حيمري البشير

تنسيقية المغاربة الذين فرضت عليهم الجوارب

للسعودية ليان سليمان رواية بوليسية عن الجوارب عنوانها «لغز اختطاف جوارب الجثث»، والقصة من النوع الذي يجعل من الجوارب دليلا على ذكاء المحقق، وأيضا قوته الكبيرة على معرفة القاتل والقاتلة.
فالضحايا « كانوا وجدوا قبل أسبوع من مقتلهم في محطة مترو المدينة، وأخذ القاتل منهم جوارب القدم اليمنى»، كما كتب أحد المثقفين عن الرواية وصاحبتها غير المعروفة في الوسط الأدبي السعودي.
وقد اقتبسنا منه قوله «أما قصة جوارب القدم اليمنى، فناجمة عن عقدة نفسية قديمة، فجاك (القاتل ) كان فقيراً فقراً مدقعاً في طفولته، وكانت أمه تضطر إلى جمع الثياب الرثة والمستعملة من البالات وصناديق القمامة، فتجلب له جوارب غير متشابهة شكلاً ولوناً، وكان يضطر إلى وضعها في قدميه، مثيراً سخرية رفاقه ».
والواقع أن الجوارب أو «التقاشر»، على عكس ما نعتقد، لا تقف أصالتها عند الرواية البولسية، بل إن التصفح السريع للأنترنيت والشبكات المعرفية يجعلنا نكتشف بأن لها تاريخا وبعضها دخل التاريخ من …قدمي أصحابها.
في البداية كانت حكرا على الرجال.. والبعض يربط تاريخ ظهورها بالأسرة الفرعونية الثالثة…لست أعرف من هو أول فرعون لبس الجوربين، لكنه فتح التاريخ أمام البشرية لكي تحمي أقدامها بهما…
العرب بدورهم غزلوا الجوارب لحماية أقدامهم من الرمال الساخنة عند المشي بالصنادل المفتوحة، مع بداية مطلع القرن الـ 16 أصبحت الجوارب المغزولة منتشرة لأنها كانت «مريحة أكثر من تلك المصنوعة من اللباد أو الشعر، وبدأت موضة غزل الجوارب في إسبانيا وإيطاليا أولاً، ثم انتقلت إلى بقية أوروبا وارتدى الأغنياء جوارب مصنوعة من الحرير المزينة بتطريز الخيوط الذهبية والفضية، في حين ارتدى .. الشعب والجنود جوارب مصنوعة من الصوف الخشن .«
الباقي معروف وموجود ومسجل بالتفصيل الممل، وهناك أشياء أخرى ذات معنى خارق، مثلا ظهرت في القرن 18 حركة نسائية اسمها جمعية الجوارب الزرقاء، سيكون مفيدا لنا أن نستوحي اسمها ونخلق تنسيقية المغاربة الذين فرضت عليهم الجوارب في العمل، هذه الجمعية «تأسست في بدايات 1750 على يد إليزابث مونتاجو، إليزابث ڤزي وغيرهن كمجموعة للنقاشات الأدبية، وقد قامت عضواتها بدعوة العديد من الرجال والنساء منهم الناشر بنيامين ستيلنجفليت. «وهناك رواية تفيد بأن ستيلنجفليت كان فقيراً ولم يتمكن من ارتداء الزي الرسمي الذي يتضمن جوارب حريرية …سوداء، فكان يرتدي الجوارب الصوفية الزرقاء؛ ومن هنا جاء الاسم .«
في موضوع التطور كانت لبعض الجوارب أدوار ربح بها الأمريكيون الحروب …
اييه نعم الحروب…
وفي ذلك تقول قصة الأمريكيين أيام جورج واشنطن أنه «في عام 1777، أثناء حرب الثورة الأمريكية، كانت أقدام جنود الجيش الأمريكى بها خشونة كبيرة، وكانت تصاب بالبرد أكثر وأكثر، بينما كان الطعام نادرا، وكانت أقدامهم تنزف من قلة الجوارب والأحذية.
فأرسل جنرال جورج واشنطن إلى الكونجرس بشكل متكرر طالبًا للإمدادات، وكان يخص بالذكر الجوارب في كل مرة، وعندما علمت سيدة تدعى “رودا فاراند” من زوجها عن الحال المزري للجنود قامت بتنظيم مجموعة نسوية لغزل مئات الجوارب الصوف الدافئة، وذلك في بارسيبانى في نيوجيرسي، وبعد ذلك، سافرت مع ابنها لتوصيل هذه الجوارب للجنود المتمركزين عند موريستاون، وفي السنوات من 1777 إلى 1778، كانت هذه هي نقطة التحول لصالح الثوار الأمريكان .«
من يستسهل المسيرة التاريخية للجوارب فهو بلا شك يستصغر دور القدمين في صناعة الإنسان، فهي جزء من تطوره هو بذاته.
والحقيقة قد يكون الجورب هو أول قطيعة بين الإنسان وتراب الأرض، قبل الحداد الذي قال عنه الفقيد الكبير حميد ابن داوود أنه المسؤول عن القطيعة..
للجوارب فقهها، وقد احتلت مكانتها في الفتاوي خاصة ما يتعلق بالوضوء، هل يجوز المسح عليها أثناء الصلاة مثلا؟
ومنذ شهور قليلة دخلت جوارب وزير أول في كندا التاريخ عندما ظهر بجوربين بألوان متنافرة، تبين من بعد أنها من صنع ذوي الحاجات الخاصة وأنه قرر دعمهم باقتناء منتوجاتهم.
في حقيقة الأمر، يمكن أن نكتب ألف كتاب عن الجوارب في السلم وفي الحرب، في الأدب وفي التاريخ،
في الدين وفي الموضة، ونتأكد في النهاية أن الجوارب مسألة خطيرة للغاية لا يمكن الاستهانة بها..
ولا يمكن أيضا أن نستصغر شأن من يعرف تفاصيلها في حياتك!
خاصة وأن تفسير الأحلام عند «ابن سيرين» والنابلسي وعند علماء النفس يجعل للجوارب في المنام معنى…
والرائي في المنام، أي من يراها عادة ما تبشره الجوارب بالمال والحماية والهيبة …!
عبد الحميد جماهري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID