زعامة الاتحاد: المال قبل الوطن
محمد بوبكري
مرشح الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي
بعد اندلاع المشاكل السياسية، والتنظيمية لحزب الاتحاد الاشتراكي، بدأ بعض المواطنين يتساءلون: هل انتهت الأدوار السياسية للاتحاد الاشتراكي على يد زعامته الحالية؟ وهل ما يزال هذا الحزب قادرا على تأطير المجتمع؟
لا يمكن لأحد أن يجزم اليوم بأنه لم يعد هناك أي دور تأطيري وسياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبي، وهذا يعني أن الحزب ليس في صحة جيدة، وأنه يعاني من أعطاب كثيرة، وبات يعرقل البناء الديمقراطي في المغرب، وذلك لأن زعامة هذا الحزب حولت الانتخابات إلى سوق للنخاسة، حيث استقطبت أعيانا، ورشحتهم للانتخابات التشريعية والجماعية، ضدا على مناضليه الأصيلين، مقابل مبالغ مالية. وهكذا، فقد دفعت بهؤلاء الوافدين الجدد إلى إفساد البناء الديمقراطي للمغرب، الشيء الذي شجبه الاتحاديون، بل إن الزعامة الحالية قد نقلت ممارساتها الانتخابية الفاسدة في المجتمع إلى داخل الحزب، حيث أكد بعض المقربين منها أنها تقوم حاليا بتفويت المقاعد في أجهزة الحزب بمختلف مستوياتها مقابل منافع كثيرة. وهذا ما يؤكد أن هذه الزعامة لم تتوقف عند حد تغيير البنية الديمغرافية للحزب، من أجل التمكن من ضمان استمرار الزعيم على رأس الحزب لعهدة ثالثة، ثم رابعة، مما سيمكنه من توريث هذا الحزب لذويه. وبذلك، سيكون الزعيم قد انقلب على قيم الحزب ومبادئه، وتراثه، وماضيه، الأمر الذي أضعف الأداة الحزبية تنظيميا، حيث يؤكد المناضلون من مختلف الجهات أن الاتحاد قد دخل في مسلسل انقراض تنظيمي ينذر بدنو نهايته، وهذا ما يتطلب إرادة قوية لإنقاذه من هذه المأساة، التي بدأت تلوح في الأفق.
ومن الانحرافات التي عرفها هذا الحزب هو غرق زعامته في الانتخابات وجنيها لأموال طائلة منها، فانصرف اهتمامها عن تطوير الذات الحزبية وخطابها. وهكذا صارت هذه الزعامة مأخوذة بالريع، ولم يعد لها أدنى اهتمام بالوطن، ولا بالمواطن.
ونظرا لخوف هذه الزعامة من المفكرين والمثقفين، فقد لجأت إلى نفضهم حتى صار الحزب مصابا بالعقم، وعاجزا عن إنتاج الأفكار والمشاريع انطلاقا من المرجئة الاشتراكية الديمقراطية، ما جعل شعار “المعارضة” التي ترفعه هذه الزعامة مجرد كلمة جوفاء، خالية من أي معنى، لأنه يجب أن تكون المعارضة منتجة للأفكار و للمشاريع، وقادرة على نقد ما تقدمه الأغلبية، كما ينبغي أن تكون قادرة على استشراف آفاق جديدة للبلاد. وهذا ما يستحيل على هذه الزعامة القيام به اليوم، لأنها لا تستطيع التفكير لتطوير المشاريع والمقترحات. و بذلك، فمن المفروض في المعارضة الوطنية أن توجه النقد البناء لما يعرض عليها، وتتقدم ببدائل لما ترفضه، و بدون ذلك، فلن تكون المعارضة ذات بعد وطني.
ونظرا لنفض الزعامة للمثقفين، فقد أصيب الاتحاد بعاهة مستديمة، نجم عنها عدم قدرته على تأطير المجتمع، ما يفسر تقلص امتداداته، وضعف تنظيماته، التي بدأت في التكلس، وغير قادرة على النمو. وهذا ما نجم عنه ضعف الاتحاد وعدم قدرته على لعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الأول الفرنسي الأسبق “ميشال روكار” قد شارك في تأبين المرحوم القائد” ذ. عبد الرحيم بوعبيد”، بكلمة ألقاها في ملعب “الأمير مولاي عبد الله” في الرباط، حيث قال: ” لقد كان المرحوم ” ذ. عبد الرحيم بوعبيد” وطنيا كبيرا، ناضل من أجل استقلال المغرب، وساهم بقسط وافر في بناء الدولة المغربية وحماية استقرارها”. لقد مر على هذا الكلام وقت طويل دون أن أفهمه. وبعد تأملي في فكر سي عبد الرحيم وتاريخه، اكتشفت أن هذا القائد الفذ، كان يمتلك رؤية ثاقبة، حيث كان ينأى بنفسه عن معاشرة جيله من “القومجيين” في الشرق الأوسط، لأنه كان ديمقراطيا حتى النخاع، فأدرك باكرا أنه لا يمكن بناء دولة ديموقراطية بفكر انقلابي استبدادي. ولقد تأكدت رؤية عبد الرحيم بوعبيد، لأن هذه الأنظمة القومجية الانقلابية قد انتهت إلى خرابها، وخراب أوطانها. وهذا ما يفسر أن القائد الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد قد شكل دوما جدارا صلبا في وجه انتشار الفكر القومجي الانقلابي في المغرب. والسؤال المطروح هو: هل يمكن لزعامة الاتحاد اليوم أن تساهم في استقرار المغرب؟ إن الزعامة الحالية للاتحاد لا تمتلك القدرة على التفكير واستعمال الخيال لجعل الاتحاد الاشتراكي متجذر في المجتمع، كما أنها عاجزة عن تأطيره، وضمان أي تفاعل مثمر بينها وبينه، إضافة إلى ذلك، فإن هذه الزعامة مهووسة بمراكمة الأموال على حساب القيم النبيلة للحزب، ما يدل على انحرافها القيمي والأخلاقي. والمهووس بجمع المال، يكون عرضة لشتى أنواع الانحراف مقابل المال، وهذا قد يشكل خطرا محدقا بالوطن، مما يدفعني إلى استخلاص أن هذا النوع من الزعامات لا تستحق قيادة حزب اشتراكي كبير.
وعليه، فإن الزعامة الحالية للاتحاد صارت غير مؤهلة للدفاع عن استقرار البلاد، بل إنها قد تحولت، بحكم انحرافها إلى عامل من العوامل المهددة لاستقرار الوطن.
لقد لعب الاتحاد الاشتراكي دوما دورا مميزا في الدفاع عن القضية الوطنية في مختلف المحافل الدولية، حيث كانت له وظيفة دبلوماسية خدمة للقضايا الوطنية الكبرى، لكن هذه الوظيفة قد انقرضت خلال “العشرية السوداء الأخيرة”، حيث لم يعد لهذه الزعامة دبلوماسية موازية تدافع عن الوحدة الترابية المغربية. ففي الوقت الذي توجد فيه أحزاب اشتراكية ديمقراطية في السلطة في الدول الأوروبية، نلاحظ أن زعامة الاتحاد لا تقوم بأي مجهود تجاه هذه الأحزاب التي لا تتوقف عن الاعتراض على شرعية سيادة المغرب على صحرائه، لكن هذا لا يعني أن زعامة الاتحاد لا تسافر إلى أوروبا، بل إنها تسافر إليها للمتعة، بأموال الدعم العمومي الذي يتلقاه الحزب سنويا. وللتدليل على ذلك، يقول الزعيم نقلا عن أحد مقربيه: “لا ينبغي أن نشتغل مجانا مع الدولة، بل ينبغي أن يكون ذلك بمقابل”. يستشف المرء من كلام الزعيم أن المال أهم من الوطن!
لذلك، يمكن القول إن الزعامة الحالية للاتحاد قد أصابته بداء عضال أفقده مؤهلاته وقدراته على تأطير المجتمع وعلى الفعل السياسي الهادف، لكننا لا يمكن القول إن هذا الحزب لا يمكن أن ينهض من جديد. ولكي يتحقق ذلك، فلا بد للحزب أن يقوم بإصلاحات سياسية وفكرية، وتنظيمية، وهذا لن يكون ممكنا إلا برحيل قيادته الحالية.