مستجداتمقالات الرأي

تورّي باتشيكو… مرآة إسبانيا المنسيةعندما يغيب السياق

ايمن الزبير

، تفاجئنا الأحداث ويتعذّر علينا تفسيرها.إليكم محاولة لفهم أزمة تورّي باتشيكو.بقلم أيمن الزبيرفي تورّي باتشيكو، بلدة صغيرة وسط كامبو دي قرطاجنة، يتكثف كل ما يحاول المجتمع الإسباني تجاهله. هنا، يعمل ما يقرب من 20 ألف مهاجر ومهاجرة في حقول الزراعة المكثفة التي تزوّد أوروبا بخضرواتها، بينما يعيش هؤلاء العمال في ظروف تُشبه القرون الماضية.نموذج الإنتاج الزراعي في هذه المنطقة لا يكتفي باستنزاف الأرض، بل يستنزف أجساد البشر أيضًا. لقد غيّر هذا الواقع التركيبة الديمغرافية، وأفرز توترات اجتماعية عميقة، خلقت نوعًا من الفصل غير المعلن:العمال المهاجرون وأبناؤهم في جهة،والعائلات الإسبانية المحافظة في جهة أخرى.مدارس خاصة في بلدات مجاورة وُجدت لتجنّب “الاختلاط”، وكأن هؤلاء العمال يحملون وصمة لا تزول.على المستوى الاقتصادي، تواصل شركات الزراعة بناء أرباحها على معاناة هؤلاء الناس. أجسادهم المنهكة تتحول يوميًا إلى سلعة، تمامًا كما تتحول خيرات الأرض إلى أرباح مضاعفة. وتستفيد هذه الشركات من حالة اللامبالاة المجتمعية والتطبيع التدريجي مع الظلم. كلما زاد الصمت، زادت الأرباح.لكن هذه الحقول لا تخفي فقط عرق العمال، بل تخفي أيضًا جرائم أكبر. ففي عام 2020، اعتُقل تسعة من رؤساء العمال بتهم ثقيلة:ثلاثون جريمة انتهاك لحقوق العمالوخمس وعشرون جريمة تتعلق بالتحرش والاعتداء والإيذاء الجنسي.وفي عام 2025، كُشف عن تحرير 32 امرأة كنّ يتعرّضن للاستغلال الجنسي، إلى جانب خمس أخريات استُغِللن في العمل. ومع ذلك، لم يُعتقل سوى 14 شخصًا، بينما بقي كثيرون طلقاء بلا محاسبة.تورّي باتشيكو ليست مجرد بلدة زراعية.إنها مرآة تكشف وجه إسبانيا حين يتعلق الأمر بالمهاجرين: نظام إنتاجي قائم على الاستغلال، صمت اجتماعي مريب، ويمين متطرف يختزل الكراهية كلها في سؤال بسيط:“لماذا جاؤوا إلى هنا؟”لكن الإجابة واضحة لمن أراد أن يرى:لأن حقول إسبانيا بحاجة إلى أيادٍ رخيصة،ولأن أوروبا تحتاج دائمًا لمن يعمل بصمت…ويموت بصمت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID