احمد رباصمستجدات

هل يمكن لإسبانيا المطالبة بسيادتها على جبل طارق دون العودة إلى ملف سبتة ومليلية؟

أحمد رباص

مباشرة بعد تصويت الإنجليز على مغادرة الاتحاد الأوربي، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا-مرغالو إن بلاده مستعدة أكثر من أي وقت مضى لاسترجاع سيادتها على جبل طارق. وأوضح المسؤول الإسباني أن عملية Brexit سوف تمنح لإسبانيا إمكانات جديدة لتقترح على المملكة المتحدة سيادة مشتركة بينهما على الصخرة. ويذهب مسؤولون إسبان آخرون ابعد من ذلك إذ يرون في هذه الخطوة تمهيدا للطريق المؤدي ببلادهم إلى استعادة كاملة لسيادتها على الإقليم.
لم يمر تصريح الوزير الإسباني دون أن يثير تعليقات وانتقادات مستخدمي مواثع التواصل الاجتماعي الذين اتهموا إسبانيا بالكيل بمكيالين: تطالب باستعادة سيادتها على جبل طارق وفي نفس الوقت ترفض الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية، فضلا عن العديد من الجزر الموجودة قبالة الساحل المغربي.
ليست هذه هي المرة الأولى التي دعت فيها الحكومة لإسبانية نظيرتها البريطانية إلى فتح حوار جدي حول هذا النزاع الإقليمي. لقد سبق للناطقيين باسم الخارجية الإسبانية أن اعتبروا اتفاقية أوترخت لعام 1713 التي بموجبها تنازلت إسبانيا عن سيادتها على جبل طارق أن الدهر أكا عليها وتشجأ كما عفا عليها الزمن. ولكن، خلافا لحكومة ثاباثيرو، رئيس الوزراء السابق، جنح ماريانو راخوي إلى فتح حوار مع المملكة المتحدة دون إقحام ساكنة الجبل في المفاوضات.
من وجهة نظر قانونية، يبدو الموقف الإسباني من قضية جبل طارق أقوى من الموقف المغربي في مسألة سبتة ومليلية. السر في هذا التفاوت يكمن في كون جبل طارق ينتمي إلى قائمة الأراضي التي تعتبر في الأمم المتحدة غير متمتعة بالحكم الذاتي وينطبق عليها بالتالي منطق إنهاء الاستعمار، في حين تعذر على المغرب إدراج ميدنتيه السليبتين ضمن هذه القائمة لأسباب عدة. استغلالا لنقطة الضعف هاته، رفض المسؤولون الإسبان كل المحاولات التي قامت بها السلطات المغربية على مدى 50 سنة الماضية لإقناع الجارة الشمالية بجدوى فتح حوار حول مستقبل المدينتين.
من اجل إدراك السبب الذي حال دون تضمين المدينتين السليبتين في القائمة المذكورة، لا بد من العودة إلى سنوات 1960، وتحديدا إلى ما سمي ب”Barajas Spirit” (روح باراخاس). أصل هذه التسمية يعود ليوم 6 يوليوز 1963 حيث التقى الملك الراحل الحسن الثاني بالجنرال فرنكو في مطار باراخاس بمدريد للنظر في النزاعات الإقليمية العالقة بيتهما. لهذا حمل الاتفاق المتوصل إليه في هذا الاجتماع اسم “روح باراخاس” (Espiritu de Barajas). وبموجب هذا الاتفاق، وافق المغرب على فصل قضية سبتة ومليلية عن الخلافات الإقليمية التي تحال عادة على لجنة الأمم المتحدة المكلفة بإنهاء الاستعمار والمعروفة باللجنة الرابعة,
كلما طفا النزاع على الصخرة بين إسبانيا والمملكة المتحدة، يسارع المغرب إلى إشهار ورقة التشابه بين القضيتين ويعلن أن إسبانيا لا يمكن لها أن تطالب بسيادتها على جبل طارق في حين ترفض الحق الشرعي للمغرب في استرجاع سيادته على كل من سبتة ومليلية.
على مستوى راق جدا، حظي وزير داخلية إسبانيا الأسبق سنة 1987 بشرف مقابلة الملك الراحل الحسن الثاني الذي استغل الفرصة ليسلم ضيفه رسالة إلى العاهل الإسباني خوان كارلوس. وقد اقترح الحسن الثاني في رسالته تشكيل حلية تأمل وظيفتها معالجة الوضع المستقبلي للمدينتين المحتلتين. رد الحكومة الإسبانية جاء سريعا حيث أصدرت يوم 24 فبراير 1987 بلاغا أكدت فيه على أن “سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان وسوف تبقيان كذلك بحيث أن إنشاء هيئة من هذا النوع لا يمكن أن يكون مبررا”.
وإذا كان في حوزة المغرب العديد من الحجج الداعمة للتشابه بين القضيتين على أساس أن الصخرة والمدينتين كانت في المقام الأول قواعد عسكرية خضعت كلها لمعاهدات غير متكافئة فرضتها قوى الاحتلال كأمر واقع، (إذا كان ذلك كذلك) فإن ماكسيمو كاجل وألونسو دي لاسيرتا، وهما دبلوماسيان إسبانيان سابقان، قالا في ما كتباه إن المعاهدات والاتفاقيات التي تعتمد عليها السلطات الإسبانية لتبرير سيادتها على المدينتين المغربيتين ليست لها أية قيمة قانونية وأخلاقية، لأنها وقعت تحت الإكراه وكان المغرب آنذاك في موقف ضعف.
ارتباطا بالسؤال المتخذ كعنوان لهذه المقالة، هناك من المراقبين من يرى أن إسبانيا لا يمكن لها أن تستمر في تطبيق سياسة الكيل بمكيالين. وبصرف النظر عن الوضع القانوني للمدينتين السليبتين مقارنة بجبل طارق – يقول المراقبون -قمن غير المنطقي أن تطالب إسبانيا بسيادتها على جبل طارق وهي تواصل احتلال المدينتين المغربيتين بالإضافة إلى الجزر المجاورة.
يعلم رجال السياسة الإسبان علم اليقين أن بريطانيا لن تتنازل عن جبل طارق دون استشارة سكانه الذين يقدر عددهم ب33 ألف نسمة. كما يدركون جيدا أن أي عودة محتملة لجبل طارق إلى إسبانيا من شأنها ان تؤدي إلى الدخول في مفاوضات مع المغرب حول مستقبل المدينتين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube