقدمة والإطار وسيادة القانون:

I. الخاتمة :

يحسم المجتمع في صلاحية استخدام القوة التي ينفرد بها جهاز الشرطة عن غيره من الجهات. وتقترن بهذه الصلاحية مسؤوليات متعلقة باستخدام القوة على نحو يتوافق مع الأطر التشريعية وأفضل الممارسات. ولا ينبغي أن يُلجأ إلى استخدام القوة إلا عند الضرورة وعند السعي لتحقيق هدف مشروع لا يمكن بلوغه بطريقة أخرى. وحتى في هذه الحالة، يتعين على الشرطة عدم استخدام القوة إلا بما يتناسب مع الهدف الذي تسعى لتحقيقه مع مراعاة استخدام قدر معقول من القوة حسب الظروف القائمة. ويتطلب ضمان الالتزام بهذه المسؤولية ما هو أكثر من مجرد زيادة ساعات التدريب المتعلق بحقوق الإنسان أو تعديل بروتوكولات النظام العام, فعلى الرغم من مساهمة هذه التدابير في تحسين الممارسات الحالية بشأن استخدام القوة، فإنه يُوصى بوضع نموذج تنظيمي يتضمن تدابيرا لتشكيل التوجهات وتنظيم السلوكيات المتعلقة باستخدام القوة من جانب الفرق والأفراد على حد سواء, فالسياسات الضعيفة ستؤدي إلى ممارسات تشغيلية ضعيفة أيضا, ومن هنا، يجب أن تراعي التوجيهات التشغيلية النوع الاجتماعي وأن تعكس سبل الحماية المنصوص عليها في المعايير الدولية والأطر التشريعية الوطنية. ولا بد أن يكون ضباط الشرطة المكلفون باستخدام القوة على استعداد جيد لمثل هذه المواجهات من خلال حصولهم على تدريب عالي الجودة وتزويدهم بخيارات تكتيكية ملائمة للغرض بالرغم من أن النموذج التنظيمي السليم لاستخدام القوة يعد ضروريًا لتحقيق نتائج متوافقة مع حقوق الإنسان، فإن هذا النموذج وحده غير كاف؛ فمفهوم “ثقافة الشرطة” مفهوم معقد. والضباط يعكسون قيم المجتمعات التي ينتمون إليها باعتبارهم جزءا منها. وبالتالي، على كل وكالة شرطة إرساء ثقافة مؤسسية تؤدي دورا بارزا في تحديد ملامح استخدامها للقوة. فمن جهة، تشجع أي ثقافة شرطة سليمة الخصائص والسمات الإيجابية كالصداقة القوية والعمل الجماعي والإصرار على إنجاز أي مهمة مهما بلغت صعوبتها. ومن جهة أخرى، يمكن للسمات السلبية، كالذكورية السامة والتحيز والعدوان و”جدار الصمت الأزرق”، أن تكون سببًا رئيسيًا في إساءة استخدام القوة. إن السبيل لمجابهة هذه الثقافة هو القيادة الأخلاقية داخل المؤسسة وتبني آليات قوية للمساءلة الداخلية والخارجية. إذ أن إرساء ثقافة المساءلة في العمل الذي تقوم به الشرطة، لاسيما فيما يتعلق باستخدام القوة، سيسهم في تعزيز شرعية المؤسسة ويفضي إلى أداء عمل الشرطة بفعالية. ونظرا إلى أن الأعمال الروتينية اليومية لضباط الشرطة لها تأثير استراتيجي على السمعة، فال بد أن تسترشد هذه الأعمال بأعلى المعايير المهنية الممكنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube