محمد بوبكريمستجدات

‎قرب نهاية “تبون” على يد جنرالات الجزائر

‎محمد بوبكري


‎لم يعد سرا في مختلف الأوساط الجزائرية أن علاقة “عبد المجيد تبون” مع الجنرال “سعيد شنقريحة” تعرف برودا غير مسبوق؛ إذ إن “القايد صالح” هو من فرض “تبون” “رئيسا”، ولم تكن لـ “شنقريحة” يد في ذلك، لأنه كان لا يستطيع الكلام أمام “القايد صالح”، الذي كان يرعب جنرالات زمانه، لاستئثاره بكل السلطات في الجزائر، وكان “شنقريحة” يعمل تحت إمرته، وينفذ أوامره حرفيا، وكل همه أن يحظى برضاه. ولما توفي “الجنرال القايد صالح”، عيِّن “شنقريحة” في ظروف غامضة قائدا لأركان الجيش مكانه، في الوقت الذي كان الجنرال “بن علي بن علي” أولى بذلك؛ لأنه كان أًعلى رتبة من “شنقريحة” وأقدم منه. وقد تأكد بعد ذلك أن “القايد صالح” قد توفي عن طريق حقنة، مما يرجح أمر اغتياله، وتلك عادة جنرالات الجزائر، الذين يصفّون الحسابات فيما بينهم باللجوء إلى مختلف أساليب الاغتيال… ولما تسلم “شنقريحة” قيادة أركان الجيش، أراد أن يسير على هدي سلفه، الذي كان نائبا لوزير الدفاع، وهو المنصب السياسي الذي كان يستغله للخوض في أمور السياسة مع أن “شنقريحة” ليس نائبا لوزير الدفاع، ما يعني أنه ليس مسموحا له قانونا بالخوض في الأمور السياسية، لكنه أصر على الاستمرار في الخوض في الأمور السياسية، لأنه يمتلك عقلية استبدادية، ما جعله لا يحترم القانون، ولا يريد فهمه، حيث يعتقد أن منصب “قائد الأركان” يجعله فوق كل مؤسسات البلاد، لأنه يؤمن إيمانا قاطعا بأنها صنيعة العسكر. لهذا نجده لا يتوقف عن التنقل بين مختلف المناطق العسكرية، حيث يقوم بزيارات مستمرة إلى الثكنات العسكرية في مختلف المناطق، ويقوم بإلقاء خطب سياسية على الجنود، يتحدث لهم فيها عن الانتخابات المزمع تنظيمها في يوم 12 يونيو المقبل. وهذا ما يستدعي طرح الأسئلة التالية: ما علاقة الجنود بالانتخابات؟ هل يسمح القانون بأن يكون الجيش طرفا في الصراع السياسي في الجزائر؟ أليست الانتخابات عملا سياسيا محضا؟ وهل يبيح القانون الجزائري خوض العسكر في السياسة؟ وهل يسمح لهم بالانتماء إلى الأحزاب؟ ألا يؤدي ذلك إلى ضرب وحدة الجيش الذي ينبغي أن ينتمي إلى الوطن كله حتى يظل متماسكا؟ وهل من المقبول أن يتلون الجيش باللون السياسي للرئيس وحكومته؟ لذلك، ألا يشكل تسييس العسكر مدخلا لضرب الوحدة الوطنية، مما يمهد لتوفير الشروط لانهيار الكيان الجزائري؟ وهل هناك رئيس في البلدان الديمقراطية يوجه خطابات سياسية إلى جيش بلاده؟ كيف يدعي العسكر أن الجزائر بلد ديمقراطي وهم يتحكمون في كل شيء؟ هكذا، فإن جهل “شنقريحة” جعله يخلط بين أمور متناقضة من حيث طبيعتها، لأنه لا يعي عواقب خطاباته السياسية الموجهة إلى الجيش في مختلف الثكنات عبر التراب الجزائري.
‎وإذا كان “تبون” هو القائد الأعلى للقوات الجزائرية، كما أنه هو، في الآن نفسه، وزير الدفاع، فإن “شنقريحة” يقوم بكل هذه الزيارات لمختلف المناطق العسكرية، ويلقي ما يشاء من الخطب السياسية على الجنود داخل الثكنات، وينصب من شاء في مختلف مناصب وزارة الدفاع، ويشرف على ندوات ومناورات عسكرية، تنقلها مختلف وسائل الإعلام الرسمية، بدون أن يشير إلى رئيسه “تبون”، الذي يغيب عن المشهد تماما. وهذا ما دفع بعض الإعلاميين الجزائريين إلى طرح أسئلة على بعض مستشاري “تبون” حول علاقته بـ “شنقريحة”، فكان رد هؤلاء أن “شنقريحة” مشغول بزيارات ميدانية مهنية… ونظرا إلى العلاقة المتينة التي تجمع بعض الإعلاميين ببعض “مستشاري الرئاسة”، الذين عينوا هناك لتمثيل مختلف أجنحة الجنرالات، حيث يتم استعمالهم لتمرير القرارات التي يرغبون في اتخاذها من قبل “تبون”، فإن هؤلاء الإعلاميين ألحوا على هؤلاء المستشارين بأسئلة لمعرفة أسباب برود العلاقة بين “تبون” و”شنقريحة”، وكان هدف هؤلاء الإعلاميين هو التوصل إلى رأي الجنرالات في “تبون”. ونظرا إلى إلحاح هؤلاء الإعلاميين، فإنهم تقدموا بتفسيرات معينة لجعل هؤلاء المستشارين يقومون بتأكيدها أو نفيها، فكانت أجوبة مختلف هؤلاء المستشارين تؤكد أن “تبون” ليس هو الشخص المناسب، لأنه لا يتوفر على المؤهلات الضرورية اللازمة، وأن عديم شعبي، كما أنه لا يمتلك روح المبادرة. أضف إلى ذلك أنه إذا تم تكليفه بمهمة معينة، فإنه يعجز عن إنجازها على الوجه المطلوب. خلاصة القول، لقد خلص هؤلاء الإعلاميون إلى أن مستشاري “تبون” يجمعون على أنه لا يمتلك المؤهلات الكافية لشغل منصب “رئاسة الجمهورية”، وتبعا لذلك، فقد استنتج الإعلاميون الجزائريون أن الجنرالات غير راضين على “تبون”، وأنهم سائرون في اتجاه تنحيته… ونظرا لقوة الحراك وسعة انتشاره، فيبدو أن العسكر سيقدمون “تبون” قربانا للحراك. وترى أوساط إعلامية جزائرية مختلفة، اعتمادا على مصادر موثوقة خاصة بها، أن “تبون” لن يكمل عهدته الأولى، حيث إن الجنرالات قد يعصفون به بعد الانتخابات القادمة، وسيستعملون “البرلمان في ذلك… أضف إلى ذلك أنه إذا فشلت الانتخابات المقبلة، فإنهم سيحملونه مسؤولية فشلها، وكذا مسؤولية فشل كل السياسات التي نهجوها باسمه، وباسم حكومته…
‎هكذا، فإن الجنرالات يتخذون كل الاحتياطات لتحميل مسؤولية فشلهم لأتباعهم من المدنيين الذين يعينونهم في المناصب العليا. إنهم يختفون وراءهم حتى لا تكون لهم أية مسؤولية مباشرة عما تتخبط فيه الجزائر من أزمة مكعبة؛ فهم يخافون من الحراك، ومن الرأي العام الدولي، لأن قمعهم للحراك، هو ما سيعطي فرصة للقوى الدولية للتدخل لحماية الشعب الجزائري. وما دامت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان قد وجهت إنذارات عديدة للجنرالات تدين قمعهم للحراك السلمي، فإنهم لم يفهموا بعد مغزى هذه الإنذارات، لأنهم مستمرون في غيهم وقمعهم للحراك الشعبي السلمي.
‎لقد سبق لـ”تبون” أن صرح لجريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية أنه كان في بداية عهدته يجتمع بجنرالات الجيش ثلاث مرات أسبوعيا لمناقشة قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، لكن يبدو اليوم أن تلك الاجتماعات الأسبوعية لم تعد تتم كما كان عليه الأمر سابقا، الأمر الذي يؤكد أن العلاقة بين الطرفين قد انقطعت. ويؤكد بعض الإعلاميين الجزائريين أنه سبق لـ “شنقريحة” أن قاطع “تبون” خلال رحلته العلاجية إلى ألمانيا.
‎لكل تلك الأسباب، تؤكد مصادر إعلامية جزائرية مطلعة أن الجنرالات سيتخلصون من تبون بعد الانتخابات، بعد أن يحملوه مسؤولية فشلها. وإذا نجحوا في تنظيمها، فإنهم سيمضون في اتجاه إبعاده، لأنهم لم يعودوا مقتنعين بأدائه، وقد يحملونه مسؤولية فشلهم في كل المجالات؛ بل إنه من الممكن أن ينتهزوا فرصة نجاحهم في تنظيم الانتخابات المقبلة لإزاحته، والبحث عن شخص آخر ليحل محله. وهذا ما يعتبره بعض المعارضين بأنه سيكون انقلابا ثانيا على الحراك، الأمر الذي تدركه رموز الحراك، وترفضه، وإ ذا كان الجنرالات يتوهمون إمكانية نجاحهم في ذلك.
‎ما لا يعلمه هاؤلاء أن الحراك لا يمكن اختزاله فقط في المسيرات. إنه “تعبير عن قضية”، والقضية أقوى من المسيرات، ولذلك قد تكون للحراك امتدادات مجتمعية كبيرة ومتنوعة، كما أنه يمكن أن يتطور ويغتني من تجربة مناضليه.. أضف إلى ذلك أنه من المحتمل جدا أن يطور لنفسه أدوات وأساليب مختلفة تمكن الشعب الجزائري من بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، الأمر الذي سيحقق النماء والازدهار للجزائر وشعبها… لذلك، فإن الحراك مستمر، لأن أسبابه ستظل قائمة، ولا يمكن للعسكر أن يستأصلوها، حيث إنه إذا كان في إمكانهم إيقاف الحراك مؤقتا عن طريق اعتماد الأساليب القمعية، فإنهم سيعجزون عن تطوير مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري. لذلك، فإن الحراك سيتواصل عبر مقاطعة الانتخابات القادمة وكل ما يقترحه العسكر… وهذه أساليب تجسد استمرار الحراك، الذي قد ينتفض من جديد في وجه العسكر بخطابات جديدة ويبدع لنفسه أساليب جديدة، لأن الشعب الذي أبدع الحراك قادر على تطويره في أفق إنجاز مطالب الشعب الجزائري…
‎وتجدر الإشارة إلى أن الحراك الشعبي السلمي قد حقق مكاسب كثيرة، لأنه أرعب العسكر، وأسمع صوت الشعب الجزائري إلى العالم أجمع، ما منحه احتراما وتقديرا دوليين، وأكسبه شرعية وسندا دوليين. كما أنه أبدع خطابا سياسيا حضاريا أفحم به الجنرالات وأحرجهم أمام الرأي العام الدولي. أضف إلى ذلك أن تطور الأحداث قد أقنع العالم بالشعار المركزي للحراك: “دولة مدنية، ماشي عسكرية”. فضلا عن ذلك، فإن ما مارسه من ضغوط على الجنرالات قد خلق بينهم تناقضات جعلتهم يفتكون ببعضهم البعض، حيث صرنا نسمع يوميا اعتقالات في صفوف الجنرالات، كما نسمع من حين لآخر عن اغتيالات في صفوفهم. وهذا ما يعني أن استمرار الحراك، قد يعمق التناقضات بين مختلف أجنحة الجنرالات، ما قد يؤدي إلى هزيمتهم أمام الحراك الشعبي السلمي. لذلك، فإن روح الحراك لن تخبو، بل ستظل حية مستمرة ترفرف في سماء الجزائر حتى تحقيق مطالب الشعب الجزائري الشقيق…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube