شخصيات

إبتسامة من خلف الكمامة (51) : دابا تزيان ..دابا تز..دبا طز

مصطفى الزِّيـــن
(مهداة إلى صديقي الأعز الأستاذ إدريس بوعزاوي)

ربط حماره إلى عمود الكهرباء النابت على جانب باب المحل الضيق الصغير، والعنزة ، التي يريد بيعها ، بالخرج(الشواري) لا تكف عن الثغاء، وأطل على الكوَّاء ملقيا السلام.. ولكن المْعلّْم كان منكبا يصلح إناءً بين يديه أو فخديه. أخرج عبد السلام الإبريق القديم من الكيس البلاستيكي الأسود، وظل ينتظر ردحا ، حتى رفع الآخر نظره إليه وهو يقول: وعليكم السلااام ورحمة الله..فمد إليه صاحبنا الإبريق راجيا أن يصلح ما به من أعطاب..أخذه الكواء ورفعه ينظر بإحدى عينيه إلى قاعه باتجاه الباب، وهو يأمر زبونه، بإشارة من يده ، أن يتنحى إلى جانب كي يتيح له الضوء ليرى..
تلبد عبد السلام إلى الجانب جهة حماره، وهو يقول :أش يظهر لك ألمعلم؟، رد المعلم، وهو ينزل الإبريق: يظهر لي الضو ،أمولاي، الضُّو..فقال صاحب الحمار: إيوا لا باس.. مزيان! راه مثقوب يسيل..قال الكواء: أين هي مغطته ؟ فرد صاحبنا بما مفاده أنها ربما ضاعت، بحثوا عنها بالبيت ،فلم يعثروا على شيء..،وقال: شف واش تكون عندك، أمعلم، شي وحدة تليق ليه؟..لكن المعلم فاجأه بأن رمى بالإبريق من الباب..فتبعه عبد السلام متلفتا يسمع قرقعته على الأرض..ثم أتبعه المعلم راميا بالأنبوب الذي انخلع في قبضته ..ولكن عبد السلام تنبه فجأة إلى أن حماره اختفى ، هو والعنزة..فأخذ يتلفت وينظر إلى كل الجهات ويراوح في المكان ويسأل ، دون جدوى ، وكلما سمع صوت عنزة أو جدي سار وراءه..أما حماره فكان يعرف أنه أضرب عن النهيق من زمان..
كانت أفواج المتسوقين تتوالى، فيتكاثر الزحام ، وتتعالى وتختلط الأصوات ..من الحناجر، ومن مكبرات الصوت والأبواق..وكان يعلو فوقها جميعا صوت ممثل السلطة يأمر من لم يتلقوا الجلبة ( أي اللقاح ) بعد، بأن يبادروا إلى تلقيها، في أقرب الآجال ، هم وأبناؤهم ..لأن المدارس لن تقبل إلا الملقحين..وهزه مراهق يحذره..أن عليه أن يضع كمامته، فرجال الدرك والمخازنية يغرِّمون كل من هو غير مكمم..ولكن عبد السلام لم يكن يعنيه سوى حماره وعنزه الضائعين.. وغمرته أفواج الحملة الانتخابية ، بأصواتها وأبواقها وأوراقها..وهو يدور ويتخبط ..وكان يريد أن يبكي، ولكنه يعرف أنه نسي البكاء والدموع منذ زمن بعيد..وفكر أن يتصل ب..بمن؟..بمن؟..من؟.. عزرائيل!.. بملك الموت؟!..فأدخل يده إلى جيب سترته المهترئة ،فلم يجد موبايله الذي لا يكاد يساوي شيئا ..ولمع في ذهنه أن يبحث عن ذاك الفتى الذي كان ينبهه إلى التكمم..فهو من سرق هاتفه ، وربما حماره وعنزته أيضا..وبحث في جيبه ، وفي جيوبه عن ورقة الخمسين درهما ، ولكن، لا أثر لها هي الأخرى..
كان أحد المرشحين ، ببذلته الأنيقة ..ولحيته المشذبة ، يضع كفه بكفه، بل ويحضنه ، ويخاطبه:أخي سي عبد السلام..باغيك تعاوني فهذ الانتخابات ..تقنع ناس الدوار يصوتوا علي، راهوم يعقلوا على ولد برگام..أنا اللي كنت نجلس جنبك فالقسم ،ياك تتذكرني..وإن شاء الله ،أنا من جهتي، نعاونك،أي مشكل عندك، مرحبا..
كاد يقول له: الحمار..الحمار ،يا سي المرشِّيح، والعنزة .. العنزة ، والإبريق، ولكنه كان عاجزا عن النطق ، ربما حتى صوته سرق منه، في هذا اليوم المشؤوم … غير أنه كان يرى حماره مقبلا إليه يتخخل الحشود ، كان مجردا من الخُرْج والبردعة والعنزة؟! وصل إليه حماره ،ويا للمفاجأة!!
كان الحمار يتكلم !! وقف بينه وبين (المرِّشيح) ؛ قال له حماره: أفِقْ..أفيق ،ألبريق .. أ والله لا صوتِي، أصاحبي..إيلا صوتي ،راك حمااار، أكتر مني ف تحيمريت ..كان الحمار، تماما، كحمار غوَّار الطوشي( دريد لحمام)، يتكلم ، ولكن لا يسمعه ، ولا يفهمه غير صاحبه عبد السلام..قال له: يا لاَّه،اركب، يا لاَّهْ بنا فحالنا..
هم َّعبد السلام أن يركب ظهر الحمار، ولكنه استحى.. ولولا أن الحمار ثقيل ، لأركبه هو على ظهره، ولهذا ، سارا جنبا إلى جنب..وكان الحمار يغني:
.. ويا عمري واش هوا طاري فينا / أنا قلبي من غبينة لغبينة.
..دابا تزيان/ دابا تزيان، / تجي ليام/ ونعيشو مزيان..
كان صوته تماما كصوت ذلك المغني وربما أعمق وأشجى من صوته ،ومن صوت أبيه ..ولكن عبد السلام ..لم يتذكر من ذلك الغناء، وهما يلجان الدار، سوى جزء من اللازمة، وأخذ يردد، وهو يوقع بأصابعه على ظهر الحمار :
أ دبا تز..دبا تز..دابا طزز..دبا طزيان..

صفرو- السبت 21غشت 2021 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube