سياسةمستجدات

مرض العظمة الفرنسي


بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدار البيضاء

تنهال المصائب على فرنسا تباعا ومصابها كان عظيما بإلغاء عقود زبنائها في الصناعات البحرية والجوية. فبعد فسخ عقد الغواصات الفرنسية من طرف النظام الأسترالي، باتت فرنسا قريبة من الانهيار كونها اعتبرتها صفقة القرن. و شاءت الأقدار مجددا، فلم تتحمل الصدمة الثانية، هذه المرة، أريد بها التنكيل: حيث، قررت سويسرا أيضًا اختيار الطائرات المقاتلة الأمريكية F35 بدلاً من الطائرات الفرنسية كما تم الاتفاق عليه سابقًا. أما الضربة القاضية، فجاءت من بريطانيا العظمى بإلغاءها طلب الحصول على مائة مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد التي تم طلبها مسبقًا من المختبر الفرنسي النمساوي Valnéva الواقع في مدينة ليون.
بهذا، أصبحت القوة الفرنسية بهياكلها الإقتصادية والعسكرية والاجتماعية قريبة من أزمة خانقة.
يوم بعد يوم، تخسر باريس على كل الجبهات و يبدو أن “الفرنسيس” بحاجة إلى جرعة سحرية فعالة أكثر من سينوفارم أو سترازينيكا أو بفايزر أو آخرون…لوقف فيروس العظمة الذي أصابهم. ويجب على أوبيليكس الدبلوماسية الفرنسية، السيد ماكرون، أن يعاود قراءته للأوضاع الدولية بسبب تهوره وعدم لباقته في التواصل وتطاوله على سيادة الدول. لكن كيف وصلت فرنسا إلى هذه المهزلة ؟
أعتقد بصدق أن فرنسا أرادت أن تلعب دورًا أكبر من حجمها. و أرادت بالتأكيد أن تقيس نفسها مقابل قوة الكتلة الأنجلو ساكسونية الجديدة. فهي تواصل العبث والتخريب في غرب إفريقيا كما في المحيطين الهندي والهادئ. ولربما يريد ماكرون تأكيد نفسه على أنه قيصر العالم، لكنه نسي أن الدولة في زماننا هذا لا تساوي إلا كتلة السلطة التي تنتمي إليها. وأذكى البلدان هي تلك التي لديها مزيج صحيح من التحالفات. لقد أصبحت قوة فرنسا، وما لها من نفوذ في إفريقيا والذي سيفقد قريبًا قوته الرادعة لصالح التحالف الأنجلو ساكسوني المهتم بهذه القارة؛ منهارة تماما. ففرنسا، مثل بقية دول أوروبا، لم تدرك تطور العقليات الأفريقية: دول اوروبا أرادت الاستمرار في التصرف عموديًا كدول مستعمرة. ولكن نظرًا لأن الأنظمة السياسية الأفريقية التي وضعتها أوروبا نفسها قد تغيرت جنبًا إلى جنب مع الثقافة الشعبية الأفريقية، كان من الواضح إذن أن تتغير الشراكة مع دول هذه القارة بشكل مطلق من حيث الشكل والمضمون. وكان لأوروبا كل شيء لتكسبه في إفريقيا، لأن وجودها التاريخي منحها السبق على الكتل القوية الأخرى. لكن و لسوء الحظ، فإن العناد والغرور لدى بعض القادة الأوروبيين ربما أوقف على الأرجح أي مبادرة لتغيير السلوك. والنتيجة واضحة بعد ذلك: أوروبا على وشك خسارة حلفائها الأفارقة الذين يخططون بالتأكيد للتحول إلى الكتلة الأنجلو ساكسونية.
فعلا لقد اتخذت ترتيبات لإغواء إفريقيا بأشكال أخرى من التحالفات حيث يتم احترام توازن المصالح بشكل أفضل. وهذا أمر منطقي ويمكن تصوره، على الأرجح في الوقت الراهن، لأن مصالح الكتلتين الأوروبية والأنجلو ساكسونية تختلف بشكل ملحوظ. ففائدة الأول هي الاستغلال، اما الثاني، يفضل توسيعها لتشمل الاستثمار الشامل. وفي ظل هذه الظروف الدقيقة، يبدو أن فرنسا قد فهمت تمامًا التطور الجيوستراتيجي في إفريقيا. وهذا هو سبب استمرارها في التدخل فيها، باستخدام أعمال غادرة في سرية توسعاتها الوحيدة. وهي تنسى أن وكالات الاستخبارات الدولية تقوم باستمرار بجمع وفحص وتحليل جميع أشكال الإجراءات المشبوهة من أجل إعداد تقارير دقيقة تشكك في مسؤولية دولة معينة في مثل هذه الأعمال المشكوك فيها.
ان العالم اليوم، يشتبه في أن باريس تحتفظ بعلاقات مع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل لضمان استيراد اليورانيوم من شمال النيجر و أنها تدعم النظام الاستبدادي في الجزائر لنفس الغرض و أيضًا لعرقلة وصول المستثمرين الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين إلى غرب إفريقيا وكذلك اشتباهها في اللعب على جبهتين في ليبيا. وما يجب عليها الآن إلا أن تتبنى سياسة دولية أكثر انسجامًا مع مبادئ العدالة والشفافية التي تدعي الدفاع عنها في جميع المحافل الدولية و في جميع أنحاء العالم. وصدق المثل القائل: من يتجاهل الأهداف الإستراتيجية للأمراء الآخرين لا يستطيع تشكيل تحالفات. فهل ستستفيق قريبا باريس من كل الصفعات التي اوجعتها مؤخرا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube