نساء ونساء.. سليمان الريسوني
مرت سنة على تقديم الصحافي توفيق بوعشرين، يوم 8 مارس 2018، أمام محكمة الاستيناف بالدار البيضاء، بتهم يشيب لسماعها الولدان. كان الإعداد يتجه إلى القتل الرمزي لصحافي رأسماله الأساس أخلاقي، على أن تتكلف المحكمة بالباقي.
ثم اختيار رمزية 8 مارس، ووضعُ لائحة طويلة من النساء “الضحايا”، كما تكلف الزملاء في التلفزيون العمومي بتغطيات وافية للحدث. أذكر أن جارا لي سألني بعد الحملة المتحاملة على توفيق في الإعلام العمومي: “أين وصلت قضية ذلك الصحافي الذي اقترف أفعال الحاج ثابت يا أستاذ؟”.
لم يكن مؤلف هذه التراجيديا يعتقد أن أحدا سيلتفت إلى الثقوب السوداء التي ابتلعت، الآن، السيناريو الذي تم بدا حينها محكما، ولم يعتقد أن الكثير من النساء سيصرخن في وجهه: لن نشارك في هذه المسرحية. وأن نساءً مثقفات سيتصدين، قبل الرجال، لهذه المجزرة الحقوقية، وسيكشفن أن المغتصب الحقيقي يوجد في الجهة التي تدعي الدفاع عن الضحايا المفترضات.
فقبل أيام فقط، قالت الصحافية فتيحة أعرور للمحامي محمد الكروط، خلال مشاركتهما في برنامج بإحدى القنوات التلفزية الدولية، إن أحد المحامين الموكلين للدفاع عن النساء المستنطقات في ملف بوعشرين، متهم باغتصاب خادمته. وما أشارت إليه أعرور باحتشام، كان الصحافي حميد المهدوي قد صدح به أمام المحكمة، عندما توجه إلى القاضي، في إحدى جلسات محاكمته: “سيدي الرئيس، سجل عندك أن هذا المحامي الكروط الذي يترافع اليوم باسم الدولة في ملف حراك الريف كان متهما في قضية اغتصاب خادمته، والتي ذهبت إلى مخفر الشرطة بغطاء سرير أبيض عليه بقع الدم وآثار جريمته”. كما تطرق الكاتب الصحافي مصطفى الفن إلى الموضوع بقوله: “أخلاقيا، السي الكروط مُطالب، اليوم قبل الغد، بسحب نيابته عن هؤلاء المغتصبات المفترضات في ملف بوعشرين، ومُطالب أيضا بالخجل من نفسه ومُطالب أيضا بالاختفاء من المحاكم تمهيدا للانسحاب من مهنة المحاماة ما لم يثبت براءته من تهمة الاغتصاب المنسوبة إليه”.
وبعد فتيحة أعرور بأيام، خرجت الصحافية فاطمة الإفريقي، في برنامج تلفزيوني، تقول إن اعتقال بوعشرين يُراد منه “تأديب كل الصحافيين”. وقبل أعرور والإفريقي، هاجم بلطجية، في العاصمة الفرنسية باريس، ندوة كانت تشارك فيها خديجة الرياضي، الحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لأنها كانت ستتحدث، من جملة ما كانت ستتحدث عنه، عن الانتهاكات القانونية والحقوقية في قضية بوعشرين.
فهل هؤلاء النساء المثقفات والحداثيات، وأمثالهن كثيرات، كن سيقامرن بمصداقيتهن، وسيدافعن عن توفيق بوعشرين، لو تأكد لهن أنه اغتصب كتيبة نساء وتاجر بهن؟
لقد تابعت الرياضي والافريقي وأعرور، ومعهن العالم كله، الآن، كيف أن عفاف برناني وحنان باكور وآمال هواري وقفن بشجاعة تاريخية، وقلن إن توفيق بوعشرين ليس هو الذي اعتدى عليهن، بل الجهة التي أرادت أن تجعل منهن خشبا مسندة لصلب بوعشرين هي التي شهرت بهن واقتحمت بيوتهن بالليل وجرجرتهن، رغم أنوفهن، إلى مخافر الشرطة ولازالت تجرجرهن أمام المحاكم.
كما تابع الجميع كيف أن وصال الطالع ومارية موكريم، تركن أشغالهن، وغادرن المغرب لمدة طويلة، تفاديا لإكراههن على ما لا يردنه لتوفيق بوعشرين، وعندما عدن إلى البلد تم إحضار وصال الطالع بالقوة إلى المحكمة فيما حضرت مارية موكريم طواعية وكلاهما نفيا أن يكون بوعشرين قد تعرض لهن بسوء.
نفس الأمر بالنسبة إلى ابتسام مشكور التي رفضت الحضور مرارا إلى المحكمة وغابت، بدورها، لمدة في الخارج وبالرغم من أن اثنين من المواقع الإلكترونية المشبوهة نابت عن الجهات المعلومة في تهديدها بالاعتقال إن لم تحضر أمام المحكمة وتتهم بوعشرين، وهذا أشار إليه قرار الأمم المتحدة الأخير، ومع ذلك رفضت ابتسام مشكور الانصياع لرغبة الزملاء الذين يريدون رأس بوعشرين.
كما أن كوثر فال أصرت على المكوث في بلجيكا رغم المحاولات المتكررة للسلطات هناك من أجل ترحيلها، و ذلك تفاديا منها للحضور إلى المحكمة، وحكاية كوثر فال غاية في التعقيد وتعكس صراع الأجنحة في تدبير قضية بوعشرين. آمال گريمش وصفاء زروال، بدورهما، لم تحضرا قط إلى المحكمة. كما فضلت صفاء زروال البقاء في باريس على المساهمة في مجزرة قتل صحافي قاله عنه رئيس حكومة سابق: “بوعشرين اعتقل بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات”.
هذا صنف من النساء رفع العالم الحر لشجاعتهن القبعة، وهناك صنف آخر من النساء تتزعمهن امرأة قال عنها قرار الأمم المتحدة “إن المشتكية الأولى تشتغل في ديوان وزير السياحة وهو عضو في المكتب السياسي للحزب الذي يترأسه وزير الفلاحة.. وفي شكايتها لا تذكر المشتكية أي تاريخ لواقعة الاعتداء الجنسي المزعوم، ولا تشير إلى أية تفاصيل أو ملابسات وظروف هذا الاعتداء ولا ترفقها بشهادة طبية تعزز فرضية الاعتداء، كما هو مطلوب في مثل هذه الحالات. إن السرعة الخارقة التي تم بها التعامل مع الشكاية رغم أنها تفتقد إلى عناصر تحديد الوقت والتاريخ، ثم قرار إحالة الشكاية على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كلها عوامل تظهر بالملموس العناية الاستثنائية التي حظيت بها شكاية هذه السيدة المشتكية، رغم قرينة البراءة التي من المفروض أن يتمتع بها السيد بوعشرين قبل ثبوت التهمة. لقد وجه الوكيل العام إلى السيد بوعشرين تهمة ارتكاب جريمة “الاتجار في البشر” في حق هذه المشتكية، علما أنها لم تشتغل أبدا في شركته أو تحت إمرته ولا تتوفر على أي عنصر يعزز هذه التهمة (وهي تعترف أنها لا تظهر في أي شريط فيديو التي اعتمدتها الشرطة كدليل ضد بوعشرين، والتي هي موضوع شكاية بالزور أمام محكمة النقض”. انتهى نص قرار الأمم المتحدة.
كما توجد ضمن هذا الصنف امرأة كانت ناشطة في حركة 20 فبراير قبل أن تصبح صديقة لإلياس العماري وأحمد الشرعي مالك «الأحداث المغربية»، الذي نشر مقالا في الجريدة الأمريكية «وول ستريت جورنال» يوم 9 مارس 2018، تحدثت فيه عن صديقته وداد ملحاف باعتبارها ضحية لتوفيق بوعشرين، في حين أن ملحاف لم تمثُل بشكل رسمي أمام المحكمة إلا يوم 8 مارس، مع أن من يعرف برمجة المقالات للنشر في جريدة ورقية، يعرف أن ذلك يتطلب يومين على الأقل. فكيف عرف مالك «الأحداث المغربية»، قبل المحكمة، أن وداد ملحاف ضحية لبوعشرين؟
توجد ضمن هذا الصنف من النساء، امرأة لا علاقة لها بالصحافة، سبق لها أعلنت تضامنها على الفايسبوك، مع توفيق بوعشرين بعد اعتقاله، قبل أن تدور بها الدوائر. هذه السيدة، ساقتها زميلة صحافية برلمانية وزميلها، الى لقاء رئيس الفدرالية الدولية للصحافيين، وأوهامه بأنها صحافية اغتصبها بوعشرين وتاجر بها، فكتب فيليب لوروث إليها رسالة تضامن يخاطبها فيها بالزميلة العزيزة، ومثلما سبق أن كتبت، على الفايسبوك، تتضامن مع بوعشرين، وتندد باعتقاله، عادت تنشر رسالة فيليب لوروث التي تصف بوعشرين بالمغتصب.
باختصار: هناك نساء وهناك نساء ضد النساء
ذة. خلود مختاري.