احمد رباصمستجدات

تأرجح مقاربة نيتشه للجسد بين علم النفس والفيسيولوجيا (الجزء الأخير)

أحمد رباص – حرة بريس

وبينما كنت في منتصف النهار أتصفح فضاء الفيسبوك، وقع نظري على نص مصوغ بأسلوب جميل من قبل صديقي المعانيد الشرقي ناجي، أحد نشطاء التنوير في بلادنا المنضوين تحت لواء جمعية أصدقاء الفلسفة.
في الحقيقة، ما الفت انتباهي لهذا النص ليس فقط جمال الأسلوب الذي كتب به، وإنما كذلك الأهمية التي يكتسيها الموضوع الذي يتحدث عنه النص: الجسد في فلسفة نيتشه.
من الصيغة التي جاء بها العنوان، أدركت أن صديقي الشرقي المعانيد يريد تناول هذا الموضوع ضمن سلسلة من المقالات، من خلال ترتيب نصه كجزء اول، وهذا ما لم أهمله وأنا بصدد إعداده للنشر على صفحات حرة بريس.
وهل كان لا بد من أن أقف عند هذا الحد واكتفي بنشر الجزء الأول من سلسلة مقالات الشرقي المعانيد حول مفهوم الجسد عند فيلسوف كبير كنيتشه، وأتركه بالتالي يكتب الأجزاء الأخرى تباعا؟
لكن انطلاقا من الصفة الملازمة والمرادة لمنبرنا الصحفي والإعلامي والمشتقة من الحرية التي تعني المبادرة والاختلاف والحوار..إلخ، فقد تراءى لي فضل الدخول مع صديقي في حوار فلسفي حول نفس الموضوع من خلال الشروع في نشر سلسلة موازية، تروم إغناء النقاش وضمان تعددية في الرؤية وكيفية المقاربة..

يرى كلود سوكولوغورسكي، في أطروحته حول الجسد عند نيتشه التي ناقشها عام 2012، أن مفهوم نيتشه عن الجسد يتعارض مع التصور الميكانيكي الذي هيمن على علم عصره. بالنسبة لفيلسوف المطرقة، لا يتألف الجسد من ذرات متحركة؛ بل يشكل تراتبية هرمية من إرادات القوة.
في الوقت ذاته، يشكل الجسد ذاتي الحقيقية؛ بحيث إن وجود مبدإ فكري خارجي عن الجسد هو بمثابة وهم. فبقدر ما يكون جوهر الجسد هو جوهر العالم، أي إرادة القوة، ويشكل الجسد أيضا مكان تجربتي الأكثر حميمية، فهو الخيط الرابط الحقيقي للمعرفة.
ومع ذلك، فالجسد لا يكشف عن نفسه فوريا. ذلك أنه باعتباره إرادة قوة، فهو يؤول، أي يحول ويزيف. يحدث مثل هذا التحول أيضا داخل الوعي الداخلي. كما أن الجسد، الخيط الرابط للمعرفة، هو أيضا مبدأ الخطإ. وبالتالي، فإن المعرفة، التي لا يمكن تحقيقها خارج الجسد، لا يمكن اكتسابها إلا ضدا على الجسد، أي في نهاية جهد زهدي.
يمكن قراءة النص الظاهر على أساس أنه إرادة قوة، “ظاهرة كونية ومطلقة”، وهذا يعني، بلغة فقه اللغة، مبدأ تأويل صالحا للتأويل كونيا. لذلك يبدو أن صياغة نظرية إرادة القوة جعلت من الغرائز والتأثيرات أجهزة انطلاقا منها تعين بالضرورة بناء التجربة الفكرية لنيتشه.
على هذا المبحث الأساسي الذي هو نظرية الغرائز والتأثيرات، أطلق نيتشه اسم علم النفس. تهتم هذه البسيكولوجيا التي أعيد التفكير فيها، مع الأخذ في الاعتبار وضع الغرائز، بدراسة الأشكال المتباينة ومظاهر إرادة القوة. وهنا يقول نيتشه إن اعتباره لهذا العلم مورفولوجيا ونظرية تكوينية حول إرادة القوة فكرة لم تخطر بعد على بال أي شخص…
من هنا جاء وضعه الشبه معماري كما يرى فيرسوخ:
لم يسبق أبدا أن انفتح عالم من المعارف العميقة على جرأة البحارة والمغامرين، وعالم النفس الذي ضحى بنفسه بهذه الطريقة […] سيكون له على الأقل الحق في الإقرار بالمقابل بأن علم النفس أعاد اكتشاف وضعه كعلم سائد، تبقى مهمة العلوم الأخرى هي خدمته وإعداده. ذلك أنه منذ الآن فصاعدا، عاد علم النفس مرة أخرى ليصبح طريقا يقود إلى المشاكل الأساسية.
ومع ذلك، تظهر صعوبة بمجرد أن نمعن النظر في الطريقة التي طبق بها نيتشه فرضيته. فبينما نتوقع أن نراه يطور مباشرة تحليلا يعتمد على النظرية المورفولوجية والتكوينية لإرادة القوة، أي علم النفس، نراه في الواقع يلتجئ في أغلب الأحيان إلى اللغة الكلاسيكية للفيسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) لوصف الجسد، وأنه يرجع العمليات العضوية التي تشكل موضوعها التقليدي إلى النطاق الكامل للظواهر التي يحللها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube