مجتمع

قاض في الجنة و قاضيان في النار

بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

لقد أثرت في نفسي قضية توبع فيها محكومون تخللت بعض جلساتها بعدم وجود أبسط حقوق للمتقاضين، بين عدم الإدلاء بآراءهم في الموضوع أو من خلال إسكاتهم بعدما قمع أحدهم وهضمت حقوقهم القانونية على مرأى من الحاضرين بما فيهم محاميهم. فكان للقاضي رأي يشوبه انحراف وتوجه لصالح قوى الظلام والاستبداد، فحكم بما أملاه عليه ضميره البائس رغم تقديم دفوعات قوية وحجج دامغة تؤكد نزاهة الأظناء.
ألا يعلم جناب القاضي أنه سيحاسب أمام الله على صنيعه و اقترافه لجرم لم يكن إلا من وحي الخيال؟ أين هو من العدل الذي وجب أن يتسم به لتحقيق العدالة؟ ألا يعلم أن القاضي النزيه مهما كان حجم القوة التي يمتلكها الظالم مُلزم بأن يكون على مستوى متساو بين المظلوم والظالم و على مسافة واحدة بين الضحية والجلاد حتى لا ينتفي العدل على الأحكام أو القرارات الصادرة عنه في المحكمة؟
إن ما يقع في دهاليز المحاكم يجانب الصواب ويعدم العدالة و لم يعد ذلك خفيا على عامة الناس بل أصبح أمرا مفضوحا يعلمه المتقاضون و العوام.
بفعله الشنيع، صار القاضي جلادا، وبحكمه خدم مصالح القوي الظالم بطرق ملتوية على حساب الأبرياء. لقد وجبت أن تكون أحكامه بعيدة عن الهوى وما يكنه في القلب و ما يخبؤه في الجيب، لقد أصبح جلادا ظالما نفسه وآخرين. و حتى إن تعددت أدواره بين القاضي والجلاد، لكنها في الواقع تخدم طرفا واحدا وهو الظالم؛ مسؤولا من المسؤولين في أجهزة الدولة و من ذوي الجاه والنفوذ و ممن يتمتع بالمال الكثير.
والواضح أن لا حق للمظلوم أمام تلك السلطة القهرية، لأنه في جميع الحالات لا يمكنه أن يكون سوى متفرج على مكرها بصمت مريع، وإن صرخ بصوت عال فلا سامع لكلامه ولا لقول الحق الذي ينطق به. و أصحاب السلطة، مالا وجاها هم المتحكمون في القضاء الذي يتكفل بتجميل أفعالهم وتصرفاتهم الظالمة وتزيينها. وبهذا يسخرون القضاء في خدمة مصالحهم. فلا يمكن للقضاء في هذه الحالة أن يكون وسيطا لتحقيق العدل بقدر ما يسمح للقاضي أن يصير مجرد جلاد للمظلوم وخادما للظالم.
فهل يا ترى فعلا سلطة القاضي سياط لظلم الظالم على المظلوم المستضعف؟ أم نظام يبني حقا عدالة بين المتقاضين مهما كانت مناصبهم و” مدفوعاتهم “، أستسمح دفوعاتهم؟ وتبقى العدالة السماوية كفيلة بارجاع الحقوق الضائعة في الدنيا من قضاة فاحت روائح الفساد في أحكامهم.
أقول: لا غالب إلا الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube