توقيع مصطفى المنوزي *
عديد من المدافعين عن أعطاب الدولة يبررون تخليها عن إلتزاماتها المرتبطة بتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، خصوصا في الشق السياسي، بكون ما جرى من مقتضيات ” محاولة ” طي صفحة الماضي هو إمتياز حقوقي لفائدة ” الأمة ” مادام تم في ظل ” استمرارية ” نفس النظام خلافا للتجارب الأخرى التي اقترنت بحصول انقلابات أو حرب أهلية أو نيل إستقلال أو تحرر ؛ غير أن المسكوت عنه في الخطاب التبريري هذا ، هو أن التسوية السياسية التي تعتبر التوصيات والإلتزامات ثمرتها كانت منتجة للنظام اقترانا مع التحولات الجيوستراتيجية الدولية وانعكاسها على تدرج الإنتقال السياسي الوطني ، هذا الأخير عرف عدة مراحل من إرادة القضاء على التسلط في ظل الحكم الفردي ، مرورا بمرحلة الوحدة الوطنية لمواجهة الخوارج والتهديدات الأجنبية ، ثم إلى مرحلة إبرام تسويات عبر توافقات تروم الحد من التحكم والتسلط وإحلال نوع من الإنفتاح تحت عنوان ” تناوب توافقي ، لم يرق إلى مستوى التداول الديمقراطي للسلطة ولا حتى إقرار إمكانية إرساء ملامح نظام ” ملكية برلمانية ” ، وبالتالي كان الهدف من التسوية هو إطلاق مشروع مأسسة الإصلاحات السياسية والمؤسستية والدستورية والتشريعية بكلفة أطرتها مقاربة تعويضية / مالية تدعى جبر ضرر فردي ، وعبر عملية سياسية حاولت تجريب إدماج وتجديد مفهومي السلطة والعدالة ، بما يعنيه من تحقيق إنتقال أمني بتغيير العقيدة الأمنية ، من مبدأ الدفاع عن النظام ومؤسساته فقط ، إلى الدفاع عن الدولة والوطن والمواطنين . وهي عملية من مسؤولية التعبيرات السياسية الحزبية حكرا ، غير أن اعتقاد النخبة والقيادات السياسية بأن القرار الأمني والشأن الأمني نفسه يظل خاضعا للمجال المحفوظ للملك ؛ من هنا أهمية إحداث إصلاح الحس السياسي وتقويم التفكير الذي ينبغي أن يقود العمل السياسي بعيدا عن الحزبية الضيقة والأدلجة الجامدةاو المنغلقة . فلا يعقل أن يتم الإجماع لدى النخبة بأن موازين القوى لم تعد تعد تسمح بالتغيير الجذري كخيار فريد وحاسم ولا بالمراهنة على تآكل النظام السلطوي كخيار مرحلي ( تكتيكي ) . إن المرحلة تتطلب رد الإعتبار للعمل الحزبي وتأهيل الأحزاب ، فلا تحول ولا إصلاح إلا بدمقرطة العلاقة فيما بين الدولة و المؤسسات وبين المجتمع وتعبيراته السياسية والإجتماعية ، لأن قيم الاستبداد والفساد والتسلط والخضوع معا تفشت مظاهرها هنا وهناك ، صحيح بنسب ودرجات متفاوتة ، ولكن التغيير الديمقراطي صار ملحا ، وإلا سنعيش فوبيا منطق اللادولة بسبب عقيدة تفضيل الإستقرار أولا ، والحال أن عدم دمقرطة السياسات العمومية في مجال الأمن والتنمية لن يساعد على التحول المنشود ، لأنه لا ديمقراطية إلا بمؤسسات ديمقراطية ، اللهم تلك المصدرة إلينا قسريا وفوقيا ، والتي لم ولن ينتج عنها سوى الفوضى ونهاية الدولة دون التفاوت الطبقي .
- رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن