حزبيات مغربيةمستجدات

*كلمات* في ذكرى رحيل زعيم الاتحاد *هل مات الاتحاد؟*

أحمد ويحمان

×

الجواب على سؤال العنوان، ودون تردد: نعم.ولكن… هل يعني ذلك ألا أمل؟

أيضًا، ودون تردد: نعم.ولكن…ولكن ماذا؟

قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال الأساسي، لا بد من الوقوف أولا عند المناسبة وإطارها. *المناسبة ورمزيتها* نحن هنا في ذكرى رحيل الزعيم الوطني الكبير والقائد السياسي الاستثنائي، المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، صباح يومه الأربعاء 8 يناير، الذكرى الثالثة والثلاثين لرحيله. إحياء الذكرى على قبر الفقيد، دعت إليه مجموعة صغيرة ممن تبقى من قدماء شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بمبادرة من الأستاذ محمد حمضي أمين ” الحنين ” لتجربة هذه المنظمة . *الرجل والرمزية المستحقة* سي عبد الرحيم بوعبيد لم يكن مجرد سياسي عادي، بل كان رمزًا للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، إذ ناضل في صفوف الحركة الوطنية وكان أصغر من وقعوا على عريضة المطالبة بالاستقلال. وعرف السجون الاستعمارية أيام الصراع مع سلطات الحماية . كما تحمّل مسؤوليات سياسية ودبلوماسية كبرى، منها دوره في التفاوض على استقلال المغرب إلى جانب الشهيد المهدي بن بركة. شغل منصب وزير الاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم .وكان محاميًا شجاعًا في الدفاع عن المناضلين والمظلومين، سواء أولئك الذين نُفوا أو اعتُقلوا أو أُعدموا. سي عبد الرحيم نفسه لم ينجُ من القمع، إذ زُجَّ به في سجن لعلو بالرباط ثم في سجن ميسور في جبال الأطلس، على مقربة من المعتقل السري السيء الذكر “تازمامارت”، عقابًا على مواقفه الجريئة دفاعًا عن الوطن والشعب . كان رحمه الله متحملا مسؤولية ” البخ” في مقابل “الكي ” التي تولاها رفيقيه في المنفى محمد الفقيه البصري الناطق الرسمي باسم المقاومة وجيش التحرير ومدير الإعلام الحزبي الأسبق و” توأم روحه ” على حد تعبيره عبد الرحمن اليوسفي . وما اثقلها مسؤولية وأعقدها مهمة !وللتاريخ خباياه عندما يبوح بالحقائق، وينطق بنبلة الرجل . *بين الأمواج المتلاطمة والخفوت المريب* في لحظة تأمل على قبر الفقيد، لم يكن ممكنًا تجاهل المفارقة بين الحضور القليل في هذه الذكرى وبين الأمواج البشرية التي غمرت شوارع العاصمة في جنازته قبل أزيد من ثلاثة عقود. كانت جنازة ضاقت بها شوارع الرباط، حضرها عشرات، بل مآت الآلاف من أبناء الشعب قدموا لها من مختلف الأقاليم. هذه المقارنة الصادمة قادت إلى استنتاج مرير: الحزب الذي كان شعبيًا ومتجذرًا في أوساط الناس .. هل مات ؟ ! *شهادة الجابري* قالها أحد الكبار منذ مدة : الاتحاد مات ! قد يكون هذا الحكم قاسيًا، لكن الجملة ذاتها صدرت منذ زمن عن أحد أعمدة القيادة الفكرية للحزب؛ المفكر المرحوم محمد عابد الجابري. في إحدى جلسات النقاش في بيته، وبينما كان منشغلًا بكتابة مقالة، تابع بصمت نقاشًا بين مناضلين جاؤوا لزيارته . كان موزعا بين التركيز لإتمام مقاله، ومتابعة نقاشات وتقييمات زواره دون أن يتدخل طيلة الوقت رغم الصخب وتضارب التقديرات . وبعد أن أنهى مقاله، رفع رأسه وسكت الجميع لما تنحنح وهم بالكلام فكان أن حسم الجدل بجملة قصيرة من كلمتين فقط : *”الاتحاد مات”.* ! والمفارقة أن الجابري قالها في وقت كان الحزب لا يزال يحظى بقدر من الشعبية والاهتمام، وكانت قيادته الأولى على رأس الحكومة، والجريدة الناطقة باسمه لاتزال تحقق مبيعات هامة رغم تراجعها الملحوظ وقتها، ومنظماته النقابية والثقافية والشبابية ما زالت مؤثرة. لكن الجابري، بنفاذ بصيرته، قضى بالحكم على المستقبل، وكأنه كان يرى النهاية التي نحن عليها اليوم. *من الأمجاد إلى الحطام* كان الحديث في المقبرة شاهدًا على ما آل إليه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان يُنظر إليه كامتداد لحركة التحرير الشعبية. هذا الحزب، الذي حُمِلَ عقودا على أكتاف الشعب ولم تؤثر فيه الضربات القاسية التي كان يتلقاها باستمرار ، استحال إلى حطام بفعل تهافت قياداته وانتهازية المناصب، وضياع الأهداف الكبرى التي ضحّى من أجلها الشهداء. وكما قال المناضل النقابي الطيب منشد، وهو يكافح شيخوخته، مخاطبًا روح الفقيد قبل قليل :> “اخي عبد الرحيم .. أعرف أنك تتوق لسؤال إخوانك وتلامذتك عن أحوال النضال الديمقراطي وما تحقق من مكتسبات.. لن يجيبك أحد .. ليس تهربًا ولا تكبرًا، وإنما استحياءً، لأن المآل “ما فيه ما يتعاود.” *آخر الكلام* : *الاتحاد مات .. ولكن…* نعم، الحديث عن بوعبيد هو حديث عن الحزب، والحديث عن الحزب هو حديث عن الوطن والشعب. فالمغرب هو الأصل، وما الحزب إلا وسيلة لخدمته. لكن حين تصبح القيادات الحالية للحزب مجندة في كل ما يناقض تاريخه ومبادئه، حدَّ الارتماء في أحضان الفساد والإفساد، وتبييض وجه الصهيونية ومجرمي الحرب، فالحكم يصبح واضحًا: الاتحاد مات، وشبع موت.ولكن…ولكن يبقى الرجاء في الله سبحانه . الله الذي “يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي”. فعسى أن يُخرِج من هذا الموت حياة جديدة، أو يستبدل الحزب بمن ينهضون من جديد لخدمة الوطن والشعب، بقيم الصدق والنضال.”… وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكون أمثالكم …” صدق الله العظيم إنه على كل شيء قدير. وله الأمر من قبل ومن بعد

.———————×

من قدماء الشبيبة الاتحادية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID