أخبار دوليةمستجدات

تحليل.. قراءة في زيارة سانشيز إلى المغرب والجزائر على هامش دائرة الواقع الجيوبوليتكي

بقلم عبدالحي كريط

تعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، الاشتراكي بيدرو سانشيز إلى المغرب، زيارة استثنائية نظرا للسياق الإقليمي والدولي المضطرب وذلك نظرا لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية في قلب أوروبا ودخول العام الثالث لهذه الحرب والتي أثرت على القارة العجوز.

إضافة إلى إندلاع حرب غزة بين حماس و فصائل المقاومة الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي وخطر إمتدادها إلى سائر منطقة الشرق الأوسط والتحولات العميقة التي تشهدها دول أفريقية بعد الانقلابات العسكرية التي أطاحت بأنظمتها وتقلص النفوذ الفرنسي بهذه الدول وامتداد النفوذ الروسي بدول غرب إفريقيا.

 وتعد هاته الزيارة هي الأولى من نوعها بعد إعادة انتخابه والثالثة في أقل من سنتين بعد زيارة في 7 ابريل 2022، وزيارة ثانية في فبراير 2023 خلال القمة المغربية الإسبانية.

إن اختيار سانشيز للمغرب كأول بلد خارجي مباشرة بعد إعادة انتخابه وتشكيله لحكومته الاشتراكية التقدمية يؤكد على متانة العلاقات الاستراتيجية بين الرباط ومدريد.

كما ستكون هذه الزيارة منطلقا نحو حل مجموعة من القضايا الخلافية ومحاولة تجاوزها من خلال التوافق كمسألة الجمارك التجارية بسبتة ومليلية وقضية الهجرة غير الشرعية..

وهدفت هذه الزيارة أيضًا إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات للتحضير لمونديال 2030  الذي ستحتضنه المغرب وإسبانيا والبرتغال.

وكانت قضية الهجرة حاضرة في محادثات سانشيز بالرباط نظرا لأهمية التعاون مع المغرب في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

يحدث ذلك في وقت تعاني فيه إسبانيا من موجة جديدة من الهجرة غير النظامية على الرغم من أن غالبية يأتون من موريتانيا (وهي الدولة التي سافر إليها سانشيز مؤخرا مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين) وليس من السواحل المغربية.

ووصف رئيس حكومة جزر الكناري فرناندو كلافيخو، هذا الاجتماع بأنه “مفاجئ”.

وإلتقى وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا في يناير مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت في الرباط وشدد على التعاون المكثف في مجال الهجرة والإرهاب، والذي تجسد في 14 عملية مشتركة لمكافحة الإرهاب العام الماضي.

متغيرات جيوبوليتكية والجزائر خارج الواقع 

زيارة سانشيز جاءت في توقيت مفصلي بعد عدة متغيرات جيوبوليتكية بالمنطقة و في سياق خاص يتسم أولا بتطور غير مسبوق للعلاقات المغربية الإسبانية خصوصا بعد اعتراف مدريد بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وتجديد مرة أخرى على لسان سانشيز من قلب الرباط على التأكيد بواقعية المبادرة المغربية بالصحراء.

 وثانيا بتحركات دبلوماسية للقوى الإقليمية في منطقة الساحل( غرب إفريقيا) وإنحسار الدور الجزائري التخريبي في المنطقة من خلال إستعمال ميلشيا البوليساريو للتشويش على الانجازات التي حققتها المملكة المغربية في إفريقيا.

وأصبحت المملكة المغربية اليوم حامل لواء إفريقيا الجديدة ورائدا حاسما لمستقبل القارة السمراء، وإسبانيا أدركت هذا المتغير وغيرت من سياساتها السابقة بشأن الصحراء المغربية، وأيقنت أن العمق الإفريقي للمغرب له دور هام في حفظ السلام والأمن بين القارتين.

إضافة إلى الدور الاقتصادي الضخم للمغرب في إفريقيا وهي بوابة الاستثمار وفتح آفاق إقتصادية جديدة للدول التي حسمت أمرها من النزاع الإقليمي المفتعل.

وإسبانيا أدركت هذا التحول في عهد سانشيز على غرار العديد من الدول وأنه لاسبيل لبناء مستقبل مستدام بين الضفتين إلا من خلال إحترام الثوابت المقدسة للمملكة المغربية.

وهذا ما أكد عليه وعبر عنه سانشيز خلال لقائه بالملك محمد السادس بالقصر الملكي في الرباط وأكد عن إهتمام إسبانيا بالمبادرات الاستراتيجية التي أطلقها جلالة الملك، خاصة مبادرة البلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذا أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي نيجيريا – المغرب”.

 وأثار التغيير في الموقف الإسباني بشأن الصحراء أزمة دبلوماسية مع الجزائر، وكان وزير الشؤون الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس على وشك الزيارة الأسبوع الماضي، لكنها تم تعليقها في اللحظة الأخيرة “لأسباب تتعلق بجدول الاعمال الجزائرية.

ويبدو أن النظام العسكري الجزائري لازال لم يستوعب أن الاستثمار في ميليشيا انفصالية ودعمها لزعزعة استقرار المغرب هو كذلك زعزعة لاستقرار المنطقة بدليل أن إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة صنفت في وقت سابق من هذا الشهر مخيمات تندوف الموجودة بالتراب الجزائري وتحكمها المليشيا ضمن اللائحة السوداء وغير الآمنة.

زيارة سانشيز إلى المغرب كانت رسالة واضحة للنظام الجزائري الذي لازال يعيش على هامش دائرة الواقع،  وأن مدريد لن تغامر بعلاقاتها مع المغرب الذي تربطه أواصر حضارية وتاريخية وثقافية قوية منذ قرون عديدة وتمازجت فيها أواصر القربى والدم كذلك.

إن التوجس سيظل قائما بين المملكتين العريقتين بحكم الجوار والتاريخ والجغرافيا والمصالح، فهو تاريخ ضد كل منطق وفق توصيف الكاتب والمترجم المغربي محمد المساري خلال محاورتي له في مقابلة أجريتها معه في عز الأزمة الإسبانة المغربية منذ 3  سنوات.

فبين الجوار الحذر واللامنطق التاريخي على ضفتي المضيق تبقى هذه المعادلة هي السائدة بين المغرب وإسبانيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube