احمد رباصفيسبوكياتمستجدات

اليسار المغربي بعد انتخابات ثامن سبتمبر: مآلات بئيسة ومفارقات صارخة واختلالات غير مفهومة

أحمد رباص – حرة بريس

عرف اليسار المغربي نفس المآل الذي آلت إليه الأحزاب والتنظيمات اليسارية في معظم الأقطار العربية. وحصل اليقين بأنه لم يعرف كيف يستجيب للمطالب الشعبية، بل غير شعاراته في سبيل تذوق فتات من كعكة السلطة.
بعد حمل مشعل المعارضة خلال عقود سبقت تعيين الراحل عبد الرحمن اليوسفي كوزير اول في ربيع 1998, فقد اليسار بشكل تدريجي اصطفافه إلى جانب الفئات الشعبية ودوره في محاربة القمع والاستبداد.
بالإضافة إلى تلك الخسارات، فقد اليسار المغربي دوره الاجتماعي كمدافع عن مصالح العمال والطبقات المعدمة. وانتقل من قوة سياسية مهيبة الجانب تسندها منظمات طلابية ونقابية إلى يسار يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة. لم ينجح في مقاومة استراتيجيات الاحتواء والإغراء التي ينهجها النظام الحاكم ليرغم بعض المنتمين إلى فصائل اليسار على التخلي عن مبادئهم ليصبحوا متعاونين مع السلطة.
كما اوحى موقف بعض الأحزاب اليسارية طيلة الفترة التي شهدت انتفاضات 2011 الشعبية بالقطيعة القائمة بين هذه الأحزاب والمجتمع المدني. فضلا عن دورهم الهامشي ضمن الدينامية التي أحدثتها حركة 20 فبراير التي تماهى برنامجها وقيمها مع المثل العليا لليسار، رأينا بعض القادة الحزبيين تصدر عنهم انتقادات حادة للحركة ودعوات للمحتجين بالتراجع وإخلاء الشارع. لقد عبروا بوضوح عن رفضهم دعم مطالب هذه الحركة التي وصفوها بالمشتبه فيها.

والأهم هو أن هذه الاحتجاجات، على غرار تلك التي طبعت تاريخ المغرب السياسي الحديث. كشفت بالملموس عن عجز الأحزاب والتنظيمات اليسارية عن أن يكون له صدى لدى القواعد الشعبية.
تلك باختصار هي الخطوط العريضة للأطروحة التي نشرها عبد الله الحرشيش على الإنترنيت في السنة الماضية. وما دمنا نعيش لحظة تأمل ونقاش على إثر انتخابات ثلاثية كتمرين ديمقراطي غير مسبوق في المغرب، يحق لي إعادة قراءة هذا الملخص على ضوء ما افرزته من نتائج ومفاجأت.
يقول عبد الله الحرشيش، كما قرأنا لتونا، أن بعض الأحزاب اليسارية لم تساند حركة 20 فبراير بل شيطنتها وخونتها لكن ما الفائدة من ذلك بعد أن شاهدنا حزب العدالة والتنمية يقطف ثمار الحركة رغم نفوره البين منها وتوظيفه المنافق لشعاراتها ومطالبها، ويتمكن من رئاسة الحكومة وخنق أنفاس الشعب خلال ولايتبن عجفاويين، في حين كان نصيب الحزب الاشتراكي الموحد الذي ساند شباب حركة 20 فبراير واحتضنهم في مقره الرئيسي بالدار البيضاء مقعدين في البرلمان؟؟

والشيء الذي لا يفهم هو فوز هذا الحزب اليساري بعد انتخابات ثامن سبتمبر بمقعد برلماني يتيم مع انه كان إلى حدود الساعة مساندا لمطالب الشعب المغربي التي عبر عنها في حراكاته الاحتجاجية بكل من الحسيمة وجرادة وزاكورة وغيرها من مناطق مغربنا الحبيب، ولم يكتف الحزب بذلك بل بحت حناجر قيادييه ومناضليه بالمطالبة بإطلاق سراح معتقلي الحركات الشعبية وجميع الصحفيين والمدونين واصحاب الرأي، مؤكدين على مدخل الانفراج السياسي كعربون عن إرادة النظام السياسي الحاكم لإرساء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
لا بد أن هناك خلللا كامنا في مشهدنا السياسي يجعل الأحزاب التي وقفت إلى جانب المخزن في مواجهة نشطاء حراك الريف وتلك التي ساندته في كفة واحدة تكتوي جميعا بنار التصويت العقابي كما حدث لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح عاجزا عن تشكيل فريق برلماني يمارس به دور المعارضة تحت قبة البرلمان.
في الحقيقة، الجميع يعترف بالدينامية السياسية والفكرية التي رايناها تحققت نسبيا مع أحزاب المعارضة التي سجلت حضورها في سنوات القمع والمنع، لأنها كانت تشترك وتلتقي بنسب متفاوتة حول مشروع مجتمعي حداثي، لكن اليوم لا يشبه الأمس، إذ الكل أصبح انتهازيا بما فيهم جزء كبير من.الشعب. وإلا بماذا نفسر صعود أحزاب أسالت لعاب الشعب إما لمالها أو لقربها من السلطة أو لكونها تجمع بين الامتيازين؟
وفي الحياة اليومية يظهر بوضوح أن جل المغاربة يمجدون أصحاب الشكارة بغض النظر عن الكيفية التي حصلوا بها على الثروة..أما الذين راهنوا على التغيير فقد أصبحوا كالايتام في مأدبة اللثام وسمعوا الناس يقولون لهم: هاديك الأفكار ديالكم كولوها..
ولا يجب أن ننسى أن المناضل القيادي الكبير يعتبر جزء من النخبة السياسية ويعتبر بالتالي قدوة للمواطنين إلى درجة التأليه احيانا، لهذا فعلى هذا القيادي التفكير الف مرة قبل إتيان أي سلوك والتلفظ بالكلام، خوفا وتحسبا من أن يقتفي أثره مناصروه والمعجبون به.

وعندما نلاحظ غياب هذا الاحتياط والحذر صار السلوك الانتهازي والبرغماتي ينتشر بين الناس ما دامت بعض الوجوه من النخبة السياسية تتهافت على المناصب والامتيازات.
بعد قراءته لتعليقي الاول على ملخص أطروحة عبد الله الحرشيش، تفاعل معي صديقي اليساري عبد الله شنتوف قائلا: ” سي احمد، اظن أنه لا يمكن التعميم، وسط المدن، هوامشها، الأحياء الشعبية، الأحياء العشوائية، البادية كل طبقة لها طرق اختيار من يمثلها، و كذلك نسبة المشاركة مختلفة جدا حسب المنطقة. عامل اساسي كذلك هو ضعف احزاب اليسار.”
أجبته بالقول إن توزيع المال في الحملة والوعود بتوزيعه على المواطنين على شكل زيادات في الاجور ومنح شهرية للنساء الارامل والمطلقات والرجال العاطلين يتيح لي الخروج بهذا الحكم.. وعاد صديقي ليؤيدني جزئيا بالإشارة إلى أن ذلك حدث في بعض الحالات محاكيا خطاب الداخلية الذي اعتبرها حالات معزولة.
اماصادق فريد، صديقي اليساري الآخر، فكتبت لي يقول: “تماما أخي الكريم أحمد، المشهد السياسي ببلادنا، أضحی يفتقر إلی أدنی وأبسط المقومات، فقد ضُربت “القيم” و “المبادٸ” الحزبية في مقتل، والدليل، ما وقفنا عليه خلال الإنتخابات الأخيرة، من تهييٸ، إلی ترويج، ومرورا بالإستقطاب إلی التصويت۔وحتی نكون صرحاء، المشهد السياسي ببلادنا أصبح وإلی حد كبير، مشهدا رديٸا وقاتما ومنحرفا عن كل الأهداف التي سُطرت له۔ الله غالب۔”

ومسك ختام هذا المقال ما قاله مهدي مهدوي، الصديق الغيور على وطنه، معبرا عن رأيه في الموضوع: “كل الاحزاب يسيل لعابها للظفر بحقيبة وزارية ولا واحدا منها أراد ان يتموقع في صف المواطن ويمارس المعارضة البناءة. وهذا ما هو الا دليل على أن مسألة الانتخابات والبرلمان قد افرغا من قيمتهما وجدواهما وصار الثاني مقر استرزاق وتنمية وحماية للثروة بفضل قبعة الحصانة وفرصة تمرير القوانين لحماية المصالح الشخصية. اما المواطن الذي اوصلهم الى هناك فلا احد سيفكر في مصلحته. لك الله يا مواطن.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube