كلمات :في رسالة العلم والعلماء *الفضيحة .. والجوهري في معناها*
الرباط 24 نونبر 2024
د . أحمد ويحمان
موضوع كلمات اليوم هو عنتزوير اختبارات الأئمة والمؤذنين في خنيفرة واستقالة/ إقالة إدريس الإدريسي . فقد شهدت مدينة خنيفرة المغربية مؤخرًا حادثة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الدينية والإعلامية، وهي تزوير نتائج اختبارات الأئمة والمؤذنين. هذه القضية التي كشفت عن خروقات في عملية اختيار المرشحين أثارت تساؤلات حول نزاهة المؤسسات المعنية بتدبير الشأن الديني، وهو ما دفع السيد إدريس الإدريسي، المسؤول الإقليمي عن الشؤون الإسلامية بخنيفرة، إلى تقديم استقالته كما يقول أو إقالته كما يقول مبعوثي المجلس العلمي الأعلى في لجنة التحقيق التي شكلها للتحري والبحث في الموضوع . فما هي القصة بالضبط ؟ وما هي الخلفيات والمعاني فيها، ليس على المستوى المحلي بمدينة خنيفرة وحسب وإنما على المستوى الوطني ككل ؟ *في ملابسات القضية* اعتبارا للمصادر التي نقلت الخبر، تم الكشف عن تزوير في نتائج الاختبارات التي تجرى لاختيار الأئمة والمؤذنين المكلفين بخدمة بيوت الله. هذه العملية، التي يُفترض أن تُدار بأقصى درجات النزاهة والشفافية اعتبارا لطبيعة هذه المؤسسات والمهام المنوطة بها، غير أنها يتم استغلالها من قبل أطراف يشتبه في تورطها لتحقيق مصالح شخصية أو لتمرير أسماء بعينها على أسس الزبونية والمحاباة وليس على معايير الاستحقاق. الأمر هنا لا يتعلق فقط بالإخلال بميثاق الأمانة والامتثال للقوانين والأنظمة المؤطرة للمجال، بل يمتد ليهدد مصداقية المؤسسات الدينية التي تعد أحد أعمدة الاستقرار الروحي والاجتماعي في المغرب. *إدريس الإدريسي .. الاستقالة أم الإقالة ؟* في سياق هذه التطورات، قدم وأعلن السيد إدريس الإدريسي، المسؤول الإقليمي عن تدبير الشؤون الإسلامية بخنيفرة، استقالته من منصبه، وهو ما أثار العديد من التكهنات حول ما إذا كانت بسبب ضغوطات من جهات ما ؟ أم إنها شعور بالمسؤولية إزاء ما حصل ؟ وهذا ما تضيع فيه الحقيقة بين ادعاء لجنة تحقيق الوطنية للمجلس العلمي بإقالته وبين تأكيد المسؤول الإقليمي في بيانين له بأنه هو الذي قدم استقالته احتجاجا على هذا الانحراف الديني والقانوني والأخلاقي . *للقضية أبعاد لا يمكن القفز عليها .* *أ . البعد الأخلاقي والديني:* يعد تزوير نتائج اختبارات الأئمة والمؤذنين خرقًا صارخًا للقيم الإسلامية التي تضع النزاهة والأمانة في صلبها، إذ كيف يمكن لأئمة وصلوا بطرق ملتوية أن يُوجهوا المصلين وهم أنفسهم لم يلتزموا بالقيم الدينية في الوصول إلى مناصبهم؟ *2. البعد الإداري والقانوني:* هذه القضية تسلط الضوء على ثغرات في منظومة تدبير الشؤون الدينية بالمغرب. وتطرح مسالة الرقابة الكافية على العمليات الإدارية ومدى الانضباط للنصوص القانونية المنظمة للحقل الديني . ويتضاعف القلق واهتزاز الثقة عندما تشوب الشوائب حتى التحقيقات التي يتم فتحها لمعالجة المشاكل ومحاسبة المتورطين فتصبح هي نفسها محط شبهات بشأن انعدام نزاهتها وتواطئها في التستر على الفساد !! *3. البعد المجتمعي:* خيانة الأمانة في مجال حساس كالشؤون الدينية يؤدي ، – كما اسلفنا – إلى تآكل الثقة بين المواطنين والمؤسسات. فالأئمة والقيمون الدينيون والمؤذنون ليسوا فقط موظفون مكلفون بمهام، وإنما هم، على نحو ما، قادة روحيين، بل إنهم، بأعين عموم الناس، يُعتبرون رموزًا أخلاقية في المجتمع . *خلاصة القول* يمكن اعتبار استقالة إدريس الإدريسي فرصة أخرى لالتقاط الخيط حيث يجب للتوجه نحو إصلاح حقل كله ألغام تزيد مخططات أجنية خطيرة في تفخيخه يوما عن يوم . ففي هذه القضية، ينبغي عدم إظهار أي تساهل بفتح تحقيق شفاف شامل ومستقل لكشف ملابسات التزوير ومحاسبة كل المتورطين وبصرامة، سواء في تزوير الاختبارات، إذا حصل أو في تستر لجنة التحقيق على المتورطين، إذا حصل .. وإلا بمحاسبة إدريس الإدريسي إذا ثبت أنه مجرد مدعي . إن الأمر لا يقتصر على إقليم خنيفرة، وإنما الأمر يهم كل الوطن المطالب بإصلاح إداري شامل، ليس في مجال الاوقاف والشؤون الإسلامية وحسب، وإنما لمراجعة آليات الاختيار في كل الاختبارات على أسس الكفاءة والاستحقاق والشفافية وبشكل نزيه، وليس على أسس الزبونية والاستزلام والمحاباة. *آخر الكلام* إن قضية تزوير اختبارات الأئمة والمؤذنين بخنيفرة واستقالة/ إقالة إدريس الإدريسي ليست حادثة عابرة، بل إنها تمثل جرس إنذار آخر عن استشراء مظاهر الفساد وجب تدارك اختلالاته قبل أن تستعصي وتستحيل معالجتها إلى المستحيل .. ويكون قد فات الأوان . وعندما يزحف الفساد إلى بيوت الله من أساساته، وقد سبق، في *كلمات* عديدة أن أثرنا وتحدثنا عن سوابق في هذا الصدد بهذا المجال، فإن من حق المغاربة أن يقلقوا فعلاً .ورحم الله الشاعر سفيان الثوري عندما تنهد و زفر زفرته قائلا :
*”يا رجال العلم يا ملح البلد من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد”* . ؟؟-
باحث في علم الاجتماع