شخصياتمستجدات

الدولة الموازية في الجزائر تقود إلى انهيار البلاد

محمد بوبكري


يؤكد بعض الخبراء في التاريخ السياسي الجزائري أن الدولة الموازية أو العميقة كانت توجد في الجزائر منذ سنة 1962، حيث أسسها وقادها “هواري بومدين”، وتتجسد في الأجهزة الأمنية الجزائرية التي صارت مهيمنة على كل المؤسسات والقطاعات والإدارات، بل إنها توجد كذلك في رأس هرم السلطة الجزائرية، ما يمكنها من حماية نفسها.
لقد صرح المناضل الطالب “وليد نقيش” بأنه تعرض للتعذيب والاغتصاب الجنسي في أقبية الأمن الجزائري، وصرح شباب آخرون بأنهم تعرضوا للتعذيب، وقال أحدهم إن الضابط الذي حقق معه وعذبه استل أيره من سرواله ووضعه في فمه وهو مقيد اليدين، ما يعتبر إهانة ما بعدها إهانة! وقد صرح أعضاء من الحراك الشعبي الجزائري أنهم عندما تم توقيفهم من قبل الأجهزة الأمنية، تم اقتيادهم إلى مركز المخابرات الذي يعرفه الجزائريون باسم “عبلة” للتحقيق معهم، حيث يتم احتجازهم هناك، بدون تغذية، ولا تطبيب… وقد توفي بعضهم جراء التعذيب والمرض. وعندما يموت معتقل، يتم نقله إلى المستشفى لتحرر له شهادة وفاة مزورة بسب مرض وليس جراء ما تعرض له من تعذيب. وقد اشتكى معتقلون سابقون قائلين إنهم قد تعرضوا للإهانة والتعنيف بشتى أصنافهما. وهذا ما نقلته مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية، بل لقد توصلت بتفاصيله منظمات حقوقية دولية، بما في ذلك المفوضية السامية للحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة التي قامت بإدانة عنف الأجهزة الأمنية الجزائرية التي أصبحت محط شبهات، لأن جرائمها تجاوزت الحدود، وأصبحت أممية. وكان من المفروض أن يتم تشكيل لجنة للتحقيق في شكاية المناضل الطالب “وليد نقيش” وغيره من المشتكين ومعاقبة مرتكبي تلك الجرائم النكراء المقترفة في حقهم، ولكن ما دام نظام العسكر لم يفعل شيئا من هذا القبيل، فإنه أصبح مؤكدا أنه لا يهتم بسلامة المواطنين، ولا بكرامتهم، ولا بسمعة الجزائر. لذلك نجده يضحي بكل ذلك حماية لمجرمين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية.

إن أجهزة الأمن الجزائري لم تعد تحمي الجزائر والجزائريين، بل إنها تحمي فقط الحكام والفساد والفاسدين


هكذا، فإن قضايا تعذيب مناضلي الحراك الشعبي قد تجاوزت الحدود الجزائرية، لتصبح أممية. ومن المحتمل جدا أن تصبح سياسية، لأنه إذا تمادى العسكر في تعنيف الشعب الجزائري، فإن هذه القضية ستصبح قضية سياسية بامتياز، لأن هذه هي منهجية المنتظم الدولي. وما يتجاهله جنرالات الجزائر هو أن الحراك الشعبي الجزائري سلمي، وأن الأمم المتحدة تعتبره حركة ديمقراطية. كما أن قضايا حقوق الإنسان صارت تتجاوز سيادة البلدان، لأنه، وبموجب القانون المتضمن في اتفاقيا ومعاهدات دولية، بات من حق المنتظم الدولي التدخل لحماية الإنسانية من التعذيب والتقتيل في كل بلدان العالم.

لقد طغى الفساد في كل القطاعات، حيث أصبح سائدا في كل القطاعات، بما فيها المساجد والملاعب، إلى أن وصل إلى أعلى هرم السلطة. والفساد جريمة تضرب حقوق الإنسان، لأن نهب الأموال، يضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري. لذلك، تعد محاربة الفساد دفاعا عن حقوق الإنسان.
هكذا، فإن أجهزة الأمن الجزائري لم تعد تحمي الجزائر والجزائريين، بل إنها تحمي فقط الحكام والفساد والفاسدين. وهذا ما جعل الشعب الجزائري ينعتها بكونها “إرهابية”… لأنها لا تواجه الفساد، وإنما تقتصر على مواجهة المحتجين ضد الفساد بكل الأساليب العنيفة. فالدولة الموازية لا تخضع للقانون، بل إنها تعتبر نفسها فوقه. لذلك، فإذا كانت البلاد الجزائرية غنية بثرواتها الطبيعية، فإن تسلط الدولة الموازية وما تمارسه من نهب وفساد قد حولها إلى دولة فقيرة تتسول اللقاح المضاد لفيروس” كورونا” في مختلف أروقة المنظمات الدولية.
تبعا لذلك، فإن حكام الجزائر يعادون الحراك، لأنهم لا يعون أن الدولة تنتعش عندما تكون هناك معارضة، وسيأتي يوم تبحث فيه عن معارضة رشيدة تحميها من هجوم الشارع عليها، ولن تجدها. ويؤكد موقفها المعادي للحراك السلمي أنها لا تدرك إيجابيات وجود المعارضة في استقرار البلدان. لذلك على حكام الجزائر أن يتركوا المجتمع ينمو بشكل طبيعي حتى يتمكن من هيكلة نفسه في إطار تنظيمات متعددة، على أساس اختيارات متنوعة ومختلفة، لتتمكن من تأطير المجتمع، والمشاركة في تنميته وتدبيره… وهذا ما يضمن الاستقرار.

الأجهزة الأمنية الجزائر لا تفكر في المستقبل، ونظام العسكر يدفع الجزائر نحو الفوضى التي قد تأتي على كل شيء.


ويؤكد تهديد الجيش للحراك الشعبي أن الدولة العميقة متجذرة في السلطة، وهي تفكر حاليا بمنطق الجنرالين خالد نزار وتوفيق مدين الدمويين اللذين يرفضان النقد، الأمر الذي ينطبق على “شنقريحة” نفسه الذي كشر عن أنيابه عبر الافتتاحية الأخيرة لمجلة “الجيش” التابعة له، التي تقدس الجيش، وتهدد مناضلي الحراك. ولا توجد الدولة الموازية فقط في كل القطاعات والمؤسسات، بل إنها توجد اليوم في أعلى هرم السلطة الجزائرية، حيث عاد توفيق وأعضاء عصابتهما إلى السلطة، وأصبحوا مستشارين أمنيين في كافة المؤسسات. وقد بدأت لمستهما المتسمة بالعنف والنزعة التآمرية تطبع قرارات “تبون” و”سعيد شنقريحة”.
كما أن الأجهزة الأمنية الجزائر لا تفكر في المستقبل، ونظام العسكر يدفع الجزائر نحو الفوضى التي قد تأتي على كل شيء. فلا تخدم أجهزة الأمن إلا الحكام وفسادهم، ما قد يدخل البلاد في حرب أهلية لا تبقي، ولا تذر.
وإذا استمر حكام الجزائر على النهج الدموي للجنرالين خالد نزار وتوفيق مدين، فإن هذا لن يساهم في بناء “جزائر جديدة” كما يدعي “تبون”، بل إنه سيقوي الدولة الموازية التي ستضعف الدولة، ما سيجعلها محط أطماع بعض القوى العظمى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube