مكتب فرع الاشتراكي الموحد بالرباط ينظم ندوة فكرية وسياسية لنعرف كيف ننتقل بالمغرب الى مجتمع المعرفة (الجزء الأول)
أحمد رباص – حرة بريس
نظم مكتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد بالرباط ندوة، في أفق المؤتمر الخامس للحزب، طرحت سؤال الانتقال ى إلى مجتمع المعرفة، وذلك يوم السبت سابع ماي الحالي، ابتداء من الساعة الخامسة والنصف مساء بدار المحامين، الكائنة بحي المحيط عند تقاطع زنقة افغانستان مع شارع المقاومة.
شارك في هذه الندوة كل من محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير وعضو المجلس الوطني للاشتراكي الموحد، ومحمد نبيل السريفي، جامعي وأستاذ هندسة أنظمة الاتصالات، ومصطفى بوعزيز، كاتب ومؤرخ مغربي، بللإضافة إلى نبيلة منيب، جامعية وأمينة عامة للحزب المنظم. وكانت مشاركة الأستاذ محمد مفتاح مبرمجة ضمن فعاليات هذه الندوة غير أن ظروفا حالت دون حضوره مع متمنياتنا له بأن يكون المانع خيرا.
تسيير الندوة وتنشيطها وضع على عاتق الصحافية بشرى مازيه التي اثارت منذ البداية صعوبة الانتقال إلى مجتمع المعرفة ما أدى إلى عدم تقاسم المعرفة بشكل متساو ناتج بدوره عن غياب التوزيع العادل للموارد الاقتصادية والمادية مما يتسبب في إعاقة التنمية، لتنتقل بعد ذلك إلى التساؤل: كيف يمكن تجاوز هذه الإشكالات للوصول إلى مجتمع المعرفة الذي يساهم في تنمية المجتمع من خلال التوفر على المعرفة وتقاسمها وتطوير ها. ثم ما لبثت بشرى أن أعطت الكلمة للرفيق محمد العوني.
في مستهل مداخلته، وصف رئيس (حاتم) هذه الندوة بأنها سياسية وعلمية في نفس الوقت انطلاقا من اختيارات الحزب المنظم. وفي علاقة بالإطار والسياق الذي تندرج فيه الندوة، طرح المتدخل هذا السؤال: ما علاقة قضية الانتقال إلى مجتمع المعرفة بالحزب الاشتراكي الموحد؟ وعلى سبيل الإجابة، قال إن القضية مترابطة، طبعا، مع انشغالات كل الداعين والساعين إلى ولوج مجتمع المعرفة، لأنها مرتبطة بالديمقراطية التي هي القاسم المشترك، بشكل عام إن شئنا، بين الاشتراكي الموحد والانتقال إلى مجتمع المعرفة.
من ذلك، خلص الرفيق محمد العوني إلى أن تشابكات وتقاطعات وتشعبات قضايا المعرفة تجعل من الصعب طرح كل الأسئلة، وما أكثرها، في هذا اللقاء ككل أو في هذه المداخلة كجزء.
في هذه اللحظة من مداخلته، يكشف محمد العوني عن مصدره الذي ليس شيء آخر غير اليونسكو، كفكرة يعتبرها إبداعا بشريا عظيما، لو تم تحسينها، لأصبحت أداة لتطوير التوجهات الحضارية للبشرية من خلال مكوناتها: التربية والعلوم والثقافة. ومع ذلك، يستدرك المتحدث باسف مضمر، خضعت هذه المنظمة وتخضع لصراع الدول ومصالحها ومصالح قادة هذه الدول الذين لم يتخلوا أبدا عن الحرب كأداة للصراع. ولهذا السبب ضاعت الفكرة، كما لأسباب أخرى يعرب أول متدخل في الندوة عن استعداده لمناقشتها.
أصدرت اليونسكو وثائق مرجعية ذات علاقة بالموضوع. يمكن تقسيم هذه الوثائق إلى مرجعين أساسيين بحيث يستحيل أن يتحدث احد من العالم عن مجتمع المعرفة دون أن يعتمد على المرجع الأول، وكذلك الشأن في العالم العربي الإسلامي بالنسبة للمرجع الثاني.
المرجع الاول صدر سنة 2005 بعنوان “من مجتمع المعلومات إلى مجتمعات المعرفة”، في حين ظهر الثاني، الذي يهمنا في المنطقة العربية الإسلامية، تحت عنوان “مجتمع المعرفة في المنطقة العربية: اللغة العربية بوابة للمعرفة”.
لكن، ماذا نعني بمجتمع المعرفة؟ كمحاولة للجواب عن هذا السؤال، أشار الأستاذ محمد العوني إلى أن هناك محاولات لتعريف هذا المفهوم، مع التذكير بتفادي ادعاء الوصول إلى تعريف تم الاتفاق عليه بشكل علمي، تام وقار..
في هذا السياق، يذكر الاستاذ العوني التعريف الذي اقترحه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2003 لمجتمع المعرفة على أنه ذلك المجتمع الذي يقوم أساسا على إنتاج المعرفة ونشرها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد، المجتمع المدني، السياسة، الحياة الخاصة، وصولا لترقية الحالة الإنسانية باطراد، أي إقامة التنمية الإنسانية.
بالإضافة إلى التعريف الأول الذي تنطلق منه أبحاث وأدبيات اليونسكو ويعتمد دائما ويدمج كاساس للتعاطي مع قضية مجتمع المعرفة، يورد المتحدث تعريفا آخر منسوبا إلى المؤتمر الإقليمي لأوربا لعام 2000 يفيد بأنه هو المجتمع الذي يتاح فيه للأشخاص جميعا، بدون تمييز ومن أي نوع كانوا، ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء بدون تدخل، وحرية التماس وتلقي وإصدار المعلومات والآراء من خلال أي وسيلة اتصال وعبر الحدود الجغرافية.
ودائما في علاقة بمسألة التعريف، أشار المتحدث إلى أن باحثين ومختصين وصفوه بأنه هو المجتمع الذي يتخذ من المعرفة هدفا رئيسيا تخطيطيا تطبيقيا في شتى مجالات حياة الإنسان، الذي بحسن استعماله للمعرفة ينجح في تسيير أموره واتخاذ القرارات السليمة والرشيدة، وأنه ينتج المعلومة بمعرفة خلفيات وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها، ليس في بلد الإنسان فقط، بل في أرجاء العالم كله، وأنه يعرف بالدور الحاسم للمعرفة في تشكيل ثروة المجتمع وتكريس رفاهيته، إلخ..
هكذا نستنتح مع الأستاذ محمد العوني أن مجتمع المعرفة يتيح للأفراد حرية امتلاك المعلومات ونقلها وبثها وتداولها عن طريق التقنيات الحاسوبية والمعلوماتية والفضائية المتعددة، يحسن مستوى حياة الإنسان بتوفير خدمات لصالحه، لا يتيح توظيف المعرفة لأغراض شخصية فحسب، بل يسمح به حتى لأجل المصلحة العامة التي تهم المجتمع ككل.
وفي بادرة للاجتهاد، قال المتحدث يمكن أن نعتبر أن مجتمع المعرفة خلق للتراكم الخضاري، ما يعني أن القضية تهم الجميع أيا كانت مواقع وجودهم على كوكب الارض، وحتى في الفضاء مستقبلا..
من وجهة نظر المتحدث، لم يعد بإمكان المجموعات البشرية كما في العهود السابقة أن تنتج حضارة خاصة بها، ذلك أن الحضارة أصبحت عالمية وواحدة..
وفي تقييمه لبعض التعريفات التي اقترحها باحثون عرب لاحظ الأستاذ محمد العوني أنها تخلط بين مضمون مجتمع المعرفة ومعناه ووسائل الوصول إليه، مشيرا في نفس الوقت إلى الأسئلة التي يمكن طرحها انطلاقا من جدلية المجتمع والمعرفة، مثل: أي مجتمع؟ أي معرفة؟ أليس من الأفضل الحديث عن مجتمعات وعن معارف؟
في هذه النقطة بالذات استحضر الأستاذ العوني ما قاله ماركس قديما من أن الإنسان أثمن رأسمال، وبالتالي في كل النقاشات المرتبطة بمجتمع المعرفة يتم الحديث عن موارد ووسائل ومقومات محتمع المعرفة، الذي يبقى الإنسان مقومه الأساسي.
لمزيد من التوضيح، قدم المتحدث هذه الموارد بتصنيفها إلى بشرية وتقنية وموارد معرفية عامة تدخل في إطارها الثقافة والعلوم والفنون والمواد التربوية، إلخ.. إلى هذه الموارد يجب إضافة الموارد المالية، أو بالأصح المادية، لتحقيق جدلية المجتمع والمعرفة.
لماذا مجتمع المغرفة؟ لأنه بالتسبة لنا، يواصل الرفيق العوني، مدخل لمحتمع العدالة، والتضامن، والتوازن بين صلاحيات الدولة واولويات المجتمع. وهذه قضية كبرى يمكن لمجتمع المعرفة حلها. ومن ثمة، عدد قليل من البلدان ولجت عتبة هذا المجتمع، حتى بالنسبة للبلدان المتقدمة التي تميزت ببداية الانخراط في مجتمع المعرفة.
وفي كلمة قصيرة عن مجتمع المعرفة مقابل دولة المعرفة، اشار الرفيق إلى أن الدولة في المغرب تحتكر المعرفة وهي التي يجب أن تعرف وتعتبر المجتمع تابعا لها وخاضعا، وإن كانت المسألة لا تخص بلدنا وحده، بل تكتسي طابعا عالميا. وتأكيدا منه على أهمية العمل من أجل مجتمع المعرفة، قال المتحدث إنه يساهم بقوة في بناء الديمقراطية كشرط للارتقاء إلى مستوى الانخراط في عدة محاور ورهانات لا بد من أن نشتغل عليها.
هذا الانخراط، وهذا الانتقال يبدأ من مواجهة قلب المفاهيم والتسميات، من هنا يحكم المتحدث بألا وجود لوسائل التواصل الاجتماعي، كل ما هناك وسائل للتواصل الرقمي والتجاري. ونحن اليوم أمام إمكانيات حقيقية للانتقال عبر محيط من المعرفة، عبر التكنولوجيا، لا يقصد فقط توفر المعلومات بشكل غزير عبر الإنترنيت، وإنما يقصد كذلك الاستعمالات التي أصبحت شرطا للولوج لخدمات تسريع التقدم وتحسين العيش..
في المغرب، يواصل المتدخل، تأخرنا في الولوج للسمعي البصري، وفي الولوح للمعلوميات، وفي الرقمنة، ومن أسباب هذا التأخر هو الفساد الذي لا زال متحكما في هذه المجالات، لذلك سنجد أننا متأخرون في بناء الديمقراطية التشاركية، ومن ضمنها قضايا اشتشارة الفئات المعنية باتخاذ القرار، ومن ضمنها اوراش أو مبادرات، مثل مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة، قضية الحق في الحصول على المعلومات تدخل في هذا الإطار.
وفي الأخير، نبه الرفيق محمد العوني الأذهان إلى أن أزمة الديمقراطية عندنا تعد عقبة كأداء أمام الانتقال إلى مجتمع المعرفة المرتبط بعدة منظومات سياسية، إعلامية، تواصلية، تربوية، تعليمية..