شخصياتمستجدات

نحن وإسبانيا‮:‬ لا‭ ‬شيء‭ ‬سيعود‭ ‬كما‭ ‬كان

عبد الحميد جماهري


أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬تكسرت‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬ولن‭ ‬يعاد‭ ‬إصلاحها‭ ‬بالتقاليد‭ ‬السابقة‭ ‬للديبلوماسية‭ ‬المعروفة‮.‬
‭ ‬الثقة‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬تكسر‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬مدريد‭ ‬‮.‬
فقد‭ ‬استقبلت‭ ‬العدو‭ ‬رقم‭ ‬واحد‭ ‬للمغرب،‭ ‬زعيم‭ ‬الانفصاليين،‭ ‬والذي‭ ‬أعلن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬13‭ ‬نونبر‭ ‬الماضي،‭ ‬بمناسبة‭ ‬تطهير‭ ‬معبر‭ ‬الكركرات‮..وقبل هذا التاريخ. ‬

‭ ‬عندما‭ ‬استقبلته‭ ‬إسبانيا،‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬باحتضان‭ ‬المحارب‭ ‬الذي‭ ‬يتوعد‭ ‬المغرب‭ ‬صباح‭ ‬مساء،‭ ‬ثم‭ ‬باستقباله‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الخانة‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬الجزائر‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬النزاع‭.‬
‭ ‬وهي‭ ‬ثاني‭ ‬محتضن،‭ ‬الآن،‭ ‬للغالي‮:‬‭ ‬لقد‭ ‬ادعت‭ ‬بأنها‭ ‬تحتضنه‭ ‬طبيا‭ ‬وإنسانيا،‭ ‬لكن‭ ‬بتصعيد‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬الاحتضان‭ ‬السياسي‭ ‬والديبلوماسي،‭ ‬وغدا‭ ‬ربما‭ ‬العسكري،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المساعدات‭ ‬الإسبانية‭ ‬للانفصاليين‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬اليورو‭ ‬إلى‭ ‬الدبابات‭ ‬الروسية‭.‬
‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الباحث‭ ‬المغربي‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬الورزازي‭ ‬محقا‭ ‬عندما‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬يورو‭ ‬سنويا‭ ‬كدعم،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬بشراء‭ ‬عشر‭ ‬دبابات‭ ‬روسية‭ ‬في‭ ‬السنة‮..‬
لقد‭ ‬تكسرت‭ ‬أيضا‭ ‬أعراف‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬وزوايا‭ ‬نظر،‭ ‬كانت‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الأمس‭ ‬تحدد‭ ‬توجهات‭ ‬الريح‭ ‬والديبلوماسية‭ ‬في‭ ‬الحوض‭ ‬المتوسطي،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬إسبانيا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مطالبة‭ ‬بالإجابات،‭ ‬صارت‭ ‬تطلبها‭ ‬من‭ ‬السفيرة‭ ‬المغربية‭.‬
‭ ‬وإسبانيا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬إجابات‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬العدو‭ ‬رقم‭ ‬واحد،‭ ‬بدأت‭ ‬تهرب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬معطيات‭ ‬المشاكل‭ ‬وأساساتها،‭ ‬بالبحث‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬الهجرة،‭ ‬عن‭ ‬مطالب‭ ‬للمغرب،‭ ‬أو‭ ‬الزج بالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭…‬
إسبانيا،‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬حكومتها‭ ‬كسرت‭ ‬توافقات‭ ‬داخلية‭ ‬كبيرة‭ ‬حول‭ ‬أولوياتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬واستفرد‭ ‬بيدرو‭ ‬سانشيز‭ ‬بالمواقف‭ ‬الانفرادية‭ ‬المعادية‭ ‬للمغرب،‭ ‬ولم‭ ‬يستشر‭ ‬حتى‭ ‬مكونات‭ ‬بلاده،‭ ‬كا‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بلانتينا‭ ‬فيرو،‭ ‬الناطقة‭ ‬باسم‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الإسباني،‮ ‬والتي‭ ‬اتهمت‭ ‬سانشيز‭ ‬بأنه‭ ‬ساير‭ ‬بوديموس‭ ‬الراديكالي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تهم‭ ‬‮»‬أجندة‭ ‬الدولة‮«‬‭ ‬الخارجية‭…‬
إسبانيا‭ ‬هربت‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬أيضا‭ ‬عندما‭ ‬خبأت‭ ‬عن‭ ‬شعبها‭ ‬استضافتها‭ ‬رجلا‭ ‬مطلوبا‭ ‬للعدالة،‭ ‬فضربت‭ ‬مصداقية‭ ‬الدولة‭ ‬ثم‭ ‬مصداقية‭ ‬القضاء‭ ‬الإسباني‭ ‬ثم‭ ‬أخيرا‭ ‬توازنات‭ ‬إقليمية‭ ‬‮..‬كبيرة‮.‬
فهل‭ ‬كانت‭ ‬إسبانيا،‭ ‬حكومتها‭ ‬بالأساس،‭ ‬هاوية‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬أم‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تستبق‭ ‬الأزمة‭ ‬والتغيرات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬المحيط‭ ‬الأورومتوسطي‭ ‬‮/‬‭ ‬وقد‭ ‬قدمت‭ ‬قراءة‭ ‬أولية‭ ‬عدائية‭ ‬لتحولات‭ ‬السياق‭ ‬الجيواستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‮..‬؟
إذا‭ ‬كان‭ ‬كذلك‭ ‬فهي‭ ‬قراءة‭ ‬عمياء،‭ ‬لأن‭ ‬الاصطفاف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الجزائر‭ ‬والبوليساريو،‭ ‬هو‭ ‬اصطفاف‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬يعيش‭ ‬أزمة‭ ‬شرعية‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬وحلها‭ ‬الذي‭ ‬يتراءى‭ ‬للعالم هو‭ ‬حمام‭ ‬دم‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الشرقية،‭ ‬واصطفاف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حركة‭ ‬متماوتة تحمل‭ ‬المشاريع‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الانفصاليون‭ ‬الكاطالانيون‭ ‬لإسبانيا،‭ ‬وأي‭ ‬انحياز‭ ‬غير‭ ‬مفكر‭ ‬فيه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬بالدمار‭ ‬‮..‬
المغرب‭ ‬ظل‭ ‬يتحمل‭ ‬‮»‬الحياد‮» ‬المعلن‭ ‬لمدريد‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬تسعها‭ ‬لائحة‭ ‬الديبلوماسية،‭ ‬لائحة‭ ‬لا‭ ‬يبرر‭ ‬الصمت‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬الصبر‭ ‬والإيمان‭ ‬بحسن‭ ‬الجوار‮: ‬
‮-‬زيارة‭ ‬سانشيز‭ ‬لسبتة‭ ‬ومليلية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أسلافه‭ ‬يتفادونها،‭ ‬التعالي‭ ‬عن‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬مجيء‭ ‬غالي،‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬خصوم‭ ‬المغرب‭ ‬دوليا‭ ‬وداخليا،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬طلب‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬ترامب‭ ‬القاضي‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الصحراء،‭ ‬استقبال‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬الجمهورية‭ ‬الوهمية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الحكومة،‭ ‬النشاط‭ ‬المعادي‭ ‬في‭ ‬بلديات‭ ‬وبرلمانات‭ ‬وجمعيات‭ ‬إسبانية‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬رفع‭ ‬الأعلام‭ ‬الانفصالية‭… ‬إلخ،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬واجهه‭ ‬المغرب‭ ‬بصبر‭ ‬أيوب‮.‬‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الباحث‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬الورزازي،‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يرفع‭ ‬أعلام‭ ‬الانفصاليين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يطالب‭ ‬باعتراف‭ ‬إسبانيا‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬أراد‭ ‬فقط‭ ‬الحياد‭ ‬المعلن‭ ‬عنه،‮«‬‭ ‬كحياد‭ ‬حقيقي‮…‬‭.‬
إسبانيا‭ ‬هي‭ ‬الدولة،‭ ‬التي‭ ‬سحبت‭ ‬جيشها‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خاض‭ ‬المغرب‭ ‬معركة‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬ثم‭ ‬مسيرة‭ ‬خضراء،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬نكست‭ ‬علمها‭ ‬في‭ ‬العيون‭ ‬وفي‭ ‬الثكنات‭ ‬وهي‭ ‬تغادر‭ ‬الصحراء،‭ ‬وتعرف‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬مكانه،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تغطي‭ ‬التاريخ‭ ‬بالغربال‭ ‬المثقوب‭ ‬لنزعات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭.‬
‭ ‬إسبانيا‭ ‬تسيء‭ ‬لنفسها‭ ‬أيضا،‭ ‬وهي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬وبين‭ ‬فرانكو‭ ‬وجيشه‭ ‬إبان‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الصحراء‮..‬
الواضح‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الجارة‭ ‬شمالا،‭ ‬أمامها‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭ ‬للغاية‮:‬‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬السلة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬كثيرا‭ ‬نحو‭ ‬مدريد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الرباط،‭ ‬هي‭ ‬المبرر‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬التعاون،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬القاعدة‭ ‬السيادية‭ ‬هي‭ ‬قاعدة‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬وعلى‭ ‬العلاقات‭.‬
ولا‭ ‬شيء‭ ‬سيبقى‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬قبل‮..‬
أمام‭ ‬إسبانيا‭ ‬فرصة‭ ‬تسريع‭ ‬تحرك‭ ‬القضاء،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتسارع‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬البلدين.ولما‭ ‬ستقوم‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬به،‭ ‬وقتها‭ ‬ستصبح‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬ممكنة،‭ ‬وقراءة‭ ‬العلاقات‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ممكنة،‭ ‬وسيكون‭ ‬على‭ ‬إسبانيا،‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬أن‭ ‬تسلم‭ ‬في‭ ‬عقلها‭ ‬السياسي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬فاعل‭ ‬إقليمي‭ ‬وقاري‭ ‬ودولي‭ ‬‮(‬‭ ‬أمريكا‭ ‬تطلب‭ ‬تدخله‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮/‬‭ ‬العالم‭ ‬يطلب‭ ‬تدخله‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬‮)‬‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‮.‬‭ ‬
كما‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬حسابها‭ ‬أن‭ ‬شعار‭ ‬المغرب‭ ‬الحالي‭ ‬‮:‬‭ ‬التغيير‭ ‬عوض‭ ‬التدبير‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬صارت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬العقيدة‭ ‬الجديدة‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدول‭ ‬ومواقفها،‭ ‬وأن‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬هو‭ ‬حل‭ ‬مقبول‭ ‬وضروري،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬السلمي‭ ‬هو‭ ‬الطريق،‭ ‬بدون‭ ‬التقدم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدرب‭ ‬وبدون‭ ‬الإعلان‭ ‬الصريح‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬صحرائه،‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يرضي‭ ‬المغرب،‭ ‬ولا‭ ‬يساير‭ ‬طموحاته‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‮..‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube