رسالة مؤثرة من المناضل احمد المرزوقي الى ابنه ياسين بمناسبة عيد ميلاده

عيد ميلاد سعيد ابني العزيز ياسين..في بعض الأحيان، لا أكاد أصدق بأني خرجت من جحيم تزممارت، وعشت كل هذا العمر، وتزوجت، وأنجبت أطفالا، وذهب إلى الحج، وقمت بعمرتين، وزرت بلدانا كثيرة، وانشرحت، وسعدت، وضحكت، بل وقهقهت ملء حنجرتي وأنا أتلذذ بنعمة الحياة وجمالها الرباني حتى صرت أدرك ما قيمة كأس شاي أترشفه بشغف عظيم وسط الأهل والأحباب والدنيا حولي ربيع رائع ليست له بداية ولا نهاية… وفي هذا الخضم الهائل يابني من السعادة المعتقة، رأيت أشخاصا عذبوني وعذبوا رفاقي بسادية يخجل منها الشيطان ويستنكرها حتى عتاة الأبالسة، رأيتهم ينسحبون من الحياة تباعا بعدما لم يشفوا غليلهم من محنتنا، ولم يرتح لهم بال حتى حرمونا من معاشنا الهزيل بدعوى أن خزينة الدولة خاوية، وفيهم من راتبه الشهري يبنى به مستوصف وسد صغير ومدرسة، ولو كان بوسعهم جدع أنوفنا لجدعوها كي لا نتنفس إلا بالقدر الذي يضمن لنا البقاء في الضنك والاختناق والحرج…وهاهم اليوم قد زالت عنهم الأبهة، وانفلتت من بين أيديهم السلطة، وتحولت عنهم الصحة، فلم يغن عنهم لا مال ولا بنون، ولم يفطنوا إلا وأعينهم شاخصة إلى المصير المحتوم.. يحملقون مبهوتين في ظلمة القبر وما بعده من يوم عظيم جلل، يوم ستبيض فيه وجوه وتسود وجوه.. يوم رهيب مهول ستجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا.. فهل معنى هذا أننا نحقد عليهم ونتشفى فيهم؟أبدا والله.. لو كنا كذلك لما عشنا كل هذه السنين، لأن الحقد والغل والضغينة سموم فتاكة تمزق صاحبها من الداخل ولا تترك خلفها سوى الخراب والدمار… نحن نريد فقط أن نذكر من خلفهم من السكارى بخمر السلطة ومن حل محلهم من المعربدين بخدر الجبروت أن يأخذوا العبرة وينتبهوا إلى أنفسهم قبل فوات الأوان وأن يبروا بهذا البلد الحزين الذي تردت أحواله وتقهقرت مراتبه وتدحرجت معنواياته إلى أسفل سافلين…نعم.. نريد فقط مغربا آمنا مطمئنا يسع لكل المغاربة، مغرب لا فساد فيه ولا انتهازية، ولا محسوبية، ولا سلطوية، ولا أفواه مكممة، ولا أقزام متألهة، ولا أسر مشردة، ولا سجون مملوءة حتى التخمة بالمظلومين..مغرب قد تسعد فيه ياياسين ويسعد فيه جيلك والأجيال التي تليه ثم التي تليه… لا مغرب كالذي سحقنا نحن فيه سحقا ودفنا في سراديبه نصف أحياء وخرجنا من أجداثه نصف أموات…فعسى الله أن يجعل بعد العسر يسرا، وعساه سبحانه وتعالى أن يجعل منك مواطنا بارا صالحا، وقدوة حسنة تجري في دمائها جينات تزممارتية منيعة معقمة من الذل والمسكنة والخنوع…كم أحبك ياولدي.. وكل عيد وأنت لي عيد….