*كلمات* .. في عربدة الاحتلال الصهيوني وحربه على الحقيقة
صمت المنظمات الدولية وصمة عار وتواطؤ الحكام العرب شراكة في الجريمة
د أحمد ويحمان
منذ نشأته على أنقاض الشعب الفلسطيني وتاريخه، لم يتوقف كيان الاحتلال الصهيوني عن ممارسة أبشع الجرائم بحق الشعوب العربية، متجاوزاً بذلك كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية. ومع كل مجزرة أو عدوان، لا يجد الاحتلال سوى الصمت المخزي من المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية والصحفية التي تُظهر ازدواجية معايير فاضحة: صمت مطبق إذا كان الضحية عربياً أو مسلماً، واستنفار كامل لو أن الجرائم ذاتها وقعت في أي بلد غربي. *قتل الصحفيين الفلسطينيين: جريمة حرب ووصمة عار دولية* في غزة، أضاف الاحتلال، صباح الخميس 26 ديسمبر، جريمة جديدة إلى سجله المروع، حيث استهدف خمسة صحفيين فلسطينيين من قناة “القدس اليوم” أثناء تأدية واجبهم المهني، في محاولة واضحة لإسكات الحقيقة. وأفاد شهود عيان، بحسب ما تناقلته مختلف وكالات الأنباء، أن صاروخاً أطلقته طائرة إسرائيلية أصاب بشكل مباشر عربة البث الخارجي، التي كانت متوقفة أمام مستشفى “العودة” في مخيم النصيرات، ما أسفر عن مقتل الطاقم واحتراق السيارة بالكامل. هذه الجريمة الممنهجة ضد الإعلاميين تُظهر خوف الاحتلال من الكلمة والصورة لأنهما تُعريان جرائمه وتفضحانها أمام العالم. لكن الأشد فداحة من الجريمة هو الصمت الدولي عليها. أين المنظمات الحقوقية؟ أين منظمات حماية الصحفيين التي تهبّ للدفاع عن أي صحفي غربي إذا تعرض لأقل انتهاك؟ فلو أن هذه الجريمة وقعت في أوروبا أو الولايات المتحدة، لرأينا استنفاراً غير مسبوق، وصدرت قرارات عاجلة بإدانة الفاعل ومعاقبته. أما عندما يكون الضحايا فلسطينيين أو عرباً، فإن الصمت أو الإدانات الشكلية تصبح القاعدة! *احتلال واستباحة الأرض والماء في سوريا ولبنان* في سوريا، يستمر الاحتلال في انتهاكاته عبر اجتياح قرى وبلدات كثيرة على طول الجنوب واستيلائه على جبل الشيخ ومنابع المياه التي تُعد شريان حياة للمنطقة. أما لبنان، فلا يكاد يمر يوم دون خروقات لسيادته، سواء عبر القصف أو التوغل، وصولاً إلى استفزاز رمزية وادي الحجير، رمز المقاومة، الذي اجتاحته دبابات جيش الاحتلال. ورغم هذه الانتهاكات الصارخة لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي ترعاه وتضمنه قوى دولية وإقليمية كبرى، يبقى المجتمع الدولي متفرجاً، وكأن السيادة العربية لا تستحق الحماية. *غارات على اليمن: استهتار بالقانون الدولي والضحايا العرب* في اليمن، شن الاحتلال يومه الخميس غاراته على مطار صنعاء أثناء وجود مسؤولين دوليين سامين من الأمم المتحدة، ولم يتوقف عند ذلك، بل استهدف منشآت مدنية كالمطارات ومحطات الكهرباء في صنعاء والحديدة. فأين الأمم المتحدة نفسها التي تعرضت مقراتها في اليمن للقصف؟ هل كان هذا التجاهل سيحدث لو أن هذه الجرائم استهدفت منشآت في أوروبا أو أمريكا؟ *14 شهراً من المجازر اليومية في فلسطين* منذ أكثر من عام، والمجازر بحق الشعب الفلسطيني لا تتوقف. عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين يقضون تحت أنقاض القصف الإسرائيلي بينما العالم يُشيح بنظره. وفيديوهات أكل الكلاب لجثامين الشهداء في غزة أصبح أمرا عاديا . هل هذا الصمت هو مجرد عجز، أم أن هناك إرادة دولية لتسهيل استمرار هذه الجرائم بينما الضمير يعود لسباته بعد يقظة ثورة الشباب والطلاب ؟ *ازدواجية المعايير: الوجه القبيح للمنظمات الدولية* إن صمت المنظمات الحقوقية والصحفية الدولية على هذه الجرائم المروعة ليس مجرد تقصير، بل هو انحياز فجّ ووصمة عار على جبين هذه المؤسسات. هل يمكن لهذه المنظمات أن تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة وهي تتجاهل القتل العمد للصحفيين الفلسطينيين؟ هل يمكنها أن تُقنع العالم بمصداقيتها وهي تغض الطرف عن جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي بصرامة لو وقعت في أي مكان غربي؟ *تواطؤ الحكام العرب: شراكة في الجريمة* أما معظم الحكام العرب، فتخاذلهم وخيانة بعضهم أكبر من أي صمت دولي. إن مواقفهم المخزية بين صمت مطبق وتواطؤ مكشوف تمثل وصمة عار في تاريخ الأمة. فبعض الأنظمة تفتح أبواب التطبيع للاحتلال، تعقد معه صفقات تجارية وأمنية بينما تحترق غزة وتُذبح فلسطين. بل إنها يدتساهم في تبرير جرائم الاحتلال، وكأن القضية الفلسطينية لم تعد تعنيها، وكأن ما يحدث في سوريا ولبنان واليمن لا يمت لها بصلة. لقد أظهرت بعض هذه الأنظمة أنها أكثر خيانة من أعداء الأمة .. يخذلون شعوبهم ويسلمون قضاياها على طبق من ذهب للعدو. فقد كانت القضية الفلسطينية، تاريخيا، محور النضال العربي، لكن الأنظمة اليوم تخلّت عن مسؤوليتها ورضخت لإملاءات القوى الاستعمارية الكبرى . *وصمة عار لن تُمحى* خلاصة القول هي إن عربدة الاحتلال الصهيوني واستهدافه الأرض والإنسان والحقيقة، ليست مجرد جرائم ضد الشعوب العربية، بل هي تحدٍّ صريح للإنسانية كلها. وإذا استمر هذا الصمت الدولي الفاضح، فإن التاريخ سيكتب أن العالم وقف متفرجاً أو متواطئاً بينما كان الاحتلال ينفّذ أفظع جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والفصل العنصري والتطهير العرقي … *آخر الكلام* إن موقف العالم من مآسينا ليس مجرد انحياز، بل هو وصمة عار على جبين الإنسانية، يكشف عن ازدواجية معاييرها المخزية. أما الشعوب العربية والإسلامية، فعليها أن تدرك أن التعويل على المؤسسات الدولية أو الحكام الصامتين، بل والمتواطئين في بعض الأحيان، ليس سوى وهم قاتل. إن التاريخ لا يرحم، وسيسجل أن الحكومات والأنظمة تخلت عن قضايا الأمة، لكن الشعوب الحرة وحدها تظل قادرة، عبر المقاومة بكل أشكالها، على مواجهة الاحتلال وإعادة الكرامة للأرض والإنسان. الكلمة الأخيرة للشعوب التي تؤمن بأن العدالة لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعاً.
رئيس فيدرالية الصحفيين المغاربة سابقا .. رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع