شخصياتمستجدات

أحمد ويحمان ×في الذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله×

*كلمات*

.. في ذكرى الرجل الأعظم في تاريخنا الراهن

—————————

*نصر الله — منارة التضحية وبوصلة التحرير*

أحمد ويحمان ×في الذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله، نقف أمام شخصية استثنائية لم يأتِ زمننا بمثيل لها منذ عقود؛ رجل جمع بين الفكر والممارسة، بين الحلم والرؤية، بين التواضع والصلابة، فصار ظاهرة ملحمية في قلب أمّة مثقلة بالجراح. لم يكن زعيمًا لحزب فحسب، بل كان عقلًا استراتيجيًا أعاد رسم معادلات الصراع في المشرق العربي، وحنكةً سياسية صنعت توازنات جديدة فرضت على العدو أن يعيد حساباته كل مرة. خطابه في بنت جبيل بعد تحرير الجنوب عام 2000 لم يكن مجرد نشوة نصرٍ؛ كان تشخيصًا ثاقبًا لطبيعة العدو حين قال: *«إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت».* عبارة لم تَكن مبالغة، بل رؤية أكّدتها الوقائع. ووجدت هذه الرؤية أبلغ تجسيد لها في ملحمة تموز 2006، حين خاطب البارجة الحربية الإسرائيلية “ساعر” قائلاً: *«انظروا إليها، إنها تحترق وستغرق»؛* لم تكن كلمات للتصعيد العجوف، بل مشهدًا تاريخيًا صاغ معادلة توازن الرعب التي قلبت موازين الرهانات العسكرية، وأثبتت أن المقاومة قادرة على تحويل الضعف إلى قوة، والخطر إلى ردع، واليأس إلى أمل. في مسيرته لم يخفِ السيد نصر الله حقيقةً واحدة: *الصدق* . صدقه مع نفسه ومع أمّته كان منبعًا لقوته ونبراسًا لخطابه. صدقٌ جعله يستقطب القلوب قبل العقول، وجعل من كلمته عنوانًا يعتد به الحلفاء وتقف أمامه المخابراتُ والأنظمةُ الاستعمارية عاجزةً عن فهم عمق تأثيره إلا بعد فوات الأوان. ولأن هذه الشخصية شكلت تهديدًا لمشاريع الهيمنة، فقد واجهت محاولات تشويه ومؤامرات بالغة الخطورة؛ لكن اغتيال الجسد لا يقتل الفكرة، والسجلّ النضالي يتحول إلى صرح يظلّ يهتدي به الأحرار. قدّم السيد نصر الله في مسيرة المقاومة تضحياتٍ جسامًا لم تُقاس بموازين القِدْر وحدها؛ بل بالمواقف والاختيارات. قبل استشهاده كان قدّم أعز ما يملك — فلذة كبده الشهيد هادي — على درب القدس، في مشهدٍ يختصر معنى الإيثار والتماهي الكامل مع قضيّة الأمة. تلك الخسارة الشخصية الكبرى لم تُضعف عزيمته بل زادت من صلابة رؤيته، وأكّدت أن القضية ليست نزاعًا غرائزيًا بل رسالة وجود. وهنا تتجلى قيمة أخرى لا تقل عظمة: *الوفاء* . لقد كان نصر الله وفيًّا حتى آخر رمق؛ وفيًّا لشعبه، وفيًّا لقضية فلسطين التي نذر حياته لها، وفيًّا لدماء الشهداء وفي طليعتهم رفيقه الجهادي الكبير الشهيد عماد مغنية، وفيًّا لإخوانه في المقاومة الفلسطينية الذين ارتبط بهم بعروة لا تنفصم: القائد المجاهد الشهيد أبو العبد إسماعيل هنية، وأبو إبراهيم يحيى السنوار، والشيخ صالح العاروري، وغيرهم من قادة الصف الأول الذين شاركهم الطريق .. والمصير. بهذا الوفاء تحولت المقاومة من راية إلى نهج، ومن رجل إلى أمة. وعندما رحل السيد الشهيد على طريق القدس، ترك قبل رحيله كلماتٍ ومواقف اخترنا أن نُسمعها بصوت الأمة: *«لو نقتل جميعًا واحدًا واحدًا، لن تتوقف صواريخنا ومسيراتنا على العدو إلا بعد وقفه العدوان على أشقائنا في غزة.»* .. ليس هذا تهويلاً، بل عهدٌ وموقفٌ يعبّر عن استمرارية المقاومة، عن يقينٍ بأن الطريق هو المواجهة حتى تحقيق الكرامة والحرية لشعبٍ يُقتل ويُحاصر. كانت كلماته دربًا ونهجًا: لا تنازل عن الحق، ولا تهاون عند أول غارة أو حصار، بل صبرٌ مع العمل وإرادةٌ لا تقبل الاستسلام. وقد جسد عهده باستشهاده على ذمة هذا العهد. وقد تجاوز تأثيره حدود المشرق العربي ليبلغ العالم أجمع؛ إذ رآه أحرار الأمم امتدادًا لمسيرة النضال الكوني ضد الاستعمار والهيمنة. فقد ذُكر اسمه إلى جانب رموز الثورة العالمية مثل تشي غيفارا، ووجد فيه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز صديقًا ورفيق درب في معركة الحرية والكرامة. كما ارتبط اسمه بمناضلين أمميين بارزين من طراز البرلماني البريطاني جورج غالاوي، ولفت اهتمام كبار المفكرين مثل نعوم تشومسكي الذين سعوا للاستماع إلى كلماته وتحليل خطابه. وعلى الصعيد الإعلامي، اعتبره الكبير محمد حسنين هيكل ظاهرةً عالمية تستحق الإصغاء لما لتقديراته وقراراته من انعكاسات مباشرة على موازين الصراع الإقليمي والدولي، وخاصة في الشرق الأوسط. هكذا تحوّل نصر الله من قائد مقاومة محلية إلى رمز كوني يستلهم منه الأحرار أينما كانوا معنى الإرادة والصمود. لم يكن نصر الله زعيمًا محليًا وحسب؛ لقد صار أيقونةً عالمية للمقاومة، استقطب الاهتمام والاحترام من مفكرين وقادة وأحرارٍ في كل أنحاء المعمورة. وُقّفت أمامه الصحف الكبرى واستمع إليه كبار المحللين، ليس فقط لمعرفة تكتيكاته، بل لِفهم فلسفته في تحويل المظلومية إلى قوةٍ ذات مبادئ. وكان من أوضح ما ميّزه: القدرة على تحويل الشعور الجمعي بالظلم إلى خارطة طريق ملموسة، والإيمان بأن المقاومة ليست عملًا عاطفيًا فحسب بل مشروعًا استراتيجيًا.

*آخر الكلام*

في خاتمة هذا التذكر — وهذه القراءة — يبقى السيد حسن نصر الله مدرسةً قائمة بذاتها في تاريخ الصراع من أجل الكرامة: حكمةٌ تتجلى في التمهّل والتخطيط، وشجاعةٌ تظهر في القرار والمواجهة والصبر والثبات تحت النار، وصدقٌ يضرب بجذوره في ميدان الالتزام، وقدوةٌ خلّفت أثرًا يتجاوز الأجيال. لقد قدّم ما يملك لخيار الأمة: ابنه، روحه، فكره، ووقته. وباستمراره في العطاء حتى آخر رمق وآخر لحظات حياته، علّم أن الحرية لا تُنال بلا ثمن، وأن التضحية بوصلةُ التحرير.

سيبقى اسم السيد حسن نصر الله منارةً تُضيء دروب الذين يرفضون الذل، وبوصلةً تهدي من يريدون أن يعرفوا وجه التاريخ ناحية الكرامة.رضوان الله تعالى على هذا الرجل العظيم وتقبله في الصالحين، ونسأل الله أن يبقينا على عهده وعهد كل الشهداء ثابتين حتى نلقاهم عليه.والحمد لله رب العالمين.

رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID