مستجداتمقالات الرأي

السياسة فقدت الوعي إذا وعيٌ بقيَ لها!

أحمد الحطاب

السياسة، كما هي مُمارسةٌ اليوم، لا دينَ لها، و بالأخص، ليس لها مرجعيات لا أخلاقية و لا إنسانية! إنها تتميَّز بعجرفةٍ لا حدودَ لها. إنها تتلوَّن كالحرباء تمشِّيا مع الزمان و الظروف. إنها بالمِرصاد الدائم للفُرص لاصطيادها دون أدنى وازعٍ خُلُقي.
أكانت هذه الفُرص متزامنة مع ظروف كارثية، مأساوية أو لا يمكن تحمُّلُها إنسانيا، السياسة لا تتردَّدُ في استغلالها لتتقيَّأَ طموحَها المرَضي و غير اللائق و لو تطلَّبَ ذلك خرقَ الدستور و القانون و الأعراف الأخلاقية، الاجتماعية و الثقافية، و فوق هذا و ذاك، إرادةَ و كرامةَ المواطنين.
بالنسبة للسياسيين، هؤلاء المواطنون ليسوا إلا أرقاما على بطاقة وطنية يمكن تضليلُها، خِداعُها، التَّلاعب بحقوقها، شِرأؤها…
فليتأكَّد السياسويون أن المواطنين (حتى أولائك الذين هم ضحية هشاشتهم) أدركوا أن السياسةَ أودعت، منذ زمان، أوراقَ نُبلها في الدواليب الشنيعة للأحزاب السياسية التي لم تعد تُنتِج إلا الرداءة و القلق و البؤس و الريبة و اشمئزازَ المواطنين.
أحزاب سياسية لم تُشرِّف السَّلفَ الرَّائد الذي كان يتألَّف فعلا من رجال دولة لهم كاريزما عالية، مُنَظِّرون و قريبون من الشعب.
إذا كانت الجائحة تُنبِىء، و هذا ما أتمناه، بتغييرات جذرية في الوسط البشري، فالسياسة لا ترى فيها إلا فرصةً يمكن امتطاءُها لبلوغ مآرب دنيئة بطرق مُبهمة، غير شفافة و لاإنسانية!
هذه هي السياسة في هذا البلد السعيد. سقطت في أيادي غاشمة، ظالمة و جشِعة. فحوَّّلتها من عِلم له أسُسُه و قواعدُه يُعتَمَدُ عليه لتولِّي أمور البلاد و تسييرها إلى رعونةٍ هدفها الأول و الأخير هو الوصول إلى السلطة و العُثُوِّ فيها فسادا و إفسادا. رعونةُ أصبح لها أولياء و مُرِيدُون كُثُرٌ.
السياسة التي هجرها الشرفاء و الأحرار و النبلاء و أصبح لها تُجَّارٌ لا يتردَّدون في التلاعب بها بالمزاد العلَني و غير العلني. السياسة التي أجْبِرَتْ على إفرازِ سِلَعٍ تُباع و تُشترى : فهذه التَّزكيات التي لا يقدر على شرائها إلا الأعيان و أصحاب الشكارة. و هذا شِراءُ الأصوات و الضمائر. و هذا إسكات الأفواه بالمال أو بالتَّخويف أو بالتَّهديد أو بالتَّسويف أو بالوعود الكاذبة و هذا/هذه…
و بصفة عامة، انحرفت السياسة عن معناها النبيل و أصبحت عبارة عن دكتاتوريات أفرادٍ يمارسونها مختبئين وراء أقنِعة الأحزاب السياسية. دكتاتوريات محرِّكُها الأساسي، “هَاكْ وَرَا” كما يُقالُ بالدارجة. و هاجسًها الأول و الأخير تبادلُ المصالح الشخصية و جَعلُ الصالح العام في الدَّرَكِ الأسفل من الاهتمامات.
قد لا أبالغ إذا قلتُ أن لكل حزبٍ دكتاتورِييه الذين قد يشكلون حزبا داخل حزب يتحكَّمون فيه و ينشرون بداخله مفهومَهم الغريب للسياسة. و هذا هو ما يحدث عندما تكون الأحزاب السياسية مملوءةً بالأعيان الذين هم قادرون على شراء كل شيء. بل قادرون على نشر أفكارهم المتعفِّة داخل و خارج الأحزاب.
فمن أين ستأتي الديمقراطية في ظل هذا الإدراك اللاأخلاقي و اللإنساني للسياسة؟ و من أين ستأتي التنمية البشرية و الاجتماعية في ظل ممارسةٍ سياسية متعفِّنة؟ و من أين ستأتي كرامة المواطن و طموحُه و تطلُّعُه إلى غد أفضل؟
فلا غرابة ألا تأتيَ هذه الأمور منذ عشرات السنين! و أنا شخصيا، أقول إنها لن تأتيَ بعد الاستحقاقات المقبلة! لا شيءَ يبشِّر بإِتيانِها!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube