حواراتمستجدات

في حوار مع الباحث والكاتب والفنان حسين ثامر بداي من العراق حول الفن والحرب

حاوره أبو سرين

يعتبر الأستاذ حسين ثامر بداي من الفنانين الذين إجتمع فيهم ماتفرق في غيرهم فهو كاتب وباحث وفنان تشكيلي من مواليد العراق وهو اليوم يقيم بأوروبا وفي بلجيكا تحديدا كمدرس ومحاضر حاصل على ماجيستير في الفنون التشكيلية مهتم بالنقد والدراسات البحثية حاصل على عدة جوائز في الأدب والمسرح والفن التشكيلي عضو نقابات ثقافية عديدة.

والأستاذ حسين ثامر بداي يتمتع بأفق كبير على مستوى البحث والتنقيب في عدة مجالات فكرية وفلسفية ذات طابع إنساني محض إخترت من بينها محور الفن والحرب وأجريت معه هذا الحوار.

>  أنتم كاتب متميز وباحث مرموق في مجال القليلون ممن هم يطرقون أبوابه؛ فمن الذي حملكم على سبر أغوار الفن والحرب وهو شبه ممنوع عربيا؟

< أخذت الحرب حيزاً كبيراً من حياةِ الإنسان أينما كان، وإذا أشرنا او تناولنا مدى تأثيرها على الإنسان العربي تحديداً، فلأنه ضمن هذه الدائرة الملتهبة باستمرار، حيث انه يوضع بها سواء بإرادته أو دونها، وضمن فلك او محيط احداث الحروب والمجازر والمآسي التي تخلفها دائماً، يستمر معها وبعدها الدمار، هنا يأتي صوت الفن ليشخص المسارات الإنسانية ويعطي لمفهوم الفكر معنى، ويربط التمايز بين “القبح والجمال”  فيتجلى السؤال:

ما هي الروابط بين الفن والحرب؟ هل يتوجب على الفنان العربي أن يفعل كما فعل الفنان الأوربي في الكثير من الأعمال الفنية والحركات التشكيلية التي ظهرت بعد اجتياح ويلات الحرب في أوروبا؟

مثلاً، حين تم تكريس “توجه” او ميل قهري و سلطوي للأنظمة الشمولية بإلحاق الفن، ومن ضمنه الفن التشكيلي، بآلة التعبئة الحربية باعتباره أحد مفاصل أيديولوجية الأنظمة الحاكمة آنذاك.

وفي العالم العربي نجد هذا التوجه او التكريس او الميل، سواء برغبة وإرادة من الفنان العربي أو بدافع الخوف من القهر المسلط من السلطات والأنظمة الحاكمة على الفنانين وعلى محاولاتهم الفنية، فمنهم من لجأ الى ركن الصمت، او لنقل الاحتراق الداخلي، ومنهم من استجاب بطريقة او اخرى، ومنهم من هرب بعيداً، نعم نستطيع القول ان الكثير من المحاولات الفنية ظهرت وصدحت بصيغ فنية، سواء المدروسة منها أو غير المدروسة، وهي تجارب فنية مهمة، لكن لم تكرس او تحفظ بالشكل الذي يتناسب مع الهدف، إن ما أقصده بالميل، ولكي لا يكون سببا للالتباس، لا يعني بالضرورة التكريس الكامل للساعين اليه، فالكثير من الميول، ومن ضمنها هذا الميل لم يتحقق إلا جزئيا، حيث جوبهت الكثير من الأعمال الفنية الرافضة للحرب او الاضطهاد الفردي او الجمعي، بالرفض او اللامبالاة أو التنكيل.

وهذا من الجوانب المهمة التي حملتني لسبر أغوار موضوعة “الفن والحرب” ومدى تأثير الحرب على الفنان وعلى منتجه الفني. وهل أثر الفن على الحرب؟

وما هو مصير الفنان اثناء الحرب وبعدها؟ وما هو مصير الأعمال الفنية؟

في اغلب اوقات الحربِ تكون أكثر أعمال الفنَّانين ذات سمات تعبيرية تقترب من البوح الذاتي، وهي بمثابة اوكسجين للفنان، يطرح من خلالها موقفه تجاه ما يحصل، لتُعبِّر عنه وعن المجتمع وعن مآسي الحروب وويلاتها، وكثيراً

ما يرتبط ابداع الفنَّان بالمفهوم الفكريّ لديه، وما يحيط به من تأثيرات أثناء الحرب أو بعدها، حيث تبرز القوةَ الدافعة لإنتاج هذه الأعمالِ الفنّيّة التي من المُمكن أن تكون مؤثرة في المجتمع، والتي قد تكون شاهد على نوعية العلاقات الإنسانيّة، و مشخصة لما نعيشه في هذا العصر من مآسي الجرائم الوحشيّة والمعاناة التي تطال كل شيء بسبب الحروب.

نعم ان هكذا بحوث ودراسات وحتى المقالات، هي عناوين غير مرغوب بها لأنها تكشف الحقائق الموجعة والمسكوت عنها، ومع ذلك يجب الخوض بها، كمحاولة يجب أن تكون جادة في ايقاف نزيف الحروب المتناسلة، من اجل التكاتف الفكري والفني رغم الصعوبات

>  الفن والحرب يلامس المواطن العربي بواقعية كبيرة؛ فهل من دلالة سياسية في أبحاثهم حول الموضوع.

<  يوجد في كل رسم “جوهر”، وان هذا الجوهر أساسي في عملية الارسال الحسي او الفكري، وأن الفن هو الطريقة المثالية لإنماء التأثير الحسي لدى الإنسان. فإن الاهتمام بالفن كممارسة فنية، ابداعية، لم يأت من قبيل الصدفة، انما هو ممارسة انسانية تنم عن الإدراك الفكري والحسي معاً، وإذا كانت أعمال ” الفن والحرب” تمس كل كائن عرف الحرب، في أعماقه، او حتى الذي تحسس بها بطريقة او اخرى، فإنه سوف يتم “ازاحة أو تثبيت” الشعور بالحدث، وتجليه من خلال الفن، لما للفن من أثر كبير على عدة مستويات، هذا العنصر بالنسبة لي هو الرابط الأساسي والأول لـمفهوم “الفن والحرب” وإذا قلنا:

كيف يمكن للفن أن يكون اداة وسلاح لمعالجة جروح وآثار وتأثير الحرب؟ فإننا سنتتبع عبر تاريخ الحروب ومن خلال الفن، مدى ما فعله الإبداع الفني في الأوساط السياسية. أن مثل هذه الدراسات والأبحاث مرتبطة برسالة انسانية مهمة، من أجل ترسيخ فكر ومفهوم: “لا نريد أن تتكرر الحرب أبدًا!”.

لقد اثرت لغة الفن بشكل او بآخر، على مسارات الاحداث، هذه الحقيقة تهمني بشكل إنساني محض، في العراق مثلا، كبلد عرف الحروب بكل أنواعها، منها: حرب الشمال والحرب السياسية الداخلية منها والخارجية، وكذلك الحرب مع البلدان المجاورة، وما تلاها من حصار اقتصادي، وما رافقها ايضاً من استنزاف كامل لكافة البنى، أثر على الكثير من مفاصل الحياة، ومن ضمنها الجانب الثقافي، والاحتلال، ثم الحرب الأهلية والتي قسمت البلاد إلى طوائف، بعدها الحرب ضد الإرهاب، وغيرها، والآن يخوض البلد ثورة بصيغة حرب على انظمة الفساد، كل هذا من الحتمي أن ينعكس بشكل أو بآخر على الفنان وعلى نتاجه الفني. أما في باقي البلدان العربية فلا يختلف الأمر كثيرا في سوريا او لبنان او مصر او ليبيا او تونس و….

وهنا اود ان أتساءل عن فاعلية ما يعرف بفن الدولة، أو حشد الفن من أجل ترسيخ مفاهيم دعائية سياسية، وهذا كما هو معلوم تاريخياً لم يستمر طويلاً، وبالخصوص بعد التغيرات التي حصلت، حيث أصبح التعبير عن الحرب يتم من خلال فكر الفنان ونتاجه الفني، بحيث لم يعد عليه نفس التأثير السلطوي القديم، والقابع على انفاسه؟ لقد ظهرت الحركات الفنية التي قلبت موازين الفن التشكيلي في العالم منها الدادائية والسريالية وغيرها الكثير..

> من المحيط إلى الخليج لا تخلوا منطقة عربية من الحروب، بعضها مادي والبعض منها معنوي، ومنه على الصعيد الفردي أو الاجتماعي ومنها الفكرية والنفسية واخرى اقتصادية أما الحرب السياسية فحدث بلا حرج.  كيف تتجلى تمظهرات كل ذلك في كتاباتكم.

<  كيف يتسنى للكاتب  والفنان ارسال الرسائل المشفرة منها أو المباشرة وجعلها بمثابة لغة عالمية ممكن ترجمتها دون وسائط تحليلية، ويكون قادر على إدخال لغة المعنى لنفسه والى المتلقي في خضم أحداث الحرب وبعدها؟ وذلك كمكون ثقافي، نحن لانقصد الارشفة لما حدث ويحدث، وإنما بمثابة رسائل ثقافية “فكرية وفنية” للسلام والتعايش الإنساني.

الفن والأدب فعل إنساني مشترك بين المبدع والمتلقي، وكون المبدع أحد عناصر “الزمكان” فهنا تتمحور عليه مسؤولية   الولوج في معنى الأشياء المحيطة به وتشخيصها، نعم هو غير مسؤول عن وجود الحلول او الاجابات، لكن الاهم هو   مسؤولية طرح الأسئلة وتثبيتها. 

منذ نشأتي الادبية والفنية وحتى العلمية وانا دائم البحث والتقصي عما تخلفه الحرب من أثر، كوني ولدت ونشأت في العراق، وكما هو معلوم أن الحرب تترك ندوبها في كل مفاصل الحياة ولا يمكن الخلاص من تأثيرها بسهولة. السؤال الذي يتكرر ونود أن نطرحه هو:

كيف لمن عرف الحرب عن قرب او عن بعد، ان يصنع من الخراب وتأثيره، حياة مغايرة؟ ومن خلال الإبداع على اختلاف صنوفه الانسانية، كيف نصنع السلام ضد الحرب؟ كيف نحارب الحرب؟

كيف لمن سلاحه لا يتناغم مع آلة الحرب، أن يزيل دخانها؟ كيف لمن يرفض الحرب أن يعيش وسط الحروب المتكالبة والمتوالدة؟ أن ضجيج الحروب وطبول مدافعها لم يفسح مساحة لحوار الفن والأدب ورغم محاولات العديد من الكتاب والفنانين بالتصدي لها ومواجهتها.

حين نكتب الشعر أو القصة لا تخلو لغتتنا من رفض الحرب، وهذا بطبيعته دليل يعتبر ضد الكاتب او ادانة له، لأنه لم يساير و يجري مع “القتل والقتال” أو يجاري عجلة الحرب، وبالأخص حين تكون الأنظمة شمولية استبدادية تعسفية، مما قد يؤدي به الى نتائج لا تحمد عقباها، أما المسرح، وهو جداً قريب ايضاً على قلبي، فكان له الدور المهم في الرفض ومحاربة الحرب من خلال السلام، لقد صرخت الالوان والكلمات معاً، فمن خلال الفن والأدب نستطيع أن نصنع السلام بمحبة وجمال.

فقد فعل الكثير من الفنانين والكتاب أثناء الحروب العالمية وبعدها انجازات تحسب لها سطوتها وتأثيرها الفعال، وهذا يذكرنا بموضوعة “الفوضى” او تحديدا ما تخلفه الحرب من فوضى، كيف يمكن لنا أن نصنع من قبح الحرب وشراستها ومن كل خرابها، الجمال؟ إنه التحدي لتصفية الاوكسجين واستنشاقه دون “بارود”، والاصرار على غربلة الغيوم من الدخان كي يتسنى للمطر أن ينزل بنقاء.

> ماهي الأفق الممكنة للخوض في مثل هذه الأبحاث عربيا على مستوى مكاتب البحث ومراكز الدراسات؟

< ان الدراسات تقود الى تحديد طبيعة الانسان العقلائية وجوهر مستقبلة، منها: الأخلاق والسياسة والقانون والحرية وحقوق الإنسان ونبذ الجرائم ضد الانسانية، او الإبادات الجماعية وحتى الفردية، ويعد التفكير في الحياة السلمية عنصر مهم وموضوعي للغاية، حيث أنه ينمي الوعي ويثري مستوى تفكير الإنسان بكيفية العيش بسلام.

نحن نطمح أن تكون هذه البحوث والدراسات أكثر فائدة في الأوساط العربية خاصةً، فنحن العرب نعيش بشكل شبه مستمر في صراعات كبيرة على مختلف المستويات.

أن دور ورش العمل بين طلبة الدراسات وبين الاساتذة له اهمية كبيرة في تأجيج محاور النقاشات الهادفة والبناءة، وهي سبل تنمي من جوهر الفعل. وكذلك الاطلاع على تجارب الاخرين، للاستفادة من الخبرات واختلاف الثقافات.

نحن بصدد مشروع كتاب عن الفنانين الذين أثرت بهم الحرب وبمنجزهم الفني، وقد تحدثت مع بعض الفنانين بخصوص الكتاب، وسيكون الكتاب في ثلاثة أجزاء، جزء يتضمن مختارات من الاعمال الفنية والفنانين داخل البلد الذي خاض الحرب، وأثر الحرب عليهم وعلى منجزهم الإبداعي، وجزء عن المهاجرين منه إلى دول عربية، وجزء عن المهاجرين الى بلدان أجنبية، وفي كل هذه الأجزاء سيكون المحور هو تأثير الحرب على الفنان وعلى منجزه الفني. ومدى تأثير المحيط عليه وعلى نتاجه الفني، أثناء الحرب وبعدها. وهذا الجواب مرتبط ايضاً بالسؤال الأول.

وإذا اتبعنا تحليل الفيلسوف ” جان لوك نانسي / Jean – Luc Nancy” بخصوص الفن وفلسفة الفن، فسيظل الفن هو الطاقة الأولية تقريباً، إن لم نقل هو الشرط الاساسي، لأنه عملية ابداعية محضة وانجاز تكويني يبحث عن إجابات تتمحور حول الجمال، او بعبارة ادق، انه ملكة تصنع وتشكل وتسمح وتتسامى بتكوين المعنى من خلال طرح الأسئلة وتداخلها.

يبقى الفن، يغطي تاريخ الإنسان بأكمله، كوسيلة اساسية للاقتراب من العالم وفهمه، لذلك فإن الدراسات في هذا المجال تحتاج الى التأكيد العلمي لتحقيق إنجازات مهمة، وتكوين أساسي لصنع ممارسة الخطاب (الإنساني)، وبث اللغة المشتركة بين الشعوب،

وأن قيمة مثل هذه الأبحاث والدراسات ضرورة بشرية للتعايش من خلال الخطاب والحوار السلمي من خلال الفن، لامن خلال الحرب.

> كيف تنظرون واقعيا بعين العربي القاطن في أوروبا إلى مستقبل البحث العلمي عموما على مدار الخريطة العربية

< يذكّر مفهوم “ديالكتيك” الاختلاف بحدود المنطق. كما أنه يضع أمام أعيننا هذا الآخر الذي على الرغم من كونه متأصلًا، تتجاوز به حدود التجربة، ويفلت من التمثيل والتشبيه. إنه بدون الجدلية (أي عملية الاختلاف)، الهابطة منها او الصاعدة لا تجدي نفعاً ان لم تكن ذات أسس بناءة، ضمن مفهوم النفي من اجل الاثبات، وهذا لا يقتصر على المجال البصري، بل يمتد إلى جميع مجالات الفن أو حتى أكثر بعداً من العقل البشري بشكل عام. ربما ينبغي أن يُنظر إلى الفن في أعمق حالاته على أنه عملية خلق وإبداع، حسي وفكري، وأبعد من ذلك ايضاً، أنه رسالة تفتح الأفق التخيلي عند المتلقي.

يهتم الفن بهذه الخاصية التي تتذبذب وتداخل وتدفع وتفتح حواف المعنى.

إن البحوث المعرفية بطبيعتها تحدد مسار مقومات الأمم، ومن أهم أدوات التقدم، نحن لا زلنا في منطقة الاستهلاك ولم نصل الى المستوى العالمي في الانجاز، ان المجتمع العربي لازال يقلد الآخر، علينا أن ننظر إلى النتائج المعرفية، ومن بعدها يتبين للجميع مستقبل هذه الدراسات.

وحسب مفهوم الفيلسوف “كوندياك – Etienne Bonnot de Condillac”، “بفضل الانتباه تتولد المعرفة” فإن العمل الابداعي ينظر إلينا بقدر ما نحن ننظر إليه. إنه يمسنا في إيقاعه الدائم من اقترابه وتداخله معنا. يحرك المعرفة والفكر ويؤجج الحس. كذلك تفعل المعرفة من خلال البحوث والدراسات، نحن نطمح في المزيد من هذه الدراسات والأبحاث التي تهتم بهذا الجانب لأنها من العناصر الحيوية والفعالة في إنماء الفكر. وهي تمسنا وتخاطبنا، وهذا يقود إلى التمسك بالوعي والانغماس في المعرفة، حيث من خلالها نعلن وبكل جدارة قابلية إلغاء التصنيفات العالمية التي صنفت العرب بدول العالم الثالث. وان لا يهمنا ارضاء الاخر بقدر ما يهمنا ارضاء حاجتنا لمزيد من المعرفة، واستثمارها والاستفادة منها.

> في رأيكم أين يتقاطع الفن والحرب إنسانيا وكونيا

< أثرت الحروب على الفن تأثيراً كبيراً، وتؤكد الكثير من التجارب وتكشف، تأثير الحرب على حركة الفن، وإن اختلفت المعطيات والمسببات باختلاف العصر. وفي مراحل عديدة كانت الحروب تصنع دافعية لدى الفنان للإبداع من خلال أطروحات دعائية تمجد الحرب وتكرس الجهود لما يسمى بـ الانتصارات الحربية وتمجيد قادتها.

لكن كيف للفنان أن يكون مجابه ورافض للواقع المفروض عليه؟ وما هي الطريقة او الاسلوب الذي يجسد فيه الدمار في أعماله الفنية وينكل بالحرب أمام السلطات والقمع المتزايد؟ والحروب بشكلها الاجمالي في الغالب، يقودها او يقررها الدكتاتور!

وبما أن للفن مسارات فكرية وجوهر حسي ومفاهيم أساسية لتشكيل الوعي، أذاً هو من المسارات التي تقود الى تحديد طبيعة الإنسان العقلائية بالحياة وجوهر مستقبلة. ومع المتغيرات الكونية والسريعة تغيرت الكثير من التوجهات وحتى الاعتقادات، مثلا تراجع ما يعرف بفن الدولة، أو حشد الفن من أجل ترسيخ مفاهيم دعائية سياسية، أو التعبير عن الحرب بأسلوب دعائي، او تمجيد الانتصارات الزائفة، إنما صار التعبير يتم من خلال فكر الفنان ونتاجه الفني وحريته في التعبير بحيث لم يعد عليه نفس التأثير السلطوي التعسفي كما كان في السابق.

قد يكون من الصعب تحديد التقاطعات “الإنسانية الكونية” بين الفنِّ والحرب، لأسبابٍ تتعلَّق بطبيعة حدث الحروب المُتبادلة بين البشر أنفسهم، أو بسبب ما يطال الفنَّ من تغييراتٍ في إطار فهم آليّات التوجه الأيديولوجي، ولا أعلم إنْ كان ممكناً نسيان المشاهد التي طالت من الإبداعات الحضارية البشرية وهي تتحطِّم أو تُفجر في مختلف البلدان العربية التي دارت فيها الحروب، في حين كان البعض منهم يقومون بمقايضة قسم من هذه القطع الفنية بالسلاحِ لمزيدٍ من القتل والتدمير.

ومهما كانت الأفكار التي يؤمن بها الفرد، هل بإمكانه أن يساهم بشكلٍ أو بآخر بدعم الحروب، يفعل هذا وكأنَّه يشارك في الحربَ على ذاته الانسانية وعلى اخيه الانسان، أثر ذلك كلّه يوضح جوهر ما تخلِّفه الحروبُ من دمارٍ، أن الفن حين يتقاطع أفقياً أو عمودياً أو حتى حول باقي الاتجاهات، فإن الحديث عن ويلاتها بالطريقةِ التي خلفتها الحروب من دمار معنوي ومادي وهي تنهش الحقيقة والقيم الإنسانيّة قَبل أي شيءٍ آخر.

وكون المُجتمع جزء لا يتجزَّأ من العمليّة الفنّيّة وأهمِّية التجربة الجماليّة والإبداعية، كوسيلة لإنماء الحوار والخطاب الإنساني، في الإبداع الثقافي، ولان الحرب تدمي الحقيقة وتتقاطع معها، فأن الفنُّ يلهم المُجتمعات وأفرادها، وأنه يجعلهم ينظرون إلى القضايا من منظورٍ عقلائي، وإن الإبداع الفني يوفر للمُجتمعات على اختلاف مستوياتها، فرصَ تحديد الآراء والمواقف ازائها، وتنمية الإمكانيات للتغيير المجتمعي.

> هل من رسالة ترغبون في بثها عبر هذا الحوار؟

< في البدء، اشكر اهتمامكم بهذا الجانب المهم والحساس في المجال الثقافي الهادف والبناء وهو خطوات ايجابية نحو المعرفة، وأن هذا الحوار هو بمثابة رسالة معرفية، ثقافية، تقومون بتثبيتها وبثها، وهذا جانب يحسب للوعي الثقافي الذي تمتلكونه.

نطمح أن تستثمر كل الجهود في بناء ركائز الدراسات بمختلف مستوياتها، لانها تعد من الأركان المهمة التي تنهض بها الأمم، من أجل التعمق في كشف الأهداف الفكرية والفنية والتعريف على قيمة واهمية رسالة التبادل الثقافي ذات المستوى العالي وترسيخها.

إن الدور الذي تلعبه مثل هذه الأبحاث والدراسات في التغيير من خلال التأثير والتأثر وتحديد وتوجيه الوعي بواجباتنا كمدنيين، يرسخ مفهوم الوعي كفعل إنساني مشترك بين الباحث والمجتمع.

ونود أن نؤكد على موضوع الدراسات الفكرية والجمالية جانب اهتمامنا، لان لها هدف انساني سامي، وهذا يجعلها بمثابة لغة عالمية يمكن ترجمتها دون وسائط كبيرة، وبهذا يكون قادر على إدخال “اللغة” إلى ذائقة المتلقي في خضم معترك الأحداث، وأن تكون الدراسات بناءة أكثر وموجهةٌ نحو المجتمع لغرض مشاركة المعرفة التاريخية والثقافية والعلمية.

اتمنى السلام والامان مع التألق في العطاء للجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube