ثقافة وفنونمستجدات

للا المنارة

حرة بريس -أحمد الونزاني

في الجنوب تقع حديقة المنارة الواسعة و الضاربة في القدم، و التي تبلغ مساحتها أكثر من عشرين هكتارا ،مقسمة إلى أربعة أجزاء متساوية في المساحة و متقابلة. تملأ أركانها الأربع أشجار الزيتون و بعض أشجار النخيل و التين مقسمة بتساو لتزيد من بهاء و جمال المكان. و يتوسط كل هذا صهريج مربع و قبة بديعة في الشكل و الهندسة مرتفعة تطل على كل المكان، كأنها هودج فوق فيل أو منارة مسجد يرفع منها الآذان.
كانت في ما مضى ثكنة عسكرية لتعلم فنون الحرب في البحر من سباحة و غطس و مناورات بين السفن الحربية و الاساطيل و مقارعة القرصان و اختراق سواحل العدو بإتقان.
لكنها تحولت إلى منتزه للعائلات المغربية من كل مكان و مقصد السياح و متنفس طبيعي أيام العطل و بالخصوص في فصل الربيع.
كان بهذه الحديقة الغناء نظام للمياه خاص بها يقوم على تدوير المياه بشكل بديع في سواقي و مجاري خاصة تمد كل أركان و جنبات الحديقة بالماء الضروري لسقي الأحواض و أشجار الزيتون بشكل دوري حسب الحاجة لذلك. كانت تلك المجاري تمد الصهريج الكبير بالمياه بانتظام حتى يمتلأ عن آخره و بعد ذلك يتم تصريف هذه المياه في دورة تحافظ عليه من الضياع.
و بهذا كانت حديقة المنارة تحافظ على جمالها الأخاذ و اخضرار أشجارها و سحرها من بعيد. كانت العائلات تقيم فيها النزاهات و كان الشباب يقصدونها للاستجمام و السباحة في حوضها الكبير و التنزه فيها بكل احترام و وقار و احترام خصوصيات الناس و الإلتزام بالتوقير و الهدوء.
و كانت ب الحديقة مكان خاص تقصده النساء وخصوصا العازبات منهن لممارسة طقوس الحناء و تمشيط العرائس المقبلات على الزواج أو طلبا للزواج و بقصد التبرك و خلع لعنة العنوسة عن البنات.
كان خلف الحوض مكان يطلقون عليه اسم للا المنارة :عبارة عن غرفة صغيرة تخرج منها مياه الحوض الكبير إلى الجهة الأخرى من حديقة المنارة. غرفة صغيرة لا تلجها إلا النساء مع الفتيات حيث يقمن بطقوس الحناء و التمشيط و غسل أجسام البنات بالماء البارد الذي يتدفق من الحوض نحو قناة للتصريف. كانت طقوس في غاية السرية فلا يسمح إلا للنساء بولوج و دخول هذا المكان. كانت مقدمة للا المنارة تسهر على ستر المكان بستار من ثوب يغطي كل الغرفة بإحكام حفاظا على خصوصية الطقوس و المكان. كانت هذه الطقوس غالبا ما تجري يومي السبت والأحد معا أما الأيام الأخرى من الأسبوع فكان المكان يخلو إلا من السياح الأجانب و بعض الزوار من باقي المدن المغربية الأخرى.
عندما يخلو المكان في الأيام الأخرى كنا نستطيع زيارة الغرفة السرية لنجد بها بعض الشموع و آثار الحنة على الجدران تشكل لوحة تشكيلية بكف اليد مختلفة من حيث الحجم و متراصة كالبنيان.
و إذا كانت منارة الحديقة بشكلها البديع و نقوش سقفها المزركشة و بساتينها الخلابة، تسحر الزوار و السياح على حد سواء. فإن الغرفة السرية تضفي على المكان قدسية و روحانية تقشعر لها الأبدان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube