احمد رباصمستجدات

إطلالة تاريخية: الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، من اليسار الاشتراكي إلى اليسار الماركسي اللينيني (الجزء الاول)

ترجمة: أحمد رباص

في مثل هذا الوقت من السنة، بين نهاية ديسمبر وبداية يناير، يطفئ في سرية الأعضاء السابقون الشموع احتفالا بالذكرى السنوية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ذلك اسم لا يزال يتردد صداه في أذهان أولئك الذين تم تأطيرهم من قبل هذه المنظمة أو الذين ساهموا بنشاط في إنشائها وتطويرها.
خلال المؤتمر التأسيسي الذي عقد يوم 26 ديسمبر 1956، نشأ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب رسميا بعد أن استوعب العديد من الجمعيات الطلابية. إنها في الحقيقة ليست أول منظمة طلابية تظهر في المغرب. مثلا، يروي المعتقل السياسي السابق طارق برحو كيف شهدت الجامعة المغربية ظهور العديد من المنظمات الطلابية. بعد ظهور جمعيات مثل جمعية مسلمي شمال إفريقيا (1912)، أو الجمعية العامة لطلبة الرباط (1927) أو اتحاد طلاب المغرب (1947)، فسحت العديد من هذه المنظمات المجال أخيرا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

من الولادة إلى الطلاق مع حزب الاستقلال

جاء هذا القرار بعد حصول المغرب على الاستقلال مباشرة. سوف تظهر العديد من النقابات والجمعيات. في غشت 1956، قررت جمعيات الطلبة حل نفسها من أجل تشكيل اتحاد، كما يذكر من جانبه الباحث المغربي عبد العالي الصغيري. كتب في عام 2016 قائلا: “لقد تم العمل كضرورة تاريخية على تأطير الطلبة المغاربة باعتبارهم شريحة اجتماعية لعبت أدوارا أساسية في مكافحة الاحتلال”.
في المؤتمر الأول، سيتم تسمية الحسن الثاني، الذي كان آنذاك ولياً للعهد، كرئيس فخري للمنظمة. وظلت الأخيرة تحت قيادة حزب الاستقلال طوال مدة المؤتمر الوطني الثاني، الذي نظم في سبتمبر 1957 في فاس. ولكن منذ المؤتمر الثالث الذي عقد في 23 يوليوز 1958 في تطوان، تم تصدير حرب التيارات داخل حزب علال الفاسي إلى داخل المنظمة الطلابية. أصدقاء عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم ومهدي بن بركة سينتصرون في نهاية المطاف في المعركة داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. منذ مؤتمرها الرابع في 27 غشت 1959، أعلنت المنظمة دعمها للتيار التقدمي داخل حزب الاستقلال. وبطبيعة الحال، كانت المنظمة إلى جانب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تم إنشاؤه في 6 نوفمبر 1959 بعد الانشقاق عن حزب علال الفاسي.
تحول الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مثل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى صفوف المعارضة بمجرد حل حكومة عبد الله إبراهيم. في المؤتمر الخامس، المنعقد يوم 16 يوليوز 1960 بالدار البيضاء، سيتغير خطاب القادة أيضا. لن يكتفوا بعد الآن بانتقاد البيروقراطية بل النظام السياسي وقمع شخصيات الحركة الوطنية. كما أكد البيان الختامي على المشاكل المرتبطة بالديمقراطية وأصر على رحيل الجنود الفرنسيين من المغرب.

أصبح الاتحاد الوطني لطلبة المغرب رسميا الذراع النقابية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية

في المؤتمر السادس الذي عقد في أزرو في الفترة من 20 إلى 24 يوليو 1961، تم الإعلان رسميا عن الطلاق بين النظام والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث أكدت المنظمة على طابعها المجتمعي التقدمي. كما أعلنت عن إنشاء اتحاد جديد في أوروبا الشرقية وتعاونيات باعتبارها بنيات تحتية أساسية للاتصال بقواعد الطلبة وتصميمها على النضال جنبا إلى جنب مع جماهير الطبقة العاملة. نشر المؤتمر أيضا كتابا أبيض يعزو فيه مسؤولية كل ما يحدث في البلاد إلى الحكم الفردي، في إشارة إلى نظام الحسن الثاني، الذي توج بالكاد في 3 مارس 1961.
موقف تم إقراره في المؤتمر السابع المنعقد في يوليوز 1962 والذي دعا علنا إلى مقاطعة استفتاء كانون ديسمبر 1962. كما سيقرر المؤتمر إنشاء صحيفة “الطالب المغربي” باللغتين العربية والفرنسية. وتميزت السنة بظهور الاتحاد العام لطلبة المغرب، وهو محاولة من قبل حزب الاستقلال لاستعادة السيطرة على عالم الطلبة، لكنها محاولة باءت بالفشل.
وإدراكًا منه للخطر المحتمل للاتحاد، أصدر الحسن الثاني في يونيو 1963 ظهيرًا يمنع اتحاد طلبة المغرب من تأطير الطلبة. كما قام النظام باعتقالات طالت نشطاء المنظمة الطلابية. في شهر غشت 1963، خلال المؤتمر الثامن الذي عقد في الدار البيضاء، اتخذت نقابة الطلبة موقفا معارضا من النظام ووجهت سهامها إليه. بل إن نشطاءها طالبوا صراحة بإسقاط النظام. وأشار البيان الختامي للمؤتمر إلى أنه “من الواضح أن وجود النظام نفسه يشكل عقبة أمام تحقيق تطلعات الجماهير الشعبية وعائقا أمام أي إمكانية للتقدم”. وتابع: “إلغاء النظام شرط لا غنى عنه للبلاد للخروج من الأزمة المفتوحة أو المستمرة التي تعثرت فيها منذ الاستقلال”.
سيدعو المؤتمر التاسع، المنعقد في الفترة ما بين 4 و 7 سبتمبر في الرباط، إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والنشطاء التقدميين. في أكتوبر 1964، اتخذت حكومة باحنيني إجراءات قانونية ضد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لكنه خرج منتصرا. وفي مارس 1965، أثارت زلة قام بها يوسف بلعباس، وزير التربية الوطنية آنذاك، حفيظة الطلبة المغاربة الذين خرجوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة في 23 مارس. تم قمع المظاهرات برصاص الجيش في الدار البيضاء. بعد ثلاثة أشهر من الثورة الطلابية، تم إعلان حالة الطوارئ لأول مرة في تاريخ المغرب، في يونيو 1965. ثم انعقد المؤتمر العاشر لنقابة الطلبة القوية في أكتوبر 1965 في الرباط.

من الخدمة العسكرية إلى ظهور التيار الماركسي اللينيني

ولكن عشية المؤتمر الحادي عشر، الذي عقد في يوليو 1966، بدا أن الحسن الثاني قد وجد طريقة لوضع حد للمعارضة الطلابية. في 9 يونيو 1966، أدخل الخدمة العسكرية الإجبارية لأول مرة بموجب ظهير يُلزم الشخصيات البارزة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بأداء خدمتهم العسكرية. في الواقع، ذكر المؤرخ أندريه آدم في عمله “حوليات شمال إفريقيا: السجل الاجتماعي والثقافي” (المركز الوطني للبحث العلمي، 1981) أن هذا النص “استخدمته الحكومة لتبرير رفض طلبات الإعفاء من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب”. من خلال هذا النص نفسه سيتم دمجهم لمدة ثمانية عشر شهرًا. “يتم استخدام إلغاء التأجيل الممنوح للطلاب، كعقوبة، ضد كبار الأطر في المؤتمر العاشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذين تم إرسالهم إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، في فبراير 1967 وضد أولئك الذين نظموا دعمهم للخارج باحتلال السفارة المغربية في باريس.
المؤتمر الثاني عشر، الذي كان من المقرر عقده في عام 1968، تم حظره من قبل السلطات ثم جرى تأجيله. بل سوف تسبقه عدة أحداث. أكمافاد طارق برحو أن الرئيس المنتخب في المؤتمر الحادي عشر، فتح الله ولعلو، وكذلك عضو آخر في اللجنة التنفيذية للمنظمة، سيتم “اختطافهما” وإرسالهما إلى طرفاية في 14 أبريل 1967. وسيعقد المؤتمر الثاني عشر أخيرا في الرباط في يوليوز 1968. ولكن في وقت مبكر من عام 1969، خلال المؤتمر الثالث عشر، بدأ الطلبة اليساريون، ولا سيما طلبة حركة إلى الأمام، في اكتساح المجال على حساب الطلبة الاشتراكيين. دخلت المنظمة الطلابية لتوها المرحلة الثالثة من وجودها.
(يتبع)

المصدر: Yabiladi

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube