احمد رباصحزبيات مغربية

ماذا تبقى من اليسار المغربي المعتدل؟

أحمد رباص

بصراحة أريدها منقطعة النظير، تسكن دماغي هذه الأيام فكرة عن اليسار المغربي المعتدل الآن. من حقي أن أشخص فكرتي هاته باستعمال ا لكلمات الملائمة والمناسبة. أولا، لابد من الحديث بإيجاز عن اليسار المغربي المعتدل في الفترة التي تلت ما سمي بالاستقلال الوطني وانتهت ببداية عهد أريد له أن يكون جديدا من الناحية السياسية على المستوى المحلي، بينما هو على المستوى الكوني فعلا جديد بطفرته العولمية وثورته التكنولوجية التي صار معها العالم قرية صغيرة.
خلال هذه الفترة، أدرك كل متتبع للشأن السياسي عندنا أن هناك حزبين رئيسيين مثلا اليسار المغربي المعتدل وأنجزا خطابا معارضا يحتضن مطالب الجماهير وهما الحزب الشيوعي المغربي وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وبما أن الحزب الثاني منشق عن حزب الاستقلال اليميني والمحافظ، فلن تنطلي على أحد ادعاءاته بأنه تبنى اشتراكية ديمقراطية مفصولة عن المرجعية الماركسية اللينينية. وهذا دليل قاطع على أنه لم ينسلخ عن جذعه اليميني المتطرف.
ونفس الشيء يقال عن الاتحاد الاشتراكي الذي فقد شعبيته بعد أن تم استدراجه للمشاركة في الحكم مقابل أخذ نصيبه من الكعكة بأيدي من يعرفون من أين تؤكل الكتف وبدون ضمانات تذكر على مضمار تحقيق تطلعات القوى التي كان يمثلها والتي شكلت فعلا قاعدة كان يحسب لها ألف حساب خلال سنوات الجمر والرصاص كما لمح لذلك بنسعيد آيت إدير.
أما الحزب الأول الذي ما فتئ يذكر في خطابه بمرجعيته الماركسية ويتبجح بكونه من أصل شيوعي قح على خلاف حليفه في الكتلة، فقد أراد هو الآخر وضع حد لبؤسه المادي فضحى بوهجه الإيديولوجي واستسلم للإغراءات الشخصية مسرعا الخطى لصعود السلم المؤدي للحكومة برئاسة رجل اختزل الاشتراكية في المساواة أمام الحق في التصويت. ولكن النقطة التي أفاضت كأس الحزب ذي الأصل الشيوعي كانت هي تحالفه مع حزب المصباح الذي لم يصل نوره إلا لقادته وأتباعهم.
بعد هذه التوطئة، أرتئي الإجابة في الفقرات التالية عن سؤالين وهما على التوالي: هل كانت تجربة دخول حزب الوردة في التوافق مع النظام وبالا عليه؟ وهل يمر الحزب بأزمة عابرة أم هي بوادر انهيار معلن؟
1) هل كانت تجربة دخول حزب الوردة في التوافق مع النظام وبالا عليه؟
رغم أن الاتحاد الاشتراكي عاش انشقاقات متتالية منذ التمانينيات، فقد حافظ على زخمه وعنفوانه إلى حدود نهاية عقد التسعينيات حيث كان رقما مهما في المعادلة السياسية المغربية. هذا المعطى شجع القصر على إشراكه في الحكم لإنقاذ البلاد من السكتة القلبية. لكن التفاوض بين الطرفين لأجل تحقيق الغاية ذاتها صمم له التوافق كمخرج نهائي؛ الشيء الذي لم يكن في صالح الحزب الذي غامر برصيده النضالي الذي راكمه طيلة 40 سنة من المعارضة والذي كان منتظرا منه التجاوب مع الآمال العريضة للشعب المغربي في التغيير والدمقرطة والعدالة الاجتماعية. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن نتائج مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب وخصوصا الطريقة التي أدار بها اليوسفي مفاوضات تشكيل الحكومة، عمقت التناقضات الداخلية بشكل خطير داخل الحزب.
.من أجل تسليط الضوء الكافي على الفكرة التي مفادها ان التوافق كان وبالا على حزب الوردة التي رأيناها مؤخرا في أحد الكاريكاتيرات الصحفية موضوعة فوق سنداد بينما لشكر على أهبة الاستعداد لسحقها بمطرقته، (لأجل ذلك) استشير حسان الباهي مؤلف كتاب “جدل العقل والأخلاق في العلم”. فانطلاقا من وضع التوافق في مرتبة وسطى بين الاختلاف التام والاتفاق التام، يقرر الباحث أن تحقيق اتفاق يرضي الطرفين المتحاورين يقتضي استعداد أحدهما للتنازل عن بعض حقوقه لصالح الطرف الآخر.
“لهذا – بقول الباهي- فالتوافق يتطلب تحقق الحد الأدنى من التفاهم. لكن عيبه أن لايكون أحيانا بشكل متساو، بل قد يكون التنازل لصالح طرف على حساب طرف آخر، خاضة عندما تتدخل عوامل خارجية ؛ كأن يكون طرف أقوى من طرف آخر بشكل يجعله يفاوض من موقع قوة، فيكون الطرف الضعيف عرضة للإكراه والمساومة”. إلا أن ما غاب على الكاتب الإشارة إليه بهذا الصدد هو أن الطرف القوي قد يلجأ أثناء زمنية المفاوضات إلى بعض الحيل كأن يظهر أمام الطرف الضعيف بمظهر يبدو فيه على أنه لايقل عنه ضعفا. تندرج هذه الحيلة في عداد سياسة ” تمسكن حتى تتمكن”.
ومع ذلك، يعرب الكاتب عن قدر كبير من الفطنة عندما يواصل حديثه عن اختلال التوازن في التوافق بين الطرفين حيث يقول: “وقد يبقى التوافق غامضا في بعض الأحيان، خاصة حين يتخذه طرف ما حيلة لإنهاء الصراع، وإجبار الآخر على التنازل”. بالفعل، هذا ما حدث فعلا بعد النتخابات التشريعية التي جرت في 2002 عندما تم تعيين إدريس جطو وزيرا أول في خرق سافر للمنهجية الديمقراطية؛ الشيء الذي أجج غضب اليوسفي وجعله يقدم استقالته من قيادة الحزب ويقدم على مغادرة التراب الوطني في اتجاه “ماما” فرنسا. وهكذا استلم محمد اليازغي مشعل الحزب الوشيك الأفول. تحت قيادة النائب السابق لليوسفي, خاض حزب عبد الرحيم بوعبيد الانتخابات الجماعية لعام 2003 لتبدأ سلسلة من التراجعات التي أشرت على بداية انهيار الحزب. كيف حدث ذلك؟ هذا ما سنحاول تبيانه في الفقرات التالية.
2) هل يمر الحزب بأزمة عابرة أم هي بوادر انهيار معلن؟
في الحقيقة، يشكل هذا السؤال عنوان أطروحة الباحث المغربي غسان الأمراني من أجل نيل شهادة الدكتوراة. يمكن تلخيص مناطها في كون صاحبها قد لمس تراجعا نسبيا للحزب موضوع رسالته مباشرة بعد انتخابات 2002 التشريعية ، تراجعا تفاقم بشكل مريع مع انتخابات 2003 البلدية التي أعلنت انسحاب الاتحاد الاشتراكي من جميع المدن الكبرى والمتوسطة ما عدا أكادير، واختراقه المفاجئ للبوادي باعتماده على الأعيان القادمين من” الأحزاب الإدارية” التي كانت دوما محط انتقاداته. وفي سياق متصل، يوضح الباحث أن انتخابات 2007 التشريعية كشفت عن التراجع الخطير لحزب عمر بن جلون سواء من حيث عدد المقاعد والأصوات حيث فقد 12 مقعدا و 300 ألف صوت ، أو من حيث المرتبة التي احتلها؛ أي الرتبة الخامسة، ليطرح السؤال التالي: هل نحن بصدد تراجع انتخابي عاد لهذا الحزب يمكن أن يصادف أي تنظيم سياسي أم أنه يعبر عن أزمة عميقة لها دلالات أكبر من ذلك؟
للإجابة عن هذا السؤال، يلجأ الكاتب إلى دراسة نتائج الحزب في الانتخابات منذ سنة 1960 ليصل إلى خلاصة أساسية مفادها أن نتائج الحزب الأخيرة تبقى الأسوأ إذا ما قورنت بنتائجه السابقة، مع ما شابها من تزوير. وهكذا يخلص إلى ان المؤشرات الأولى للتراجع بدأت مع انتخابات 2002. وهنا، يطرح السؤال عن ما إذا كان من شأن التركيز على الانتخابات كمؤشر على تراجع حزب معين أن يثير الكثير من الانتقادات. جوابا على هذا السؤال الذي ورد في حوار خص به غسان المراني جريدة” المساء، قال:” لقد حاولت في الكتاب من جهة أخرى دراسة المنظمات الجماهيرية للحزب حتى لايكون المقياس الوحيد لتقييم الحزب هو الانتخابات. فوجدت أن النقابات المنضوية تحت لواء (ف.د.ش.) تعرف تراجعا في تمثيليتها شبيها بتراجع الحزب، وفي قطاعات أساسية كانت محسوبة على الاتحاد كالصحة والتعليم والبريد، إضافة إلى الشبيبة الاتحادية التي انسحبت من الجامعات ولم يعد لها نشاط يذكر”.
كما أن الباحث لم يترك فرصة الجواب عن السؤال أعلاه دون الإشارة إلى أنه، استنادا إلى هذه المعطيات، وجد نفسه أمام مؤشرات انهيارحزب وليس أمام تراجع عادي. لهذا- يقول الباحث- عمد في الفصل الثاني إلى دراسة أسباب انهيار الحزب الانتخابي. وفي نهاية الجواب برر غسان كون الحديث عن انهيار حزب الاتحاد الاشتراكي يثير جدلا بواقعة ارتباط كثير من الناس بهذا الحزب ووبأنه يجسد مشجبا علقوا عليه آمالهم وأمانيهم، بالتالي لايمكنهم استساغة فكرة انهياره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube