منطق الإقصاء بين حرفية النص وروح العدالة التربوية : من يُربي المربي؟
إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة،
في معترك الفكر التربوي، لا يمكن فصل العدالة عن الفعل التكويني،ولا يمكن الحديث عن إصلاح التعليم دون إنصاف من يسهرون على بنائه.فحين يُقصى الأستاذ،لا لقصور في أدائه أو إخلال بمهامه، بل لتأويل إداري مغلوط لنص قانوني، فإننا لا نكون أمام مجرد قرار إداري، بل أمام انحراف عن جوهر التربية نفسها.
لقد جاء قرار إقصاء فئة من الأساتذة من التكوين المهني الأخير، بحجة غياب الاستمرارية في التكليف منذ سنة 2021، ليطرح أسئلة جوهرية حول المعايير المعتمدة ومشروعية تأويلها. فهؤلاء الأساتذة، الذين تمت دعوتهم للتكوين بناءً على تكليف امتد لأربع سنوات، وجدوا أنفسهم فجأة خارج التكوين، فقط لأن تأويلا جديدا للمادة 85 من النظام الأساسي قرر – وبأثر رجعي – أن ما قاموا به لا يدخل ضمن المطلوب!
غير أن هذه الحجة تسقط أمام المرسوم الوزاري رقم 2.22.69 الصادر سنة 2022، الذي يمنع صراحة التكليف خارج الإطار الأصلي. وبذلك، فإن الوزارة، وهي تطالب باستمرارية تكليف من المفترض أنها ألغته بمرسوم رسمي، تقع في تناقض قانوني واضح: تطالب بشيء تمنعه، وتحاسب على ممارسة قانونية بناءً على منطق غير قانوني.
هنا يبرز ما هو أخطر من الإقصاء نفسه: تغليب حرفية النص – بل وتأويل منحرف لها – على روح القانون ومقاصده العادلة. في الفلسفة القانونية، لا قيمة لنص يُقرأ خارج سياقه، أو يُستخدم لشرعنة قرارات جاهزة، أو يُوظف لتبرير إقصاء غير معلن، خصوصًا في قطاع حيوي كقطاع التعليم.
كيف نقنع الأستاذ بالثقة في مؤسسته، إذا كانت القرارات تُبنى على تأويلات ضيقة ومتناقضة؟ كيف نربي الناشئة على مبادئ الإنصاف، في حين نمارس الظلم على من يفترض أن يكونوا قدوتهم؟
إننا أمام مشهد تربوي يحتاج إلى شجاعة مؤسساتية تعترف بالخلل وتصلحه، لا إلى مزيد من التسويغ والمغالطة. لأن العدالة التربوية لا تُقاس بحسن الصياغة القانونية، بل بمدى استحضار الضمير في تطبيق القانون.
لهذا، ننطال وزارة التربية الوطنية اليوم أن تتدارك هذا الإقصاء، وأن تعيد النظر في تأويلها للمادة 85 في ضوء المرسوم 2.22.69، وتعيد الاعتبار لمن كرسوا سنوات من حياتهم في خدمة المدرسة العمومية.
فالتربية، في نهاية المطاف، ليست قانونًا يُفسر، بل ضميرا يُصان.
عبد الصمد الزاهيدي
