شخصياتمستجدات

الحراك الشعبي الجزائري مستمر حتى تغيير نظام العسكر

محمد بوبكري

يوجد الشعب الجزائري اليوم أمام صراعات بين مختلف أجنحة الجنرالات، حيث نسمع كل يوم باعتقالات وتوقيفات وإحالات على التقاعد وإعفاءات من المهام السامية وترقيات وتعيينات جديدة في مناصب سامية. وقد يستمر هذا الصراع إلى أبعد من ذلك، حيث بقدر ما يشتد ضغط الحراك على الجنرالات بقدر ما تشتعل نيران التصفيات والتنحيات بينهم. ويعود ذلك إلى الصراع على السلطة، لأن “شنقريحة” و”خالد نزار” و”توفيق محمد مدين” يسعون إلى إعادة هيكلة نظامهم السياسي وأجهزته التنفيذية من جديد، من أجل ضمان تحكمهم في الدولة والشعب الجزائريين. وليس هذا أمرا جديدا، وإنما هو قاعدة يعمل بها حكام الجزائر الجدد دائما بعد وصولهم إلى السلطة، حيث يفككون المنظومة القديمة، ويقيمون منظومتهم السياسية الخاصة التي تجعل الأمور تستتب لهم، وتضمن لهم الاستمرار في الحكم.
وتدخل في هذا الإطار التعيينات الجديدة التي قامت بها العلبة السوداء الجديدة لحكام الجزائر، حيث نلاحظ أن الجنرالات “توفيق” و”خالد نزار” و”شنقريحة” يعملون على إعادة بناء إمبراطوريتهم الأمنية الإرهابية القديمة مستعملين في ذلك سلطتهم على “تبون” الذي ينبطح أمامهم، حيث يأمرونه بإصدار مراسيم رئاسية يتم بموجبها تعيين أتباعهم القدامى، الذين شاركوهم في ممارسة العنف والتقتيل في فترة “العشرية السوداء”، في مناصب سامية، ما يفيد أن هؤلاء الجنرالات ماضون في اتجاه إحكام قبضتهم على كل شيء في الجزائر. وتشكل عودة مجرمي “العشرية السوداء” إلى السلطة اعتداء على عواطف الشعب الجزائري وتحديا سافرا لإرادته، واحتقارا له…
والتدليل على ذلك تعيين “فريد زين الدين بن الشيخ” على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني الجزائري، علما أنه حامل الجنسية الفرنسية، الأمر الذي يشكل في أعين الجزائريين مساسا بالسيادة الوطنية، لأن تعيين هذا الشخص قد تم بإيعاز من الفرنسيين، الأمر الذي يؤكد أنه سيكون عين فرنسا على الجزائر، ويفيد أنه من المحتمل جدا أن يكون عميلا للمخابرات الفرنسية..
ونظرا لاستمرار الحراك الشعبي وتزايد قوته وسعة انتشاره، واحتمال تصاعده مستقبلا، فإن جهات فرنسية قد تنبأت بأن الجنرالات وأجهزتهم الاستخبارية لن يستطيعوا تدبيره، فأحرى احتواءه، ما جعلها تنصح الجنرالات بتأجيل الانتخابات المزمع تنظيمها في شهر يونيو المقبل. ويؤكد الملاحظون الجزائريون أن الأجهزة الأمنية الجزائرية قد أعدت تقارير خلصت فيها إلى أنها عاجزة عن التعامل مع قوة الحراك الشعبي وسعته، الذي ينتظر أن يتجاوز إمكانياتها. ومع ذلك، فإن الجنرالات لم ينصتوا لحد الساعة لنصائح الجهات الفرنسية، ولا لخلاصات التقارير الأمنية الجزائرية التي يتوصلون بها دوريا، حيث لا يزال توفيق يعتبر نفسه “رب الدزاير”، وما يزال خالد نزار ينظر إلى الشعب الجزائري بكونه مجرد “غاشي” أو “ذباب”، حيث سبق له أن نعته بذلك. لكن الجنرالات ما يزالون مرعوبين من الحراك الشعبي، ولا يمتلكون الشجاعة لتأجيل الانتخابات المقبلة، وإعادة النظر في ذواتهم عبر تلبية مطالب الحراك الشعبي الجزائري.
وإذا كانت زعامات الأحزاب الجزائرية الكارتونية الموالية للعسكر تريد المشاركة في هذه الانتخابات، فإن الشعب الجزائري يعي أن ذلك نابع من رغبتها في الاستفادة من ريع المؤسسات التي يصنعها الجنرالات. لكن هذه الأحزاب هي منعدمة التمثيلية في المجتمع الجزائري، ما يجعلها عاجزة عن التأثير في الحراك، حيث لا تستطيع النزول إلى الشارع. لذلك، فإن الجنرالات وزعماء الأحزاب التابعة لهم لا يفهمون أن الحراك يريد التغيير الجذري؛ فالنظام لا يريد أن يفهم مطالب الشعب المتمثلة في أنه لا يريد حلولا ترقيعية، وإنما يريد حلا جذريا يتجسد في قطيعة نهائية مع نظام العسكر. ويعود ذلك إلى أنه قد استفاد من دروس كل التجارب التي خبرها، حيث علمته هذه الأخيرة أن كل المقترحات التي تتقدم بها السلطة لا تكون تنازلات حقيقية، وإنما مناورات وتحايلات لإيجاد مخرج للعسكر ليربحوا وقتا إضافيا لتقوية منظومتهم السياسية. لذلك، على “تبون” وجنرالاته أن يعوا أن الشعب الجزائري لم يطالبهم بحل البرلمان، ولا بتنظيم انتخابات في شهر يونيو القادم، لأنه يعي أن تلك الأمور لن تلبي مطالبه بتاتا، وإنما هي مناورات تقوم بها السلطة لامتصاص غضب الشارع الجزائري، الذي لم يعد يثق في وعود الجنرالات الماكرة، كما أنه يدرك جيدا أن “تبون” ليس بيده شيء، وإنما هو مجرد دمية، أو شاشة من دخان للتشويش على رؤية الجزائريين ووعيهم.
لذلك، فعلى حكام الجزائر أن يستفيدوا من دروس التاريخ. فقد قام الجنرال “القايد صالح” في سنة 2019 بتنحية “عبد العزيز بوتفليقة” واعتقال أخيه “سعيد بوتفليقة”، واعتقال الجنرالين “توفيق” و”طرطاق” وآخرين في يوم الخميس. ومع ذلك، خرج الجزائريون يوم الجمعة للتظاهر في شوارع مختلف المدن الجزائرية، ما يدل على أن الحس العميق للشعب الجزائري كان يشك في نوايا العسكر، ويؤكد أن الجزائريين يرفضون اليوم أن يقوم العسكر بسرقة ثورتهم مرة ثانية. لذلك، فإن حيل العسكر لا يمكن أن تنطلي عليهم. إضافة إلى ذلك، تبرهن القراءة المتأنية لخطابات مختلف رموز الحراك على وعيهم الثاقب الذي استفاد من دروس مختلف التجارب، حيث يعون ما يمكن أن يحاك من مؤامرات ضد الحراك، ما يعني أنهم يتوفرون على كل المؤهلات الفكرية لإحباطها، خصوصا أن الحراك يزداد قوة يوما بعد يوم.
تبعا لكل ذلك، فإن صفوف الجنرالات متصدعة ما أصابهم بالضعف والوهن. تؤكد التجارب التاريخية للعسكر، أنه كلما اشتد عليهم ضغط الشارع إلا ولجأوا للفتك ببعضهم البعض. ومادام الشعب الجزائري قد برهن عن إرادة استمراره في حراكه، فيبدو لي أن الظروف مواتية للتغيير، لأن الحراك يمتلك وعيا ثاقبا، وله أفق فكري واضح، ما جعل الملاحظين يرون أنه قادر على التخلص من دولة العسكر من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube