ضد التيار

*القضاءسلاحاًسياسياً؟*

بقلم: عزيز الدروش

في واقعة تكشف عن إختلالات عميقة في الممارسة السياسية و الديمقراطية داخل الأحزاب المغربية، أقدم نبيل بنعبد الله، الأمين العام الغير الشرعي لحزب التقدم والإشتراكية، على مقاضاة أحد أبرز مناضلي حزب الشيوعي المغربي، عزيز الدروش، لمجرد إعلانه نيته الترشح ضده في المؤتمر الوطني التاسع، مطالباً إياه بتعويض مالي ضخم يُقدر بـ 100 مليون سنتيم من أجل إرهابه. واقعة تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى إحترام حرية التعبير و الرأي والحق في التعدد داخل الحياة التنظيمية الحزبية المغربية.قضية مغيّبة وإعلام صامتالأغرب من جوهر القضية هو التواطؤ الصامت لجل المنابر الإعلامية، وفي مقدمتها حوار أجراه ما يسمى بالصحفي *حميد المهداوي* مع الأمين العام الغيرالشرعي لحزب التقدم والإشتراكية، دون أن يتطرق المحاور إطلاقاً لهذا الملف المثير للجدل و الخطير و الذي يضرب في العمق الممارسةالحزبية. غياب التساؤل عن لجوء زعيم سياسي للقضاء ضد أحد أبرز معارضيه داخل الحزب، يعكس خللاً مهنياً وأخلاقياً يضرب مصداقية العمل الصحفي، ويُسهم في شرعنة ممارسات سلطوية تمس بجوهر التعددية السياسية وحرية التعبير و الرأي و تشجيع الفساد والإستبداد والظلم. خرق سافر للدستور والقانونالدستور المغربي، في فصله 29، يضمن حرية الإنخراط في الأحزاب والنقابات والجمعيات، ويكفل الحق في التعبير والتنظيم. كما يشير الفصل 7 إلى أن الأحزاب السياسية تؤسس وتُمارس أنشطتها في إحترام تام لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. غير أن ما حدث يُعد انتهاكاً مباشراً و خطيرا لهذه المقتضيات، حيث تحوّل الإختلاف السياسي إلى ذريعة للإنتقام القضائي.وبالرجوع إلى القانون التنظيمي للأحزاب السياسية (القانون رقم 29.11)، تنص المادة الثالثة بوضوح على ضرورة إحترام مبدأ *الديمقراطية الداخلية*. فكيف يمكن تفسير مقاضاة مناضل قضا أكثر من 40 سنة في الحزب و المنظمات الموازية له و هو منتوج خالص للحزب فقط لأنه عبّر عن رغبته في الترشح لقيادة الحزب؟ أليس في ذلك تقييد واضح للحق في المشاركة السياسية؟القضاء: من مؤسسة عدل إلى أداة ترهيب؟عندما يُستعمل القضاء لتكميم الأفواه وتصفية الحسابات الداخلية، يصبح أداة ترهيب لا تختلف كثيراً عن أدوات القمع الكلاسيكية. فالمطالبة بـ100 مليون سنتيم كتعويض من طرف نبيل بن عبد الله ضد أحد أبرز قيادات الحزب لا يمكن قراءتها إلا في سياق محاولة إسكات الخصم و ترهيبه، وتحويل الحزب إلى فضاء مغلق لا يحتمل النقد ولا يعترف بالتعدد.التعددية ليست جريمةما جرى لا ينبغي أن يُفهم كخلاف شخصي داخل حزب، بل كأزمة سياسية تُهدد التعددية داخل المشهد الحزبي المغربي برمّته. إستمرار مثل هذه السلوكيات يُكرّس ثقافة الزعيم الأبدي ويقضي على كل أمل في التداول الديمقراطي داخل الأحزاب.دعوة للمساءلة والحمايةأمام هذا الوضع المقلق، فإن المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مدعوون إلى التحرك لحماية الحق في الترشح، وضمان حرية الرأي داخل الأحزاب. كما أن الإعلام المغربي مطالب بإعادة الإعتبار لمهمته الأساسية: الرقابة والمساءلة وكشف الحقيقة.ولا يمكن بأي حال بناء دولة ديمقراطية حقيقية بمؤسسات حزبية تعاني من الإستبداد، وتُدار بعقلية التحكم و الديكتاتورية و الانتقام و الإرهاب المادي و المفكري.

عزيز الدروش

> *من المستحيل بناء دولة قوية، ديمقراطية، وعادلة بمؤسسات وأحزاب ينخرها الفساد، والاستبداد، والحكرة، والتسلط و أشياءأخرى*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID