أخبار دوليةمستجدات

الفوضى في الشيشان.. على موسكو أن تتوقف عن الهمس في أذن قديروف خلف أبواب مغلقة

أحمد رباص – حرة بريس

حان الوقت لأن يتوقف الكرملين عن الهمس في أذن قديروف خلف الأبواب المغلقة ويثبت أنه لن يتم التسامح مع الفوضى.
روسيا بلد يُحتجز فيه الآلاف لمشاركتهم في مظاهرات سلمية، بل يتم إلزج بالمحتجين بمفردهم خلف القضبان. كل ذلك يحدث باسم الأمن العام وحتى الصحة العامة. ومع ذلك، في هذا البلد، توجد مدينة واحدة يمكن أن يتجمع فيها ما يصل إلى أربعمائة ألف شخص في “مسيرة عفوية”، والصراخ بعنف، وحتى إضرام النار في الملصقات الحاملة لصور “أعداء الشعب”، دون تحمل أي عواقب.
هذه المدينة هي غروزني، عاصمة الشيشان. حدث ذلك في اليوم الثاني من فبراير الحالي. بيد أن المسيرة كانت بعيدة كل البعد عن كونها عفوية.
منذ سنوات عديدة، كان الحاكم المحلي رمضان قديروف يحكم الشيشان بقبضة من حديد.
من الأمور الأساسية في حكمه مبدأ العقاب الجماعي، حيث تدفع عائلات بأكملها ثمن الأقوال أو الأفعال المزعومة والمنسوبة لمعارضي قديروف، سواء كانوا من المتمردين المسلحين أو من المنتقدين السلميين. وكالات إنفاذ القانون الواقعة تحت سيطرته الفعلية تمارس الاختفاء القسراي والتعذيب والقتل، وأولئك الذين يجرؤون على التحدث عن الانتهاكات يعاقبون بلا هوادة ولا رحمة، ويجبرون على التراجع عن أقوالهم أمام كاميرات التلفزيون الحكومي. لكن موسكو تغض الطرف.
باستخدام هذه الأساليب، نجحت السلطات المحلية إلى حد كبير في إسكات سكان الشيشان. لكنهم يجدون صعوبة أكبر في ضمان تبعية الشيشان الذين فروا من الجمهورية إلى أوروبا أو تركيا أو الشرق الأوسط.
الحناجر المنتقدة من الشتات الشيشاني – السلمية والراديكالية – صدحت باصوات أعلى وأكثر تماسكا.
في تعامله بعداوة مع هذه الأصوات، شن قديروف في ديسمبر هجوماً عنيفاً ضدهم.
في الشيشان، اعتقل بتعسف ضباط إنفاذ القانون والأمن الخاضعون لسيطرته العشرات من أقارب معارضي قديروف، واحتجزوهم لعدة أيام، وعرضوهم لسوء المعاملة. وكان من بين هؤلاء أفراد عائلة اثنين من المدونين المعارضين، تومسو عبد الرحمنوف وخسان خاليتوف.
أُطلق سراح معظم أفراد العائلتين في نهاية المطاف، لكن بعضهم ما زالوا مختفين بشكل قسري.
في يوم 24 يناير، قال خاليتوف لوسائل الإعلام إن شقيقته وزوج أخته ما زالا مختفين وأنه تلقى رسائل مجهولة المصدر تهدده بممارسة العنف الجنسي على شقيقته.
أحد الأهداف الرئيسية لهذه الحملة الخارجة على القانون هو 1ADAT، وهي قناة وسائط اجتماعية مناهضة لقديروف، تم إنشاؤها في عام 2020 واكتسبت تدريجيا شعبية واسعة، خاصة بين الشباب الساخطين.
في يوم 20 يناير، ألقت الشرطة الشيشانية القبض على زاريما موسايفا، والدة إبراهيم يانغولباييف، المدير المفترض لـ 1ADAT.
قاموا بسحب موسايفا إلى سيارتهم
وهي حافية القدمين عبر الثلج، دون السماح لها بالحصول على الأنسولين، الذي تعتمد عليه في علاج مرض السكري.
ذهبوا بها مسافة 1800 كيلومتر من منطقة الفولغا الروسية وصولاً إلى الشيشان بأقصى سرعة دون توقف. واحتجزوها بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسبوعين.
عندما سُمح أخيرا لمحامي موسايفا برؤيتها، فتحت السلطات تحقيقا جنائيا ضدها على خلفية كونها هاجمت ضابط شرطة وخدشته.
لا تزال موسايفا رهينة، لكن مما لا شك فيه أن السلطات الشيشانية لم تحقق ما كانت تأمله بالقبض عليها؛ لم يأت باقي أفراد العائلة إلى غروزني لطلب العفو عنها علانية وبمذلة. وبدلاً من ذلك، أصبح زوجها وأطفالها يعيشون الآن خارج روسيا ويطالبون بالإفراج عنها.
كرد فعل منه، وصفهم قديروف علنا بأنهم “إرهابيون”، واتهمهم بـ “الدوس على الإسلام” [الصوفي]، ووعد بالعثور عليهم وتدميرهم، وهدد أي دولة تخفيهم بأنها لن ترى سوى”المتاعب”.
كما اتهم ب”الإرهاب”، مراسلة التحقيقات، إيلينا ميلاشينا، والمدافع البارز عن حقوق الإنسان، إيغور كاليابين، بسبب جهودهما لحماية عائلة يانغولباييف من الأعمال الانتقامية.
وفي حال شك أحد في صدق تهديده، أكد قديروف أن السلطات الشيشانية “دمرت دائمًا الإرهابيين والمتواطئين معهم، الذين لا فرق بينهم”، مشددا على أنه سيواصل القيام بذلك.
في هذا السياق الانتقامي، سجل آدم ديليمخانوف، أحد أقرب مساعدي قديروف، العضو في البرلمان الروسي، مقطع فيديو مؤثرا يعلن فيه عن نزاع دموي مع عائلة يانغولباييف وتعهد بتمزيق رؤوسهم. هذه التهديدات بعيدة كل البعد عن كونها فارغة، بالنظر إلى محاولات الاغتيال العديدة الفاشلة والناجحة ضد معارضي قديروف في دول أخرى، وآخرها في ألمانيا والسويد وفرنسا والنمسا.
لتعزيز هذه الرسالة، نظمت السلطات الشيشانية مسيرة الكراهية الضخمة يوم 2 فبراير في العاصمة غروزني، عندما اجتمع نصف السكان الذكور البالغين في الشيشان، إذا كان على المرء أن يصدق المصادر الرسمية، لإدانة آل يانغولبايف، وضرب صورهم بالعصي وحرقها.
لم تدع موسكو أبدا قديروف بشكل علني لمساءلته ولم يثر الهجوم الشائن على عائلة يانغولباييف استياء.
وعندما طلب الصحفيون التعليق، قال السكرتير الصحفي للرئيس فلاديمير بوتين إن قديروف كان يعبر عن “رأيه الشخصي” وأن الكرملين لا يرى أي سبب للتدخل.
أما بالنسبة لإعلان “الثأر” المسعور من قبل ديليمخانوف، فقد اقترح أنه نظرا لأن ديليمخانوف عضو في البرلمان، فإن الأمر متروك للجنة البرلمانية للأخلاقيات، وليس الكرملين، للنظر في أفعاله وأقواله.
ومع ذلك ، يبدو أن تنامي الاحتجاجات الإعلامية والصور البشعة من المسيرة في غروزني لم تترك القيادة الروسية غير مبالية.
في يوم 3 فبراير، التقى بوتين مع قديروف في موسكو. وفقا للتقارير الرسمية، ناقشا مجموعة من القضايا المتعلقة بالتنمية الاقتصادية في المنطقة ونظام الرعاية الصحية وإنفاذ القانون.
وبالرغم من عدم الإفصاح عن أي تفاصيل أو انتقادات علنية، لا يسع المرء إلا أن يتذكر أن آخر مرة استدعى فيها بوتين قديروف إلى موسكو حدثت في ربيع عام 2017، خلال حملة التطهير ضد المثليين في الشيشان، التي تصدرت عناوين الصحف الدولية.
في ذلك الوقت، كانت المحادثة “المسجلة” تدور إلى حد كبير حول القضايا الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، ولكن في وسط تلك المحادثة الروتينية، تم تذكير قديروف فجأة ب”مقالات استفزازية حول جمهورية الشيشان، والأحداث المفترضة…” – بعبارة أخرى التطهير – الشيء الذي نفاه بشدة.
لم ينبس بوتين ببنت شفة ردا على ذلك. عاد قديروف إلى غروزني، وتم تعليق التطهير، ولم تتدخل السلطات الشيشانية بشكل فعال في فرار الناجين.
يبدو أنه عندما تتطور الفوضى الفظيعة التي تمارسها غروزني إلى فضيحة صاخبة ومخزية بشكل خاص ومثيرة للانتباه الدولي، يمكن لبوتين أن يطلب من قديروف بهدوء أن يتباطأ.
من هذا المنظور، فإن الاجتماع المفاجئ الذي عُقد الأسبوع الماضي بين بوتين وقديروف يعطي الأمل بتراجع التصعيد في حرب غروزني ضد المنتقدين. ومع ذلك، من المرجح أن يكون خفض التصعيد هذا مؤقتا ليس ألا.
مع الإفلات المطلق من العقاب على حملة التطهير ضد المثليين عام 2017، باشرت سلطات البوليس المحلي، خلال 18 شهرا أخرى، جولة جديدة من الاعتقالات غير القانونية وتعذيب الرجال الذين افترضت أنهم مثليون أو ثنائيو الجنس.
وقصارى القول، على موسكو أن تتوقف ببساطة عن الهمس في أذن قديروف خلف أبواب مغلقة، ويجب أن تتخذ الإجراء القوي الذي لا لبس فيه والذي هي ملزمة به، وتثبت أن الفوضى والخروج على القانون لن يتم التسامح معهما بعد الآن.
هذا يعني، على الأقل، ضمان الإفراج الفوري عن زاريما موسايفا وبدء التحقيقات في التهديدات العلنية التي وجهها المسؤولون الشيشان ضد آل يانغولبايف وغيرهم من المنتقدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube