محمد بوبكريمستجدات

الحراك الشعبي السلمي مستمر رغم كيد وزارة الداخلية الجزائرية

محمد بوبكري


منذ أواخر شهر فبراير الماضي والجنرالات يبحثون عن أدنى مبرر لمنع الحراك الشعبي السلمي، حيث حاولوا تلفيق تهمة الإرهاب إليه، متذرعين بأنه مؤطر من قبل أطر جماعة “رشاد” وإعلاميين آخرين، واستصدروا من القضاء التابع لهم مذكرة قضائية تقضي بتوقيفهم في الخارج وتسليمهم إلى السلطات الجزائرية… ونظرا لكون الدول التي هاجر إليها هؤلاء الأفراد تسود فيها دولة المؤسسات، وفصل السلطات، ولا يتم ترحيل الأجانب منها بدون قرار قضائي ، فإنها رفضت الاستجابة لمذكرة جنرالات الجزائر، كما أن الشرطة الدولية رفضت التدخل، لأن المندوبية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة بـ “جنيف” تدرك جيدا الطبيعة السلمية للحراك الشعبي السلمي الجزائر، وتصنفه حركة مطالبة بالديمقراطية، ما جعلها تعتبر مذكرة التوقيف مجرد سعي من جنرالات الجزائر إلى تصفية حسابات سياسية مع معارضيهم، فرفضت قبول تنفيذ مضمون هذه المذكرة الذي يتعارض جذريا مع المواثيق الكونية لحقوق الإنسان الكونية، التي ترفض الاعتداء على الحريات…


ولم تتوقف مؤامرة حكام الجزائر عند هذه المحاولة الفاشلة، بل قامت وزارتها في الدفاع بتلفيق تهمة الإرهاب إلى حركة “الماك” التي تطالب باستقلال منطقة “القبايل” عن الجزائر، فادعت أن مخابراتها العسكرية قامت بتفكيك خلية إرهابية مسلحة دربتها ومولتها وسلحتها دول أجنبية، بهدف القيام بتفجيرات في المسيرات والتجمعات الشعبية. لكن، لم يصدق هذا الكلام أي أحد، حيث اعتبره الجميع مجرد ادعاء لا ينهض على أية حجة ملموسة، وفهم الشارع الجزائري أن هذا الادعاء ينم عن رغبة حكام الجزائر في زرع ألغام الجهوية والعنصرية والطائفية في صفوف الحراك المتراصة من أجل تفجيره من الداخل.
هكذا، فإن جنرالات الجزائر قد استغلوا استفحال جائحة “كرونا” من أجل إيقاف الحراك الشعبي، وسعوا إلى البحث عن أي مبرر، مهما كان تافها، لفرض حالة الطوارئ، حتى يتمكنوا من منع استمرار الحراك الذي بدأ يتأكد، وباعتراف التقارير الدورية للاستخبارات الجزائرية، أنه صار أكبر من الجنرالات وأجهزتهم الأمنية التي أصبحت تعترف بعجزها عن احتوائه وإخماد جذوته وتصاعده وانتشاره… ورغم توظيف الجنرالات لكل وسائل الإعلام التابعة لهم من أجل التشويش على هذا الحراك عبر ترويج إشاعات وأكاذيب تسيء إلى صورته، فإنهم لم يفلحوا في مسعاهم هذا، لأن الرأي العام الوطني والدولي صارا يدركان مناورات الجنرالات.
ونظرا لهلع حكام الجزائر من الحراك الشعبي السلمي، فقد قرروا الإصرار على نهجهم المعادي له، فدفعوا مؤخرا وزارة الداخلية الجزائرية إلى إصدار بيان ضد الحراك الشعبي اتهموه فيه بكونه يعرف انزلاقات، لكن الجزائريين يرون عكس ذلك، حيث يعتبرون أنه سلمي وحضاري يحترم الدستور، بل إن السلطة هي التي سقطت في المحظور دستوريا وقانونيا، لأنها تختلق الأكاذيب والافتراءات بحثا عن أدنى ثغرة في تظاهراته ومسيراته، يمكنها استغلالها لإيقافه. كما أن الشعب الجزائري مقتنع بأن السلطة الجزائرية خارجة عن الدستور والقوانين التي فرضتها، حيث إنها تختطف المواطنين وتعنفهم وتحاكمهم، وتدخلهم السجون دون وجه أي حق. كما يقوم أفراد المخابرات الجزائرية باغتصاب القاصرين والكبار في مخافر الشرطة، وقد شاهد العالم كله مؤخرا شريطا لأجهزة قام فيها أفرادها بإخراج شيخ مسن من صفوف الحراك، وأشبعوه لكما وصفعا أمام الملأ، ثم قاموا بعد ذلك باقتياده لاحتجازه، دون احترام سنه، ولا مراعاة ضعف صحته، ما أكد للجزائريين صحة الشعار الذي رفعه الحراك، والذي يقول: ” مافيا عسكرية، مخابرات إرهابية”…
لم يرد في بيان وزارة الداخلية الجزائرية منع صريح للحراك، لكنه اكتفى بادعاء ما سماه بـ ” انزلاقات الحراك”، دون تقديم أي حجة مقنعة، فاتخذ ذلك ذريعة لوضع شروط للحراك، ما ينم عن رغبة عميقة في منعه عبر وضع عوائق تقنية تقتضي حصول منظميه على ترخيص من السلطة، ويعني أن هذه الأخيرة تسعى من وراء القيود التي تريد فرضها إلى منع خروج الجزائريين للاحتجاج ضد النظام العسكري في الشارع، والمطالبة برحيله…
وللحصول على ترخيص من قبل السلطات، يقتضي الأمر التصريح بقوائم المتظاهرين، والمسؤولين عنه، وشعاراته، ولافتاته، وتوقيت انطلاقته، ومدته، وساعة انتهائه، ومكان انطلاقه، والشوارع التي سيمر منها، ونقطة نهايته. وقد وضع الجنرالات هذه الشروط التعجيزية لإجبار الجزائريين على عدم الخروج إلى الشارع، فأدرك الشعب الجزائري تحايلات حكام الجزائر الذين يعتقدون أنهم بوضعهم لهذه القيود الظالمة سيتمكنون من إيقاف الحراك الشعبي السلمي… لكن هل سينج حكام الجزائر في مسعاهم هذا؟ وهل سيستطيعون فرض هذه القيود على الحراك؟ ألا يعلمون أنه للحراك رموز فقط، وليست له قيادة يلزمها الحصول على ترخيص، أم آنهم يريدون معرفة الأعضاء الذين تتشكل منهم قيادته، ليتمكنوا من ممارسة الضغط عليهم. وإذا فشلوا في إكراههم على مسايرة السلطة، فإنهم سيختطفونهم، وقد يقومون باغتيالهم… وهذا ما يؤكد أن حكام الجزائر يعيشون متخبطين في انزلاقهم وعنفهم، دون أدنى قدرة على التعامل مع الحراك بأسلوب حضاري ينهض على العقل.
ورغم وضع هؤلاء الحكام لهذه القيود، فإنني متأكد بأن إرادة الشعب الجزائري ستؤدي إلى تواصل الحراك واستمراره وانتشاره. لذلك، فإن الشعب الجزائري سيخرج بقوة، ولن تستطيع السلطة منعه من ذلك، لأنه متشبث بحراكه ومصر عليه. تبعا لذلك، إذا خرج الشعب الجزائري إلى الشوارع، فإن حكام الجزائر سيجدون أنفسهم في ورطة. وما لا يدركونه هو أن الشعب الجزائري الذي أبدع الحراك الشعبي السلمي، قادر على وضع خطط مضادة لخططهم. لذلك، إذا خرج الحراك إلى الشارع، فماذا سيفعلون؟ هل سيمنعونه بالقوة عبر استعمال بنادقهم ودباباتهم أم سيتنازلون ويتوارون عن الأنظار؟ فما هم فاعلون؟ هل سينخرطون في مواجهته بالعنف؟ أرى أنه إذا لجأوا إلى القوة، فإن ذلك سيكون كارثة عليهم وعلى البلاد معا. أما إذا تراجعوا عن قراراتهم، فإنهم سيكونون خاسرين أمام الشعب الجزائري؛ فالتهديد باستعمال القوة صعب، والعجز عن استعمالها بعد الإعلان عن إرادة استعمالها أمر أصعب. تبعا لذلك، كيف توصل حكام الجزائر إلى تبني مضمون هذا البيان؟
يرى بعض المتتبعين أن الجنرالات عاجزون التفكير، ما جعلهم يستنتجون أن هناك من تقدم إليهم بهذه الفتوى، واستنتجوا أن هذه ليس مخرجا سليما، لأنها ستغرق عمليا الجنرالات والبلاد معا في متاهات من المشكلات، التي ربما قد تقود إلى إلحاق أضرار بالكيان الجزائري. فإذا لجأت السلطة إلى العنف، فمن المحتمل جدا أن يقود ذلك إلى تدخلات أجنبية، حيث سيدفع الحكام والشعب ثمن ذلك. ولا أتكلم من فراغ، لأن الأمور المتحدة قد قامت مرارا بتحذير جنرالات الجزائر من استعمال العنف ضد الحراك السلمي، ودولٌ ديمقراطية اعترفت بشرعية لجوء الشعب الجزائري إلى الحراك السلمي من أجل المطالبة بإقامة ديمقراطية متمثلة في دولة مدنية ديمقراطية حديثة…
ولتجنب أهوال التدخلات الأجنبية، ينبغي على حكام الجزائر أن يسلموا السلطة إلى الشعب، ويكفوا عن الاستمرار في تعنتهم، حتى لا يسقطوا فيما سقط فيه القذافي وصدام حسين، وعلي عبد الله صالح، الذين تشبثوا بالسلطة، وحكموا على أنظمتهم بالزوال، وغرقت مجتمعاتهم في أوحال الحروب الأهلية، فتفتت وحدتهم الوطنية، وتعرضت أوطانهم للتجزئة والتشظي، حيث ما تزال، لا قدر الله، مهددة بالانهيار والتبخر…
لذلك، على حكام الجزائر أن ينصتوا إلى الشعب الجزائري ويعودوا إلى ثكناتهم، وينسحبون من الفضاء السياسي، لأن ذلك لن يقود إلا الانتكاسات. كما أن عليهم أن يدركوا أن الوقت ضيق، وأن تنظيم الانتخابات في شهر يونيو المقبل ليس هو الحل، بل سيعمق الأزمة، حيث ستنبثق عنها مؤسسات غير شرعية لن يقبل بها الشعب الجزائري، بل سيرفض الاعتراف بها والتعامل معها، الأمر الذي يفيد أن هذه الانتخابات لن تمر بسهولة، لأن الشعب يعي أنها ستكون مزورة على غرار سابقاتها، علما أن الدستور مزور، وأن “الرئيس تبون” مزور كذلك، ما قد يدخل البلاد في أزمة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بعواقبها…


تبعا لذلك، ينبغي أن يتواصل الحراك السلمي لممارسة المزيد من الضغط على الحكام، حيث إن قوة هذا الحراك تكمن في سلميته، والعنف سيقتله. وإذا اشتد الضغط على الحكام، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفكك وحدتهم، الأمر الذي قد يعجل برحيلهم؛ فالصراعات بين مختلف أجنحة الجنرالات تزداد احتداما، ما يستوجب من الشعب الجزائري الاستمرار في حراكه، والتشبث بوحدة الشعب الجزائري، والمزيد من الحذر مما يمكن أن تزرعه السلطة من ألغام في صفوف الحراك. ويؤكد فاعلون جزائريون أن لحظة النصر قد صارت وشيكة. لذلك هناك أمل، فليستمر الحراك حتى النصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. (..وأكاذيب تسيء إلى صورته)، هذه الجملة فيها لبس وكأنها تعترف بأن الأكاذيب شوهت فعلا الحراك الجزائري، بينما كان الأصح كتابة (..وأكاذيب حاولت الإساءة إلى صورته).

  2. (..وأكاذيب تسيء إلى صورته)، هذه الجملة فيها لبس وكأنها تعترف بأن الأكاذيب شوهت فعلا الحراك الجزاىري، بينما كان الأصح كتابة (..وأكاذيب حاولت الإساءة إلى صورته).

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube