احمد رباصمستجدات

اقتصاد الكيف وشبكات الفساد بالمغرب (6/4)

أحمد رباص-حرة بريس

في بداية هذه الحلقة، يجب أن نتساءل: لماذا وافقت السلطات فجأة، في عام 2003، على توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة بشأن تقييم محاصيل القنب؟
من جهة، أتت هذه المبادرة في سياق الإجراءات التي اتخذها الملك محمد السادس لمكافحة الفساد وفرض مزيد من الشفافية على إدارة الشؤون العامة. من ناحية أخرى، هدفت إلى جذب الأموال من المجتمع الدولي لتنمية المنطقة.
فعلا، للزراعة المكثفة للقنب الهندي عواقب على البيئة يمكن، على المدى المتوسط، أن تكون كارثية وتجبر جزءا كبيرا من السكان على المغادرة، دون أن تتمكن المناطق الحضرية من استيعاب هذه الهجرة الداخلية.
على المستوى الاقتصادي أيضا، تترتب عن زراعة الكيف آثار ضارة. منها ان الفلاحين يميلون إلى التخلي عن زراعة المحاصيل الغذائية والتزود بالمؤونة كالحليب والخضروات والبيض والزيت وغيرها من السوق الذي عادة ما ترتفع أسعاره باستمرار؛ الشيء الذي يؤدي بهم للدخول في دوامة الديون الموسمية مع التجار.
يمكن ان نلاحظ في العديد من مناطق الريف الدورة التالية: في نهاية غشت وسبتمبر، عندما يتم جمع الحصاد وبيعه، يكون الجو احتفاليا وجاهزا للاستهلاك. هذا هو الوقت الذي تقام فيه الأعراس بشكل خاص. خلال الأشهر القليلة الموالية، يكون التدبير الاقتصادي للأسر متوازنا، لتبدأ في بداية العام اللاحق، فترة الإفلاس والديون التي تبلغ ذروتها في يوليوز، قبل وقت قصير من حصاد الكيف.
في بداية الثمانينيات، انطلقت برامج محو الأمية مستهدفة سكان مناطق الريف. وإذا كانت نسبة الأمية أعلى منها في بقية مناطق المغرب (خلال عام 2001، 75٪ من الرجال و 95٪ من النساء بالنسبة لإقليمي شفشاون والحسيمة)، أدى الوصول المفاجئ لأموال الحشيش إلى إضعاف حوافز تعليم الأطفال.
في عام 2001، لم تصل نسبة الالتحاق بالمدارس إلى 50٪ من أطفال المنطقة، وهي النسبة الوحيدة في المغرب التي تؤشر على زيادة في معدل الأمية.
صحيح أن الشباب ينشغلون عموما في تسويق المنتوج الذي رعاه ونماه آباؤهم، وبالتالي لا يكتسبون الدراية الزراعية التقليدية. من بينهم من يستهلك على نحو متزايد المشروبات الكحولية وكذلك المخدرات، ولا سيما الكوكايين المدخن على شكل قاعدة في علب الكوكاكولا وحتى الأفيون المنتج محليا في مناطق صغيرة مزروعة بالخشخاش.
كما يؤدي اقتصاد القنب الهندي إلى تفاقم الخلافات الأسرية ويساهم في المزيد من النزاعات على الأراضي. ونظرا لأن السكان مترددون أيضا في ما يخص مشاريع التنمية، فإن المنظمات غير الحكومية تنخرط في مناطق أخرى من البلاد.
بشكل عام، لا يُوظف المال في تحسين الوضع الأسري ولكن غالبا ما يتم تخصيصه لما يسمى بمصروفات “الصيف”: العديد من سكان الريف لديهم شقق في مدينتي تطوان وطنجة لا يقيمون فيها سوى لوقت قصير مرتين أو ثلاث مرات في السنة، لتكريس علامة الوضع المتميز.
أخيرا، تتمثل إحدى النتائج الاجتماعية لهذا الاقتصاد في أن الأعيان، الذين يتم استخدامهم تقليديا من قبل سلطة القرية أو القبيلة، كان عليهم أن يفسحوا المجال لطبقة ناشئة جديدة من الأشخاص المتميزين، تجار المخدرات، الذين لديهم سلطة اقتصادية؛ فهم الذين يدفعون الأموال للمزارعين، ويمتلكون السيارات، ويشترون الأراضي، والممتلكات والشقق.
يذكر تقرير ODC أنه في عام 2002 تم ضبط حوالي 735 طناً من راتنج القنّب الهندي في أوروبا الغربية (بما في ذلك 564 طناً في إسبانيا) و 66 طناً في المغرب، بكمية إجمالية بلغت 801 طناً. إذا تم خصم هذه المضبوطات من الرقم المحتمل لإنتاج الحشيش المغربي، يبقى هناك حوالي 2300 طن متبقية للاستهلاك في أوروبا. لذلك يضع هذا التقرير ضمنياً 214 مليون دولار تذهب للفلاحين المغاربة مقابل 12 مليار دولار سيحصل عليها المهربون الذين يقال إنهم أوروبيون.
ربما من خلال المطالبة بهذا العرض للوقائع، التي يظهر فيها المغاربة إن لم يكن كضحايا، فعلى الأقل كآباء فقراء إلى عائدات الاتجار في الحشيش، قبلت سلطات البلاد بكشف حجم الزراعات على أراضيها.
في الواقع، فإن هذا الحساب “ينسى” جميع المراحل الوسيطة لحركة تجارة الجملة وشبه الجملة، والتي يجب أخذ أرباحها في الاعتبار، مثل أرباح الفلاحين والتجار الصغار في طرفي السلسلة. هذه الأرباح المتراكمة من قبل كبار المهربين تمثل عدة مليارات من الدولارات الإضافية. يحتكر المغاربة بيع الحشيش بالجملة في بلادهم؛ ثم يصبح لديهم حصة في التجارة داخل أوروبا.
أخيرا، يقومون بدور كبير في تجارة التقسيط في مختلف بلدان أوروبا.
ومع ذلك، فإن هاتين الفئتين الأخيرتين من تجار الممنوعات يعيدون جزءا من أرباحهم إلى المغرب، حيث تكاد آليات مراقبة تبييض الأموال شبه منعدمة، حتى بعد تعبئة المجتمع الدولي حول هذه القضية بعد أحداث 11 سبتمبر، رغم أن المغرب كان بدوره ضحية الهجمات. كشفت عدة الات ، خاصة في بلجيكا، عن هذه الآليات. وهكذا، تم تغريم البنك الشعبي المغربي في يوليوز 1996 لقيامه بإرسال مئات الملايين من الفرنكات البلجيكية المتحصلة من بيع الحشيش في هولندا من خلال فرعه في أنتويرب؛ تم بعد ذلك تم تخصيص المبالغ لحسابات مختلفة، بما في ذلك حسابات العملاء الذين تم استخدامهم دون علمهم د، بحيث يظل المبلغ في كل مرة أقل من 10000 وحدة نقدية اوربية، وفي حالة تجاوز هذا المبلغ يجب إعداد تصريح في شانهه.
منفذ عمليات تبييض الأموال هاته هو عبد السلام الشعيري، أحد كبار المهربين من طنجة. هذا المالك للعديد من العمارات والأراضي والمطاعم والنوادي في المنطقة متورط بشكل خاص في قضية فولغا، وهو يخت كان على متنه بحارة روس وأوكرانيين استولت عليه السلطات الإسبانية في عام 1995، ووجدت محملا ب36 طنا من الحشيش.
اعتقل هذا المهرب في المغرب على خلفية هذه القضية، وسوف يستفيد من الإفراج المؤقت، الذي تم شراؤه بسعر مرتفع من القاضي.
اعتقل مرة أخرى في بلجيكا وسيتم تسليمه إلى بلاده. يقدر باسكوال مورينو أنه في عام 1997، تم تحصيل ملياري دولار من إنتاج وتجارة الحشيش أو أعيدت إلى المغرب.
في نفس العام، جلبت السياحة 1260 مليون دولار، والاستثمار الأجنبي 460 مليون دولار، وصادرات المنسوجات 750 مليون دولار.
(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube