إقتصادمستجدات

تأثير أزمة كورونا على البورصات المغاربية

بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء*

لا يخفى على خبراء المال والأعمال أن طبيعة وحداثة الإصلاحات القانونية والمؤسساتية للأسواق المالية المغاربية قد جعلتها تجذب نخبة اقتصادية محدودة متمرسة
على العمل المصرفي والمالي والرأسمالي. زد على ذلك، كونها لا تستعمل لغتها الدستورية الأصلية اللغة العربية في التعاملات اليومية حيث اللغة الفرنسية هي السائدة في كل من المغرب وتونس والجزائر مما يساهم عدم إقبال عامة الشعب حتى على التعرف على دور البورصة ونشر الثقافة المالية المرتبطة بها.
و البورصات المغاربية لا زالت تعاني من عدة إكراهات بحكم تجربتها القصيرة نسبيا مقارنة مع بورصات دول أخرى. فخلال العقدين الأخيرين، خضعت هذه الأسواق المالية المغاربية لعمليات إصلاح في المنظومة لكنها لازالت تتميز بعدم الانفتاح الشامل على محيطها الاقتصادي الوطني بسبب قلة عدد الشركات والقطاعات المدرجة بها، مما يجعل تأثرها بتداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية يكون نسبيا محدود جدا.
فما هي إذن التداعيات التي أحدثتها الأزمة العالمية الحالية ” كورونا” على وضعية البورصات المغاربية؟ وكيف تمت مواجهتها؟
إذا كان من البديهي القول أن الأزمة العالمية لسنة 2020 أثرت سلبا على النمو الاقتصادي العالمي من خلال تأثيرها في تراجع حجم الاستثمارات، وبالتالي تراجع قطاعات التجارة والخدمات السياحية والنقل والاستهلاك وتحويلات الجاليات المغاربية المقيمة بالخارج إلى غير ذلك، فشيء طبيعي أن يكون لذلك تأثيرات على وضعية الشركات الفاعلة على الصعيد الوطني والمغاربي خاصة تلك المدرجة في بورصات القيم المنقولة.
ومع بداية أزمة كورونا تراجعت الإستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة بالدول المغاربية والعديد من الشركات التي كانت قد قررت أو أرادت إنشاء استثمارات أجنبية جديدة بدول المغرب العربي تراجعت عن تلك المشاريع، مما أدى إلى تدخل القطاع البنكي في تمويل الإقتصاد لسد فراغ الانسحاب المعلن من طرف المستثمرين الأجانب.
وكما يعلم الجميع، فدول المغرب العربي تتنافس فيما بينها على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. وهكذا، فكلما ارتفعت الإستثمارات الأجنبية بإحدى الدول إلا ووقع ترابط وثيق بين اقتصادها الوطني والإقتصادات الأجنبية، الشيء الذي يرجح إمكانية حدوث تأثيرات مباشرة على الوضع الاقتصادي والأسواق الوطنية.
وفي هذا السياق، يمكن القول أن للأزمة المالية الحالية دور في تراجع بورصة الدار البيضاء، حيث ترجمت تداعياتها بعدم التزام المستثمرين وتردد استثماراتهم في السوق المالية المغربية. كما أدت هذه الأزمة إلى خلق جو من عدم الثقة في الأسواق لدى أصحاب الشركات، حيث العديد من المقاولات التي كانت تعتزم إدراج أسهمها في الأسواق المالية قد أحجمت عن ذلك، وقررت تأجيل دخولها حتى تنفرج تداعيات الأزمة على الأوضاع الخارجية والداخلية.
وفي التقرير الذي أنجزته الهيئة المغربية لسوق الرساميل و قامت بتقديمه السيدة نزهة حياة بحر الأسبوع الماضي، أكد أن خطر تضخم مبيعات أسهم الشركات المدرجة ببورصة الدارالبيضاء كان قليلا وانعكست تداعيات أزمة كورونا بشكل مباشر وجزئي على السوق المالية المغربية مقارنة مع الأسواق المجاورة الأخرى وأن بيوعات المستثمرين المحليين والأجانب رغم قلة حجمها كان محتشما و لم يؤدي إلى الخوف والهلع والقلق كما أصاب البورصات الأوربية وبورصة وول ستريت مما أضعف قدرة البورصة نسبيا على الاستمرار في الصعود مقارنة مع نسب نموها في فترات ماضية. و في مقابل هذا، نجد أن أهم المستثمرين المحليين في البورصة، استغلوا الظرفية و اقتصروا في تعاملاتهم على عمليات مضاربة تقوم على أساس شراء وبيع سريع للأسهم وتحصيل الأرباح.


وموازاة مع ذلك، فإن وقع هذه الأزمة العالمية كانت له تأثيرات مباشرة على القطاع العقاري مما أدى إلى استقرار وضعية المعاملات العقارية بالمغرب ثريتا لما كان يمكن أن ينتج عن تداعيات أزمة الرهون العقارية الأمريكية لسنة 2019. وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال انخفاض مبيعات الإسمنت في عدد من المدن الكبرى بالمغرب وتراجع أثمان مواد البناء والتجهيز وحتى العقار.
وعلى العموم، يمكن القول أن هذه الأزمة ألحقت عددا من الأضرار بكافة الاقتصادات الدولية بما في ذلك دول اتحاد المغرب العربي، سواء على مستوى الاقتصاد أو مستوى القطاع المالي. فموريتانيا من أهم المتضررين على مستوى دول المغرب العربي بحكم المشاكل الاقتصادية التي تعانيها، ثم يأتي المغرب وتونس في المرتبة الثانية وسوف تتضرران أكثر من الجزائر وليبيا بالنظر إلى توفرهما على اقتصادات متشابهة وغير متوفرين على الموارد النفطية بخلاف الجزائر وليبيا اللتان حققتا مداخيل مهمة بالعملة الصلبة من الصادرات النفطية.
وهكذا، فقد ترجمت مسألة إقرار وقوع أثار وتداعيات سلبية لأزمة كورونا على الاقتصاد المغربي بصفة عامة من خلال لجنة اليقظة الإستراتيجية المتكونة من القطاع الحكومي والخاص [1] فوضعت الاستراتيجيات اللازمة لحماية قطاع التجارة و قطاعات الصناعة والسياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والفوسفاط والحفاظ على مناصب الشغل واتخاذ تدابير على مستوى الضمانات المالية والدعم التجاري في أفق الحفاظ على مؤهلات الاقتصاد الوطني، خصوصا بالنسبة للقطاعات المصدرة المستهدفة بشكل أكثر، ونفذت، حسب التعليمات السامية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وايده، الإجراءات التي كان لزاما اتخاذها لدعم هذه القطاعات المعرضة لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
كما تجدر الإشارة، أنه كلما تعرضت بورصة الدار البيضاء إلى تراجع في نتائجها، إلا وتدخلت الدولة لإصلاحها. فقد انتقلت رسملة بورصة الدار البيضاء باعتبارها رابع أهم بورصة على الصعيد الإفريقي، بعد بورصة جنوب إفريقيا و نيجيريا و مصر، من حوالي 3.3  مليار دولار سنة 1993 إلى 20,7 مليار دولار سنة 1998 نتيجة للإصلاحات التي جاءت بها قوانين 1993، ثم أخذت في التراجع إلى أن وصلت إلى 12,4 مليار دولار سنة 2002 بسبب ارتفاع القيمة السوقية لأسعار الأسهم المسعرة بالبورصة. وبعد إدخال العديد من التعديلات على قوانين البورصة خلال سنة 2000 وتوازن أسعار الأسهم مع تراجع حدة الأزمة المالية الآسيوية التي لم يكن لها تأثير كبير على السوق المغربية آنذاك، أخذت وضعية السوق المغربية تتحسن شيئا فشيئا حتى وصل حجم الرسملة إلى99  مليار د ولار في نهاية مارس 2008، وأخذت منذ ذلك التاريخ في التراجع مرة أخرى بسبب الأوضاع والأحداث التي وقعت على مستوى التسيير، كما تزامن ذلك مع الأزمة العالمية المالية والاقتصادية التي حلت بالولايات المتحدة الأمريكية ومست أغلب دول العالم، مما أثر بشكل ملحوظ على وضعية البورصة المغربية فتراجعت رسملتها إلى أن وصلت 70 مليار دولار بتاريخ 26 يناير 2009، الشيء الذي أدى إلى تدخل الدولة من جديد من خلال إقالة مجلس الإدارة الجماعية للشركة المسيرة، وتعيين مدير جديد على رأس إدارة مجلس القيم المنقولة بموجب ظهير ملكي بدل قرار وزاري مع بداية 2009، والاستعداد لطرح مشاريع قوانين لتعديل القوانين الحالية وتغيير نظام التدبير بالبورصة بهدف تحريك أداء السوق المالية المغربية وتعزيز استقلالية، مجلس القيم المنقولة الذي أصبح الهيئة المغربية لسوق الرساميل منذ فبراير 2016، في التنظيم والمراقبة وجزر المخالفات المرتكبة بالسوق المالية. حيث استقرت الرسملة بتاريخ 31 دجنبر 2020 في 53.7 مليار دولار [2].
و يمكن القول أنه على الرغم من التقارب الجغرافي الذي يجمع بين البورصات المغاربية، فإن درجة التعاون والتنسيق رغم عدم أهميتها في الظروف الحالية فيما بينها، فهي تكاد تكون منعدمة، مما يبين بوضوح أن هذه البورصات لا تتوفر على ترابط فيما بينها، عكس البورصات الإقليمية الدولية على الصعيد القاري في أوربا وأمريكا والخليج العربي ودول جنوب شرق آسيا. ومن المفارقات أن إدارة البورصات المغاربية تعمل على ربط علاقات مع بورصات أجنبية بعيدة عنها جغرافيا وتهمل التعاون والتنسيق الثنائي والجماعي فيما بينها بشكل واضح.
فهل سيستمر الوضع على ما هو عليه في ظل غياب اتحاد المغرب العربي؟

[1]      وتضم هذه اللجنة الوزراء المكلفين بالقطاعات المعنية ووالي بنك المغرب والمقاولات الممثلة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب والأبناك الممثلة من قبل المجموعة المهنية لبنوك المغرب والجمعيات والفدراليات المهنية.
وتم موازاة مع ذلك تشكيل لجن متخصصة تهم على الخصوص قطاعات الصناعة والسياحة والفوسفاط والقطاع المتعلق بالجالية المغربية بالخارج.

[2]      حول الأرقام المتعلقة ببورصة القيم، أنظر التقارير السنوية لبورصة الدار البيضاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube