حواراتمستجدات

حرة بريس في حوار مع الكاتب والباحث المغربي كريم الحدادي

الفكر العربي بين عقلانية الغرب وتبعية الشرق :كيف سنواجه اللاعقلانية العربية ؟

حاوره عبدالحي كريط

كاتب عصامي وباحث مغربي شاب  له العديد من المؤلفات الأكاديمية والأدبية القيمة وفي القسم السادس الإبتدائي  كتب أول محاولة لسيرته الذاتية إلتحق بكلية علوم التربية بالرباط عام 2014 وإنخرط في ورشات للكتابة كانت تعقدها الكلية بشراكة مع المعهد الفرنسي بالرباط بعد حصوله على الإجازة الأساسية تخصص ديداكيك اللغة الفرنسية إلتحق بكلية الآداب جامعة محمد الأول بوجدة ليترك بعد ذلك الجامعة في السنة الثانية بعد مواجهته لمجموعة من اﻹكراهات كما انه مهتم بالصحافة المكتوبة. و قد أجرى  مجموعة من التداريب لدى مجلات و جرائد مغربية فرونكوفونية و عربية. 

 نشر أول عمل أدبي له بالفرنسية سنة 2017، تحت عنوان ” Malaise d’un citoyen.لدى editions edilivre بفرنسا.  إلى حدود اليوم نشر عشرة أعمال أدبية، و هناك أعمال أخرى ظلت حبيسة المطبعة بسبب عجزه عن أداء مستحقات الطبع و النشر و التوزيع كرواية 

 Les habitants de la rue, les fous de l’Afrique-Ed. Publiwiz France. وانتهى من تأليفها سنة 2019 ولم تخرج بعد إلى الوجود.من أبرز أعماله المنشورة بلغة موليير 

  • Malaise d’un citoyen Lettre à une femme laïque l’ouvrier : hommage à Albert Camus L’enveloppe : Mythologie Philosophie de la guerre à la recherche d’une paix universelle.
  • Une schizophrénie moderne : essai
  • L’argumentation : La littérature peut-elle nous  apprendre à argumenter ? 
  • إضافة إلى أعماله باللغة العربية  :

الدخيل أو التشاؤم، رحلة بحث مجحفة عن العدالة: رواية 

الفكر العربي بين عقلانية الغرب و تبعية الشرق: كيف سنواجه اللاعقلانية العربية؟

ضيفنا لهذا الحوار ولأول مرة هو الكاتب والباحث المغربي كريم الحدادي لكي يتحدث لنا عن آخر مؤلفاته الفكر العربي بين عقلانية الغرب و تبعية الشرق: كيف سنواجه اللاعقلانية العربية؟ 

والكتاب عبارة عن دراسة نقدية أكاديمية تهدف إلى إعادة النظر في مجموعة من القضايا الفكرية التاريخية. وهي محاولة جادة للإجابة عن سؤال “النهضة”، لصاحبه “شكيب أرسلان”: لماذا تقدم الغرب و تأخر -العرب- المسلمون؟ بالرغم من غزارة الإنتاج في هذا الصدد،  وحاول الكاتب توضيح إلى أي حد أضحت المجتمعات العربية، خصوصا بعد توالي الهزائم و الأزمات، تابعة للمجتمعات الغربية ثقافة و فكرا. و كيف تخلى العرب المسلمين عن تراثهم ودينهم، متأثرين بالحداثة الغربية – القائمة على العقلانية المادية، و كذا بمفاهيم “ما بعد الحداثة” –وليدة الستينيات و السبعينيات من القرن العشرين.

هذا التأثر بالثقافة الغربية و هذا “الانتحار الحضاري” كما قال المرحوم المفكر المغربي، محمد سبيلا، هو ما يسمى لاعقلانية عربية. باعتبار أن ما يسميه الغرب  عقلانيا، لا يجوز أن يسمى كذلك في بيئة عربية إسلامية لها هي الأخرى خصوصياتها الثقافية.

كما تطرق الكتاب حول دور المثقف العربي في التصدي لهذا التقليد، وعن دوره في نقد المفاهيم و إخضاعها لمعايير تتماشى و الثقافة العربية الاسلامية: كالنصوص مثلا من جهة، و التصدي للفكر الاستشراقي، من جهة أخرى، كونه معاديا للثقافة العربية الاسلامية.

1-ماهي الأسباب التي دفعتكم إلى تأليف هذا الكتاب ؟

الغيرة على اللغة العربية و الاهتمام بالفكر العربي أولا وقبل كل شيء. بحكم تخصصي الجامعي، كنت مضطرا لقراءة مؤلفات باللغة الفرنسية. و القراءة، كما تعلمون، تستوجب الكتابة. لذلك كانت معظم قراءاتي و كتاباتي بلغة موليير. إلى أن شعرت ذات يوم، حين قررت أن أكتب رواية باللغة العربية، أن لغتي العربية أضحت ضعيفة. إذ إن إتقان اللغة يتطلب ممارستها و العودة لها في مناسبات كثيرة حتى لا نفقدها. فبدأت سلسلة من القراءات بلغة القران الكريم، كان أولها كتاب “الفلسفة في مؤتمرات. للفيلسوف المصري “مراد وهبة”. لقد كان هذا الكتاب الذي اقتنيته في إحدى زياراتي لمدينة الرباط، صدفة خير من ألف ميعاد. فكان أن غير هذا المؤلف مسار اهتماماتي الفكرية و الأدبية و أحالني على مجموعة من المراجع الفكرية و الفلسفية الرصينة التي تعالج موضوع الفلسفة الإسلامية و الحداثة و العقل العربي و الغربي… في هذا الصدد، اقترح علي أحد زملائي، و هو قاص و تشكيلي، اسمه عثمان الهاسوتة، أن أعد ورقة بحث في موضوع “الأدب ما بعد الكولونيالي “. فتعذر علي حضور اللقاء ربيع سنة 2020، عند تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا بالمملكة. مما دفعني لتكريس كل وقتي آنذاك لهذا الموضوع الذي صغت له عنوان : الفكر العربي بين عقلانية الغرب و تبعية الشرق. وكان الهدف الرئيسي من تأليف هذا الكتاب هو رغبتنا في إعادة صياغة بعض الأسئلة الفكرية المتعلقة بواقع الفكر العربي، و ذلك بنفس شبابي، تزامنا مع فقدان الساحة العربية لأهم مفكريها و روادها، كالفيلسوف المغربي “محمد سبيلا” الذي أهدينا لروحه هذا العمل المتواضع، والفيلسوف المصري حسن حنفي  الذي تغيب عنا هذا العام.

2-ماهي المحددات الرئيسية التي إنطلقت منها في إخراج هذه الدراسة  النقدية الأكاديمية المتميزة؟ 

لا نستطيع صراحة ان ندعي النبوغ خصوصا في هذا السياق. و ذلك بحكم وجود قامات فكرية عربية، و مغربية، قدمت الكثير في هذا المجال؛ كالمرحوم الجابري، محمد سبيلا، عبد السلام بن عبد العالي و غيرهم. إذ عمل هؤلاء المفكرون على صياغة تساؤلات عميقة و إشكالات فلسفية جدية توجت بتأليف كتب و دراسات نقدية رصينة و بتبني مشاريع فكرية عابرة للأزمنة، كان الهدف منها هو تحقيق الرقي الثقافي و الاجتماعي و السياسي في العالم العربي الإسلامي و النهوض بمجتمعاته. فكان أن انطلقنا من بعض هذه الانتاجات، لإعادة صياغة بعض من أسئلتها المرتبطة بالتراث و علاقته  بالحداثة، و النص القرآني و ضرورة فهمه و الرجوع إليه لتوضيح ثلة من القضايا الراهنة، و موضوع الاستشراق و الاستعمار و دور المثقف العربي في التصدي لعدائية بعض التيارات الغربية التي تسيئ للإسلام و المسلمين.

3-في إحدى محاور كتابكم  قلتم أن اﻹستشراق كان بداية عرقلة  عجلة الفكر العربي ،كيف ذلك؟ 

طبعا، هذا ما نعتقد، و هذا ما أقره الكثير من الباحثين. على رأسهم الجابري، حين قال بأن المثقف لا يعتبر مثقفا إلا إذا كان ينتمي إلى ثقافة معينة و يفكر بها و من خلالها. و التفكير في ثقافة ما من الخارج لا يعدو أن يكون نوعا من التطاول عليها و بالتالي يصعب النفاذ إلى حقيقتها و حيثياتها و تفاصيلها. إذ يقول عبد الوهاب المسيري مثلا، في معرض حديثه عن تجربته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، أنه وضع موضعا محرجا في مرات عديدة حين كان يوظف عبارة  I MISS YOU التي تعني “اشتقت لك ” بالانجليزية للتعبير عن اشتياقه لزملائه (الذكور)؛ في حين أن دلالات هذه العبارة تحيل على نزعة إلى الشذوذ الجنسي. فالمستشرقون يفتقرون إلى الخصوصية الثقافية – كاللغة- التي تؤهلهم لنقد هذه الثقافة، خصوصا و أن المفكر العربي لم يكن دائما على استعداد لمواجه ما يقال عنه. إذ تقول في هذا الصدد الباحثة في العلاقات الدولية نسيبة تامة: ” إن الإلزامية الحضارية تفرض على المسلم المعاصر ّأن يكون على اطلاع مباشر و مستمر على ما ينشر عليه حول العالم بحثا و تقصيا، تحليلا و نقدا.” و هذا ما أكدت عليه الدكتورة و أستاذة تاريخ العصور الوسطى بجامعة الأزهر، عفاف صبره، حين أقرت بأن “المستشرقين يشكلون مشكلة ثقافة و دينية كبرى بالنسبة للشرق الإسلامي.” كما هو الشأن بالنسبة للمستشرقين الفرنسيين “أرنست رينان”؛ هانوتو، أو “إيريك زيمور” الذي نسميه في خضم هذا الكتاب: أرنست رينان القرن الواحد و العشرون.” لما يكنه من عداء للإسلام و المسلمين و ما تنطوي عليه خطاباته من قصور في فهم الثقافة العربية الإسلامية.

4-هل المجتمع العربي ونخبه الفكرية يعيشون في سكيزوفرينيا الحداثة ؟

إذا كان مفهوم الحداثة قد برز في الغرب، خصوصا الحداثة المادية، العلمية أو العقلية، التي أسس لها فلاسفة عصر الأنوار بفرنسا، فهذا المفهوم لا يمت بصلة للفكر العربي الإسلامي. و من يدعي أنه يجب التأسيس لحداثة عربية إسلامية على الطريقة الغربية، فهو لا محال مصاب بالانفصام. إذ كيف يعقل أن نتنكر لحضارتنا الإسلامية و نتسابق نحو الغرب من أجل استيراد حداثته الخاصة، المنبثقة من ثقافته و تاريخه و عقله؟ إن هذا هو “الانتحار الحضاري” عينه. كما قال المرحوم محمد سبيلا. و من هنا دعوة مجموعة من الفلاسفة العرب المسلمين إلى التأسيس لحداثة إسلامية. كما يوضح المفكر المغربي طه عبد الرحمن.

5-مالفرق بين العقلانية الغربية والعقلانية العربية ؟

إن أبرز ما يميز العقلانية الغربية  – المادية- هو تمجيدها للعقل و هذا ما يسمى بـ”مركزية العقل” في الثقافة الغربية. هناك، كما قال الدكتور هاشم صالح، “تخمة في العقلانية الغربية”، مقابل قصور و فقر في العقلانية العربية و نمو ما يقابلها أي النزعة الانفعالية و العاطفية الزائدة. و لعل ما يميز الطرفين هو بالأساس المعطى الديني. فالعقلانية الغربية “المادية” قطعت صلتها بالدين و الوحي و الأخلاق. في حين، لا يزال المفكرون العرب المسلمون يحاولون التأسيس لعقلانية مبنية على الدين و الأخلاق المنبثقة منه. و هذه هي العقلانية الأسمى و الأكثر اكتمالا.

6-كيف سنواجه اللاعقلانية العربية؟ 

لا سبيل إلى ذلك سوى مواجهة الجهل أولا. أو الجهل الجديد، كما قال الفيلسوف الكندي “توما دو كونانك”. و مواجهة الجهل تقتضي الاستثمار في الثقافة. بحيث  في غياب الثقافة ينمو الجهل، العنف، التدمير الذاتي، الفكر الانتحاري، التعصب الديني… و لعل ما يقتل كما الذي يحيي هو الأفكار. لذلك، لا بد من تحقيق الوعي بمشكل الجهل و رصده و دراسته قبل التفكير في مواجهة اللاعقلانية. لأنه لا حول  و لا قوة لعقل جامد.

7-تضمّ العقلانية العربية مجموع الرؤى والمواقف الفكرية والدراسات المستقلة عن الدين بوصفه رؤية ومنهجاً وإطاراً معرفياً، والمتخذة من العقل والعلم بديلاً معرفياً ومنهجياً ومجالاً للرؤية ،هل العقلانية  العربية لازالت حبيسة الكهنوت النصي الجامد ؟

لا ينبغي للمثقف أو المفكر العربي تبني هذه الرؤى بشكل أحادي، دغمائي. أي مستقل عن النص. فمجموع هذه الرؤى و المناهج لم تؤتي أكلها كما توضح التجربة الغربية، سواء تعلق الأمر بالحداثة المادية وليدة عصر الأنوار، أو بما بعد الحداثة- المادية السائلة- التي حاولت بل عملت على تدمير كل الثوابت و الإنجازات التي جاء بها الفكر التنويري من مفاهيم “الديمقراطية”، “حقوق الإنسان”، “الفردية”، “الحرية”… و أقصد إنتاجات الفكر الغربي في الستينات و السبعينات من القرن العشرين. هل يجب أن نتبع العلم و العقل حتى إذا بلغنا ما بلغه التدميريون قلنا ” إننا على وشك نهاية تراجيدية للتاريخ”؟

8- مالفرق بين العقلانية اﻹبستمولوجية والعقلانية النهضوية ؟

لا شك في أن العقلانية الابستمولوجية تشكل أساس و منطلق أي عقلانية نهضوية. كيف يعقل أن نتحدث عن نهضة دون أسس معرفية رصينة؟ و لعل مشروع المرحوم الجابري كان أبرز ما أنتجته الفكر العربي على الإطلاق. و فشل هذا المشروع رهين بالانفعالية و العاطفية. أو لنقل غياب الوحدوية العربية. يقول ” عبد النبي الحري”: إن المشروع الفكري عند طه ليس في حقيقة الأمر إلا المشروع الفكري الجابري مقلوبا. فما يقوم الجابري بالإعلاء من شأنه، يقوم طه عبد الرحمن بالحط من قيمته، و العكس بالعكس.”   . ثم ألم بقض طرابيشي ربع قرن من حياته لنقد مشروع الجابري؟ و من هنا ضرورة العمل –معا- على إنتاج معرفة كفيلة برسم مسارات عقلانية و دقيقة لتحقيق النهضة، خوفا من أن يموت حمار عقلانيتنا ، مرة أخرى، في العقبة.

9-هل هناك فرق بين العقلانية العربية الشرقية، والعقلانية العربية المغربية خاصة والمغاربية  عامة ؟

لا أعتقد أن هناك فروق شاسعة بين العقلانية المغاربية و المشرقية. إذ تشترك المجتمعات العربية في اللغة، الدين، التاريخ، و القضايا الكبرى أيضا. وخير دليل على ذلك هو ما حققه مشروع نقد العقل العربي للجابري رحمه الله، من انتشار في جميع ربوع الوطن العربي. لكن بالمقابل، يمكن الحديث عن عقلانيات إسلامية مختلفة.

10-أين هو موقع  ودور المثقف العربي في هذه الجدلية ؟

لا موقع له. و لا يجب أن يكون له موقع محدد. و إلا سقطت عنه صفة “المثقف”. إن المثقف العربي منفي، يعيش في الهامش، لأنه يحاول أن يكون صادقا، صريحا. و يحاول جاهدا أن يكون سندا للجمهور الضائع، المنصهر في الخرافات و المنكب على التفاهات. و من هنا يتحدد دوره. دور صعب، يكاد أن يكون مستحيلا: إنتاج خطاب ثقافي، تبسيطه، نشره ومن ثم  تحبيب الجمهور فيه، على أمل انتشاله من الجهل.

11-كلمة ختامية؟ 

أتابع منذ مدة حواراتكم الصحفية مع ثلة من الأدباء و المفكرين المغاربة داخل و خارج أرض الوطن. و لعل هذا هو دور الإعلامي المثقف. لذلك أشكركم على هذه البادرة.

كما أتمنى أن يحظى هذا الكتاب المتواضع باهتمام القراء المغاربة و العرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube