حزبيات مغربية

الإتحاد الإشتراكي، عزيز أخنوش و الكتلة اليسارية المُعَارِضَة!

” فمِن السّهل أن يَقول البَعض إِن التاريخَ قالَ كَلِمته و إنتَهى الأمرُ. و لكني أعتقدُ أن التاريخَ قال كَلِمته في مرحلةٍ من المراحلِ، و سيظل يقولُ كلمتَه في مراحل مُتوالية من الوُجود البشري”. السي عبد الرحيم بوعبيد بقلم عبد المجيد موميروس إن الوعي بِكَمّ التحديات الداخلية و الخارجية التي تواجه النموذج التنموي الوطني الجديد، يُحَرِّكُ الإنتباه إلى معضلة القصور الذاتي لبرنامج حزب “الذومالية الإنتخابية” و مخارجه الإجتماعية غير السيًّارَة. و ذلك لأن الذومالية السياسية مشتل عقلياتٍ حزبية تؤمن بأن الحكومة مصدرٌ للقوة و الثروة. من تمّ، فلن تستوعب أن الفَلاَح الدستوري ينطلق من العمل الحكومي و البرلماني المرتكز على أسس الفصل المؤسساتي بين المال و السلطة، مع الأخذ برجاحة التوافق الأصلح و التعاون المحمود خدمة للصالح العام. و هكذا فقد تضيع المصلحة التنموية العليا بين دوامات مصالح الذومالية الحزبية الدنيا، التي تتناقض مع مفهوم المواطنة الدستورية. كما تعاكس قيم الديمقراطية التشاركية بالرجعية الحقوقية التي قد تسير نحو حكامة “إعادة التربية” ضد مجرى الزمن الدستوري، حَتَّى تقف سدًّا منيعا أمام طموحات أمة بأكملها. مما يستدعي الفسح في المجال اليساري أمام عرض سياسي معارض متجدد سُمَيًّتُه النُوعِية : كُتلة المعارضة اليسارية البرلمانية. عرض سياسي مُمَيز بوضوحه الإشتراكي الديمقراطي و بمَدَاهُ الإجتماعي العريض. عرض يساري قادر على مقاومة مثبطات العزائم و تجاوز المُحبِطات العظائم. و كذا امتصاص صدمات الذومالية الإنتخابية التي قد تعصف بعدالة النموذج التنموي الجديد ، نتيجة الأوهام الناجمة عن الاعتقاد بامتلاك البرنامج التقنوقراطي المطلق. إن المرحلة السياسية الراهنة لَهِي مرحلة الخروج المُتَوَازِن من دائرة تحالفات حكومية معيبَة. تتلخص في تراجيديا ” تحالفات المَبْكَى”، حيث لا حكومة مُنسجمة و لا معارضة مُلتزمة. مما يستوجب تقديم البديل الإشتراكي المعارض، و المتمثل في كتلة مؤسساتية ذات واقعية جديدة، تعبر عن حاضر و مستقبل الأمة المغربية التي قد تتَفاقَم حدة مَشاكِلِها نتيجة نواقص التحولات التقنوقراطية الجارية، و منها إنتشار الفقر و البطالة و الهشاشة الإجتماعية، و غَلَبَة واقع التهميش و الإقصاء و تمييع الحياة السياسية العامة. لقد رسخ إستفتاء فاتح يوليوز سنة 2011، الاختيار الديمقراطي كثابت لا رجعة فيه. كما وطّد ركائز الديمقراطية التشاركية، و سمح بإعمال مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة، و الفصل بين السلط و سيادة القانون و توطيد إستقلالية القضاء. و يبقى المأمول من كتلة المعارضة البرلمانية اليسارية تسريع وتيرة تجويد النصوص القانونية بما يسهل مكافحة آفة الفساد المالي و بما يزيد من توسيع مجال الحريات الفردية و صيانة مجتمع التنوع البشري. مع تدشين جيل جديد من الإصلاحات الديمقراطية من أجل ملامسة الغايات المفيدة من هذا التحول الدستوري الديمقراطي، أَيْ من أجل بلوغ زمن التنمية الشاملة و الصعود الحضاري المنشود. غير أن صعود الذومالية الإنتخابية يسائل الفصائل اليسارية البرلمانية، حين يدق ناقوس الخطر المتعلق بالتهديدات المستجدة التي تتربص بالتجربة الديمقراطية التنموية المغربية. و من هنا تجوز المطالبة بنبوغ يساري حديث يستقرئ الثرات المغربي العقلاني كيْ يرفض ثقافة التَّبْضِيعِ الإنتخابوي و الإقصاء و التطرف و التمييز الذي هو أسوأ من أشكال التسلط السياسي. نُبوغٌ يساري يحرص – أشد الحرص- على تقوية الترسانة القانونية للحريات و إحترام حقوق الفئات الاجتماعية المختلفة، مثلما يضمن توازن التعددية السياسية بشكل يعزز الاستقرار الداخلي و يتيح إمكانية التعاون و التكامل بين مختلف الفاعلين في المؤسسات الدستورية من أجل تمكين الشعب المغربي من مكارم النموذج التنموي الجديد. لذا تجسد فكرة كتلة المعارضة البرلمانية اليسارية، تيمَة أرضية توافقية تَلُمُّ شمْل المكونات الإشتراكية داخل البرلمان على أساس ميثاق إلتزام قيمي تقدمي ببرنامج عقلاني طموح و متطور. كَيْ ننهض بالعمل الحزبي المشترك نَحوَ إنجاز وثبة المواطنة الدستورية. فمن خلال برنامج كتلة المعارضة اليسارية يمكن مواجهة العديد من منزلقات الذومالية الإنتخابية، و الوقوف أمام التحديات التي قد تبدو – للكثيرين- صعبة و شائكة و معقدة، نتيجة الإرث الثقيل الذي راكمته مساوئ العقول المنغلقة، و تعلُّقها بديدن الخرافة الذومالية و ارتهانها لغنائم اقتصاد الريع الذي يهدد بإفشال المرحلة الجديدة. هي -إذن- كتلة اليسار العضوي التي قد تعمل على فك أغلال الجمود الفكري و الضمور الابداعي، من خلال إبتكار إستراتيجية للنضال التقدمي المتضامن القمين بتحصيل جيل جديد من الحقوق الثقافية، السياسية، الاجتماعية و الاقتصادية للمواطنات و المواطنين. مع تأمين مُقومات الحرية، و تيسير الوصول إلى صبيب التَّعلم التكنولوجي، و رعاية الحق في الإبداع الذي يسمح بزيادة إنتاج الثروة و لا يتراجع عن قوانين توزيعها العادلة. و هي – أيضا- كتلة النبوغ اليساري حاضنة المعارضة الدستورية، التي ستُسائل نِسَبَ الإنجاز كي نطابقها مع حجم المحتمَل. فَتَتَفَتَّح أفاق النقد السياسي القويم من أجل عدالة الاقتصاد الوطني، و إخراج الإصلاح الضريبي من عنق الزجاجة، و مكافحة الفساد المالي و الإداري، و أيضا إصلاح المنظومة التعليمية و إعادة ضبط أدوارها التثقيفية. مع تحفيز خدمات التكوين الآلي العام بهدف الرفع من القدرة التنافسية للمقاولة المغربية بهدف احتضان المزيد من فرص العمل للشباب. و كذا معالجة تردي الخدمات الصحية الذي يُضعف إنتاجية الإنسان المغربي و يمنع إنجاز الإنماء المتوازن للمناطق و الجهات. و لعلها القيمة السياسية الإضافية لكتلة المعارضة اليسارية، التي تتمظهر أساسا في إنتاج أمل جديد تَلْتَئِمُ حوله مختلف الفصائل اليسارية الممثلة داخل البرلمان من أجل المصلحة الوطنية العامة أولاًّ و أخيرا. خصوصا في ظل مخاطر التَّغول الإنتخابوي للذومالية الحكومية، و مع وجود تحديات مُتَعاظمة تفرضها الظروف الدولية و الإقليمية. و كذلك خدمة لإحقاق الأولويات الوطنية الحاسمة كملف الحكم الذاتي و الجهوية المتقدمة. إن عدالة النموذج التنموي الجديد قد ترتهن للقصور الذاتي عند الذومالية السياسية. بما أنها تعتمد على تغليب أرقام برامج مكاتب الدراسات في غياب القدرة الحزبية على الإبداع و الإنجاز. بل .. إن إنحرافات الذومالية الإنتخابوية قد تؤدي إلى انتشار أمراض مجتمعية جديدة ستنخر جسد الوطن المغربي. و لعل أفتك هذه الأوبئة فيروس فساد المرجعيات الثقافية المؤسسة للبرامج الحكومية، الذي أصاب المناعة الدستورية للوطن المغربي. حيث قيَّد عمل الجهاز التنفيذي و التشريعي بعقليات سياسوية مُتَحَوِّرَة، لم تستوعب أن معنى الإصلاح لا يُعرفُ بالأحزاب، و إنما الأحزاب هي التي تُعرف بالإصلاح !. و منه .. جاز الختم بتوجيه الدعوة إلى كل المُتشبثات و المُتَشبثين بالحلم اليساري المغربي، إلى كل الراغبات و الراغبين في التغيير الديمقراطي التقدمي، من أجل تأسيس كتلة سياسية وطنية يسارية معارضة، تشكل البديل الدستوري الأصلح في إطار التعاقب السلمي على السلطة عبر انتخابات شفافة و نزيهة. لأن هؤلاء الذين تمكنوا من القرار الحكومي عبر نتائج صناديق الاقتراع لن تُسْقِطَهم عدا نتائج صناديق الاقتراع!.

عبد المجيد موميروس رئيس تيار ولاد الشعب بحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube