تربية وعلومصحتك

«جنون العظمة».. المرض بالوهم والخيال

هذا الصباح وأنا منهمك في جولة القراءة الصباحية لمختلف المواقع الهادفة، قادني البحث بالصدفة إلى مقال تم نشره شهر مارس ل 2017 بموقع الخليج، فتذكرت إحدى الحوارات التي جمعتني الأمس ببعض الأصدقاء حول بعض الأمراض العقلية و النفسية التي يعاني منها بعض المحسوبين على الفعاليات المدنية. هذه الأمراض عرفت تكاثرا غير مسبوق بالتزامن مع ضهور وسائل التواصل الإجتماعي التي اغتصبت عقول الناس و اودعت داخلها نطف الحمق و الغباء لتتكاثر المصائب الإجتماعية و تتطاير شظايا عمليات الإرهاب الفكري الذي انبرى له في زماننا هذا ثلة من ضحايا ديموقراطية الفأرة و الشاشة. إليكم نص المقال و أي تشابه في الأعراض فهو مقصود و ليس من محض الصدفة:

جنون العظمة أو البارانويا، أحد الأمراض العقلية الخطيرة التي تصيب بعض الأشخاص فتجعلهم يبالغون في وصف أنفسهم بما يخالف الواقع والحقيقة، فيدعي الشخص المصاب بهذه الحالة امتلاك قدرات استثنائية ومقدرة جبارة، أو مواهب مميزة، أو أموالاً طائلة، أو علاقات بأشخاص مهمين.
هذه الأفكار وهمية ليس لها وجود حقيقي. وجنون العظمة يمكن أن يحدث بشكل منفصل عن أمراض أخرى، عقلية، أو نفسية، ولعدة أسباب تخص كل حالة على حدة، أو يمكن أن يكون أحد مظاهر الإصابة بأمراض عقلية أخرى، كالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، أو مرض الفُصام. ومرض جنون العظمة تم تصنفيه كأحد الأمراض العقلية وليس النفسية، وذلك لما يتميز به من سيطرة مجموعة من المشاعر والمعتقدات الثابتة على المريض، وحصول حالة من الهذيان المستمر، الذي يأخذ في أغلب الحالات شكلاً منطقياً ومبرراً، وينبع من اعتقاد جازم أن الأفكار التي يطرحها ثابتة وحقيقية تماماً، وتكون في الأغلب عبارة عن الشعور بالاضطهاد والمراقبة، بسبب الأهمية التي يوليها المريض لنفسه، ولقدراته العقلية أو البدنية التي يراها فذة و نادرة للغاية.


خلل عقلي

ويعرف العلماء جنون العظمة بأنه خلل عقلي يجعل المرء يشعر بقوة وعظمة غير عادية، فيخترع وقائع خيالية تتسق مع هذه المشاعر للهروب من الواقع الفعلي الذي يعيشه. ومرض جنون العظمة هو التعريب للمصطلح التاريخي من الأصل اللاتيني «ميغالومانيا»، وتعني وسواس العظمة، لوصف حالة من وهم الاعتقاد، حيث يبالغ الشخص في وصف نفسه بما يخالف الواقع، ويزعم امتلاك قابليات استثنائية، كما يدعي أنه يمتلك قدرات ليس لها مثيل، ويحاول أن يقنع نفسه والآخرين أنه يمتلك من المواهب التي تميزه عن غيره، كأن يمتلك عقلاً زائداً أو صوتاً عذباً، ويحاول أن يوهم الآخرين أنه يحوز على أموال طائلة، ومن الممكن أن يصل الأمر لأن يثبت ذلك حتى لو كان على حساب نفسه وأهله، وربما يصل الأمر به لأن يقنع من حوله بأنه شخص له نفوذ، وعلى علاقات مهمة مع شخصيات مسؤولة وقيادية، لا يكون لها أي وجود على الأرض.
ومريض جنون العظمة يركز على جانبين الأول مشاعر العظمة، فهو يستخف بالناس ولا يفتأ ينتقدهم، ويحقر من شأنهم، والثاني مشاعر الاضطهاد، فتسبب له الهذيان والشعور بالدونية فيعالجها بهذا الأسلوب.


أسباب نفسية واجتماعية

هناك أسباب محتملة للإصابة بجنون العظمة، يمكن تقسيمها إلى نفسية واجتماعية، كما أن هناك أسباباً بيولوجية وراثية، حيث تفيد بعض الدراسات أنه إذا كان الشخص لديه هذا الاضطراب في الشخصية «جنون العظمة»، فإن ذلك يغدو سبباً محتملاً لأن ينتقل المرض لأطفاله، ولكن في المحصلة هناك أسباب تتكرر، منها الصدمة، فمن الممكن أن يصاب الشخص بصدمة ما، كأن يُفاجأ بحقيقة صديق، أو نتيجة امتحان، أو أن تتركه زوجته. ويتعرض المرء لهذه الصدمة فيصاب باهتزاز عميق في قيمه، تنجم عنها حالة حادة من الإحباط، فيهرب إلى البارانويا. ومن الأسباب كذلك عند تعرض الشخص لمواقف الفشل، فمن يعمل يُخطئ، وبعض الناس لا يتحمل الخطأ، ويرى أنه أكبر من أن يخطئ، وحين يخطئ يصر على هذا الخطأ ويجد له مئة مبرر ومخرج، ويتمسك برأيه حتى إذا ثبت أنه غير صحيح، ويكابر ويعاند ويتحجج بأدلة وهمية وغير واقعية لإثبات صحة موقفه ورأيه.


التقمص والتفوق

وثمة سبب آخر يؤدي إلى الإصابة بجنون العظمة، وهو تقمص الشخصية، حيث يتقمص الطفل شخصية أبويه أو أحد أفراد عائلته ممن يشكون حالة وهم العظمة، أو خلال مراحل بلوغه. ومن الممكن أن يتقمص شخصية ذات مميزات، ويتأثر بها وبسلوكياتها كشخصية قائد عسكري بارز، أو سياسي معروف، وما إلى ذلك من أمثال الصراع النفسي بين حاجة الفرد في إشباع رغباته، وخوفه من الفشل في إشباعها.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة أيضاً، تعلم بعض العادات السلوكية الخاطئة، مثل عدم الاعتذار والتعود على الخطأ والإصرار عليه، أو الاستهزاء بالآخرين، وبشكل عام فإن اضطراب الجو الأسري وسيادة التسلطية، ونقص كفاءة التنشئة الاجتماعية تعد أسباباً رئيسية لنشوء مثل هذا المرض، وأيضاً في حالة الأشخاص الذين لا يملكون أي شيء، وفقدوا نظرة الناس إليهم، وأرادوا لفت الأنظار إليهم بطريقة الإعجاب، واستمروا في صنعه عبر مخيلتهم، وكذلك عامل التفوق من الأسباب، وهنا نتكلم عن أشخاص وصلوا إلى درجة كبيرة من التفوق في أي مجال من مجالات الحياة، واعتقدوا أنه لا مثيل لهم، وأضحوا أبطالاً خارقين في هذه المجال لا يشق لهم غبار، فتتملكهم حالة البارانويا، وتزداد إذا لم يجدوا من يوقفهم أو ينصحهم بأن هناك من هو أكثر منهم تفوقاً ونجاحاً في نفس المجال.


تأخر الزواج والنوم

تبدو بعض الأسباب غير متوقعة لجنون العظمة، ومثلاً؛ فإن تأخر الزواج من الجائز أن يسبب ذلك، حيث يتعالى الشخص على الإفصاح عن رغباته المكبوتة، ويبدأ في تقديم الحيل الدفاعية كتبرير عدم الزواج أن أشخاصاً يتربصون به، ويحيكون مؤامرة ضده، وفي الغالب تتركز الأوهام حول أناس غير محددين وغير معروفين، أو من الممكن أن يُعزي الأسباب إلى أن المجتمع لا يقدره حق قدره، فيبدأ في الانقطاع اجتماعياً ويعيش وحده في مجتمع زائف، ويلجأ الشخص بالتعويض والبحث عن نقاط قوة ليداري بها حالة الضعف، ومن ضمن الأسباب غير المتوقعة التي ذكرتها إحدى الدراسات أن قلة النوم والإرهاق تؤدي إلى القلق، وتعكر المزاج، وتزيد العناد والشك، والشعور بالاضطهاد، فالحرمان من النوم يجعل الشخص معرضاً للبارانويا أكثر من غيره بمعدل خمس مرات.
كثرة الكلام

عادة ما يكون الشخص المُصاب بجنون العظمة كثير الكلام لا يتوقف عن الحديث، وينتقل من موضوع إلى موضوع آخر، دون أن يكون هناك رابط بين المواضيع التي يتحدث فيها. كذلك يكون أيضاً كثير الحركة قليل النوم، فمن الممكن ألاَّ ينام لعدة أيام، وهذا الأمر يؤدي به إلى الإجهاد الشديد مما يقوده إلى الوفاة، وذلك في بعض الحالات التي يقوم فيها المريض بالحركة المستمرة دون أخذ قسط من الراحة أوالنوم.
ويُصيب هذا المرض الأشخاص في أي مرحلة عمرية، وأحياناً يأتي لأشخاص ذوي مكانة علمية أو اجتماعية في مجتمعهم، ويجعل الناس مشوشين بالنسبة له، ويدعي المصابون بجنون العظمة أنهم أصحاب اكتشافات علمية هامة، أو أنهم أطباء لهم باع طويل في تخصص معقد.
ومن الممكن أن يخدع بعضهم عامة الناس خاصة في القرى والأرياف، ولكن غالباً ما ينكشف أمرهم ويؤخذون إلى المكان الصحيح وهو مستشفى الأمراض النفسية. وتظهر على مريض جنون العظمة منذ الطفولة بوادر المرض؛ إذ يظهر عليهم العناد والقسوة والشدة، وعصيان الآباء والمعلمين، ومع تقدم السن تزيد أكثر حالة الإعجاب بالنفس والعجرفة وتصلب الرأي، ويمكن أن يكون جنون العظمة أحد أعراض مرض الفصام،الذي من الجائز أن يعاني صاحبه ضلالات وهنا تكون أشد وأصعب، ومريض الفُصام إذا كانت لديه ضلالة بأنه النبي، أو أنه المسيح، أو المهدي المنُتظر، فإنه يتصرف وفق ما يعتقده، ويُشكل خطراً على الآخرين إذا اعترضه أحدهم أو كذبّه، ولا يعرف طبيعة مرض الفصام.


3 مراحل

يجب عرض الشخص الذي يُعاني مرض جنون العظمة على طبيب نفسي، وذلك للتأكد من مدى خطورة المرض، وتشخيص سبب السلوك المرضي. وإذا كان جنون العظمة نتيجة مرض عقلي مثل الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، فعندئذ يجب إدخال المريض إلى مستشفى أو قسم نفسي، ويعطى أدوية مضادة للذُهان مع أدوية مهُدئة، لكي يستريح من كثرة الحركة ولا يتعرض للإجهاد، ويستمر في العلاج فترات طويلة.
ويشتمل العلاج على 3 مراحل، الأولى العلاج الطبي ويستخدم فقط لجعل المريض أكثر استجابة للعلاج النفسي؛ أي أنه يساعدنا على بداية العلاج النفسي، ولكنه لا يحل محله، وتستخدم المطمئنات العظمى في علاج البارانويا وأيضاً الصدمات الكهربائية، كما تستخدم بعض المستشفيات الإنسولين المعدل.
أما المرحلة الثانية فهي العلاج النفسي، ويستخدم لتخفيف حدة قلق المريض، وتجديد قدرته على الاتصال مع الآخرين، ويجب على الطبيب المختص أن يكون حريصاً في تعامله مع المريض، لأن مصاب البارانويا مثقف وموسوعي وعدواني تجاه الآخرين. ويستغرق التحليل النفسي لمريض البارانويا وقتاً طويلاً، لأن المريض يغرق عادة في التفاصيل والمواضيع الفرعية، إلى أن ينسى الموضوع الأصلي ولا يعود إليه. أما المرحلة الثالثة فهي العلاج السلوكي الذي يهدف إلى رفض وكف المنظومة الهذائية، وتعزيز وتدعيم السلوك التوافقي، وهنا يحدث اهتزاز في تماسك الشخصية بداية العلاج.

4 معايير

تفيد الدراسات أن مرض جنون العظمة يصيب الرجال والنساء، ولا يرتبط هذا المرض بأي مرحلة عمرية، فمن الممكن أن يصاب به الشخص في فترة المراهقة أو بعدها، وأحياناً يأتي هذا المرض لأشخاص ذوي مكانة علمية أو اجتماعية في مجتمعهم، نتيجة التملق المستمر وزيادة في تمجيد هؤلاء الأشخاص، مما يجعل البارانويا تتلبسهم مع الوقت ويشعرون أنهم مميزون في مجتمعهم، ولكي يتم التأكد ما إن كان الشخص مصابًا بجنون العظمة، لابد من توافر 4 معايير: أن يكون لديه أوهام ليست من نوع انفصام الشخصية ولفترة لا تقل عن 3 أشهر، وليس لديه هلوسة واضحة طوال الوقت، كما أن الأعراض ليست بسبب الهوس، أوالاكتئاب أو خليط منهما، وكذلك ليست بسبب مرض جسدي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube