تربية وعلوممستجدات

ثلاثة أسئلة وأجابات من حوار مطول مع جان-بيير فرنان

أحمد رباص – حرة بريس

منذ 1948، اوقف جان بيير-فرنان حياته على دراسة اليونان القديمة حيث حقق ثورة في هذا المجال. انطلاقا من كتابه الاول “أصول الفكر اليوناني” اقترح جان بيير-فرنان تحليلا جديدا للأساطير اليونانية، متبعا منهج دوميزيلوليفي – ستروس. بمناسبة صدور كتابه الأخير “الكون، الآلهة، الناس” الذي ترجم إلى 32 لغة، التقى الصحافي فرانسوا بوسنل بهذا الباحث وأجرى معه حوارا لفائدة أسبوعية “لكسبريس” الفرنسية، نقدم فيما يلي أهم ما انبنى عليه من أسئلة وما تحرى المستجوب من أجوبة.
قيل له في أحد الأسئلة منه تستوحي الفكرة المنتشرة جدا التي مفادها أن لا فائدة من الميثولوجيا اليونانية، ولا فائدة بالتالي من تعليم اللغتين اليونانية واللاتينية…
قال فرنان في معرض جوابه: يا للحسرة، ليست تلك فكرة جديدة. عندما كان وزيرا للتربية الوطنية طلب مني ليونيل جوسبان، بواسطة كلود أليني، تقريرا حول تعليم اللاتينية واليونانية في السلك الثانوي في ذلك الوقت. كان الكل، من الوزارة إلى مديري المؤسسات يعتقدون انه كان ينبغي حذف إلغاء تعليم اليونانية لأن “ذلك لن يصلح لشيء ذي بال”. عندئذ طلبت من أساتذة اللغة اليونانية بأن يبعثوا إلي بجدادة يسجل عليهاا تطور أعدادهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، وكذلك مهنة آباء التلاميذ الذين اختاروا اليونانية. كانت المفاجأة مزدوجة؛ ليس فقط لأن أعداد الأساتذة ظلت ثابتة من سنة لأخرى، لكني لاحظت ان أجود تلاميذ اللغة اليونانية كانوا من ذوي الأصول المغربية، ومن الجنس الناعم بالأخص. في تقريري فندت إذن فكرة عدم صلاحية اللغة اليونانية، مستندا على البرهان التالي: المغاربيات استوعبن بشكل جيد أن أحسن مدخل موات لهن هو الاندماج وأن هذا الأخير يقتضي انتقاء ما هو أكثر نخبوية في الثقافة المراد الاندماج فيها، أي ما يبدو أكثر بعدا عما يتمثله الناس على أنه الثقافة المغربية.
وفي سؤال آخر، طلب منه توضيح قوله من كون الثقافة اليونانية قاسما مشتركا بين أوربا الشمالية والمغرب العربي..
الجواب هو أننا لسنا بحاجة إلى الرجوع للقديس أوغسطين لإثبات ذلك. المغرب العربي “تهلين” (اتخذ صفة هلينية) بقوة وشكل جزءا من مجموعة ثقافية متوسطية مطبوعة بالثقافة اليونانية-اللاتينية. بدراستهن للغة اليونانية، تجدد المغاربيات إذن، على نحو من الأنحاء، ارتباطهن بماضيهن الخاص. هذا مثال يبين أنه لا يمكن تسوية مشكل اليونانية واللاتينية بالادعاء أن الأمر يتعلق بثقافة نخبوية ومنفصلة عن انشغالاتنا الراهنةلكن ينبغي أن نكون واضحين. فعندما أسأل عن الشيء الذي تصلح له اليونانية، أجيب “لا تصلح لشيء”، شأنها في ذلك شأن الرياضيات المعاصرة والفيزياء الكوانطية. لا يصلح ذلك سوى لشحن الدماغ، لتأليف ما يسمى بالثقافة. إن الاتصال بالأدب اليوناني، خاصة “الإليادة” و”الأوديسا”، وأيضا شعراء المأساة أمثال أوشيل، أوربيد وصوفوكليس، ليس من قبيل الفئدة، وإنما هو من قبيل العاطفة والجمال.
وسئل فرنان من أين جاءت الأساطير اليونانية؟ فقال: إن ما نسميه “ميثولوجيا يونانية” هو، بدون شك، ما تم حكيه في العصور القديمة للأطفال الصغار. تعرفنا عليها بفضل نصوص الشعراء الكلاسيين الكبار: هزيود، هوميروس، باندار وغيرهم. الخاصية الوحيدة التي تميز تلك النصوص هي أنها حكايات “عجيبة” تحدث فيها دائما أشياء خارقة للعادة. غير أنها لا تأخذ شكل عرض نظري. تتميز الميثولوجيا عن الرسائل الفلسفية أو عن كتب التاريخ مثل تلك التي وضعها هيرودوت وتوسيديد لاحقا. إنها عبارة عن محكيات. عبر هذه القصص الممتع دائما سماعها، التي لها دائما بداية ونهاية، ينكشف المشكل المطروح كلما انبسط النص. هكذا نجد أنه كلما تحدث هزيود عن تكون العالم أو عن ميلاد المراة الأولى، لم يطرح السؤال عن ماهية الإنسان (الشيء الذي سيقوم به الفلاسفة)، لكنه عرض قصة قصة ينبغي الانغماس فيها لأجل فهم تعاقب الأحداث الدرامية. خلف القصة، تبرز دائما طريقة معينة لفهم العالم، في إدراك ماهية الوجود الإنساني، مكانة الإنسان في العالم، علاقة الإنسان بالطبيعة أو بالآلهة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube