إقتصادمستجدات

السياحة في النموذج التنموي الجديد مقدرات غير مستغلة الجزء2

بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء*

عديدة هي العوامل التي تدفعنا للتعامل بجدية مع مسألة السياحة في المغرب. فبالإضافة إلى الاستثمارات التي رصدت لهذا القطاع والتي وجب النظر في مردودها خاصة في بناء الفنادق يعتبر المغرب من الدول التي أريد لها أن تكون سياحية بامتياز إذ من المؤسف واللا معقول أن يتردى واقع السياحة فيها إلى ما هو عليه الآن حيث تريد جائحة كورونا الإجهاز عليه نهائيا.
معلومات موجزة على المغرب على إثر المثل القائل ” زوق تبيع”
ليس من المبالغة القول إن من النادر وجود بلد كالمغرب مساحة له من الثراء والتنوع السياحي ما يملكه، إذ توجد فيه الشواطئ الرملية ( 500 كلم على ساحل المتوسط و3000 كلم على المحيط الأطلسي )، والصحراء والجبال والمحميات والجزر (من جهة رأس الماء والحسيمة) وكثافة عالية من المواقع الأثرية والتاريخية.
فالمغرب يقع جغرافياً في الجهة الشمالية الغربية من قارة أفريقيا، ويعرف رسمياً باسم المملكة المغربية، وعاصمتها مدينة الرباط، ونظام الحكم فيها ملكي، وشعارها الوطني هو: (الله – الوطن – الملك)، وتبلغ مساحة أراضيها 466550كلم²، ويبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمةً وذلك حسب إحصائيات عام 2018م، وعملتها الرسمية هي الدرهم المغربي.
و المغرب من أكثر الدول العربية والإفريقية جذبا للسياح، يستقبل ما بين عشر و ثلاثة عشرة مليون سائح كل سنة.
في أواخر التسعينات، عرف عدد السياح تذبذباً وحتى تراجعاً، لكن الاستراتيجيات السديدة لصاحب الجلالة بتعيينه آنذاك السيد ياسر الزناكي على رأس وزارة السياحة وإطلاقه لمدة مشاريع تنموية في القطاع أعطت أكلها فى غضون سنوات وبعثت على التفاؤل منذ ذاك الحين. ومنذ تنصيبه، السي الزناكي، وهو يترافع أمام البرلمان ويحدد هدف الوصول إلى عتبة عشرة مليون سائح في السنة. ولقد تأتى ذلك، فمنذ 2015، والمغرب يستقبل أكثر من العدد السابق ذكره حتى وصلنا إلى أكثر من ثلاثة عشر مليون سائح خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2019، ما ذرّ عائدات تقدر بأكثر من ثمانية وسبعون مليار درهم.

خيارات صِيغت أكثر من ثلاثة عقود…
تعود تنمية قطاع السياحة في بلادنا الى الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه. ففي حقبته، شهد الإقتصاد المغربي تحولات جذرية. فبعد سنوات من السياسات القائمة على الإصلاح الزراعي والعمل على تطوير الإنتاج ( الفوسفاط وغيره) وتركيز نواة صناعات مغربية ثقيلة ( الحديد والصلب وغيرهما)، قررت السلطات المغربية تبني المنهج الليبرالي. وأصبح الإقتصاد يقوم على مصانع النسيج والصناعات الخفيفة والإنتاج الفلاحي والبحري المعدين للتصدير، وأيضا السياحة. و لقد اختارت الدولة الحل الأسهل: استغلال المناخ المتوسطي المعتدل وامتداد السواحل المغربية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها و استغلال جمال المناطق الريفية والداخلية في جبال المتوسط لجلب أعداد كبيرة من السياح خصوصا الأوروبيين الذين يبحثون عن وجهات مشمسة ومنخفضة الكلفة. هذا الاختيار جعل المستثمرين يركزون الأغلبية الساحقة من الوحدات الفندقية بالقرب من الشواطئ خصوصا وفي المدن تاريخية نظرا لطبيعة مناخها ك: فاس و مراكش. كما ركزت السلطات، وكما أسلفت، جهودها التسويقية على البلدان الأوروبية القريبة من المغرب جغرافياً واقتصادياً: اسبانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا و بريطانيا.
فقطاع السياحة في المغرب ناجح، وهذا صحيح.. جزئياً، لأن جوانب عديدة تحتاج للفحص: الفوارق بين الواجهة البحرية ودواخل البلاد بدلاً من أن تكون قاطرة للتنمية، وضعف قدرته التوظيفية، ومصير العائدات المجناة منه: مثلا من مدينة فاس التاريخية الأثرية، إحدى أكثر المدن فقرا في المغرب.
وتقدم الدولة منذ عقود أرقاماً عن عدد السياح والليالي المقضاة في الفنادق والعائدات من العملة الصعبة والمحلية، وتؤكد دائماً على تطور القطاع السياحي في المغرب ومساهمته الكبيرة في التشغيل وخلق الثروة. لكنها لا تنشر معلومات ودراسات عن الأزمات الهيكلية للقطاع ولا عن تأثيراته على البيئة والبنى الإجتماعية – الإقتصادية ولا تقوم بمراجعات للسياسات الحكومية للقطاع.
إن قطاع السياحة يأتي على رأس القطاعات المتضررة، حيث عرف خسائر ملحوظة وسريعة،و تم إلغاء حوالى 11.6 مليون ليلة مبيت، لما يناهز 6 ملايين سائح أجنبي، ما عمق أزمة هذا القطاع الذي خسر ما يناهز 150 مليار درهم ما بين 2020 و 2022، حسب الفدرالية الوطنية للسياحة، التي كانت قد دقت ناقوس الخطر حول أسطول النقل السياحي في بداية الاسدس الثاني من 2020.
في الأخير، ولأنني عاينت عن قرب انشغالات وتطلعات شغالي القطاع و قراءة لما جاء به التقرير من أفكار تستوجب التنفيذ العاجل مضامينه، فإنه ولا ريب عندي في أن القطاع سينتعش بشكل كبير في السنوات القليلة المقبلة مع عودة سياح الأسواق التقليدية وبعد رفع العديد من الدول الأوروبية لتحذير السفر نحو المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube