عبد المجيد موميروسمستجداتمقالات الرأي

إِتِّحادُ كُتَّابِ المغْرِبِ : يُريدُونَهُ مُلْحَقًا خَنُوعًا، وَ نُريدُهُ نِبْرَاسًا سطُوعًا!


بقلم عبد المجيد موميروس

فَلَكَمْ .. سبَق لِي أنْ نَبَّهْتُ؛ إلَى أنّ ترجمةَ التّرَاكِيبَ التِّقْنِية الوَارِدَة، ضمن خُطَاطَاتِ ما سُمِّي بتقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد. قدْ كانتْ تَسْتَوْجِبُ من كَتَبَةِ سُطُورِهَا المُبَعْثَرَة، على أرض الواقع المغربي المعاش. كانت تستوجب تحديدَ دَيْدَنِ الهُويِّةِ الثقافية المُسْتَلَبة، الضَّامِر بين نِسْبِيَّة التّخْمِيناتِ، وَ بينَ المُحتَمَل المغربي المنْشود. فَعِندَ إستِقرَاءِ مآلاتِ النموذج المُفَرْنَس الذي طَرحَه السيد شكيب بنموسى، بين مضمار برنامج حكومة عزيز أخنوش، أي فيما يتعلق بالنظام التعليمي المُعتمد. يَظهرَ بالمَفْضُوح المُبين أَنَّنا أمام أَضْغَاث أَماني مُفَكَّكَة، قَد رهَنَت مصيرَ الوطنِ و المواطنينِ. إذ؛ لَيسَ بِمُسْتَطَاعِ عَقْلِيات تِكْنُوقْراطية قَاصِرَة، إِنْتَاجَ خارطَة طريقٍ علمية-عملية مُتَكَامِلة، دون تحديدِها لبوابة المدخل التثْقيفي. هَذَا المَدخل القَمِين بَتَمْكِينِ المجتمع المغربي من الحق في قِيَمٍ حياتيَّة خلّاقة، تَرصُّ البُنْيَانَ الثَّقافي الوطني بِفَخْر الهوية الجامعة. مثلما تُتبِّثُ الأمَلَ، و تُحَفِّز على التَّزَوُّدِ بمفاهيم العمَل الجديدة، و اكتساب المَهَاراتِ المُستَجَدَّة. و الإنخراط بوعي و مسؤولية في تثبيت أركان المخططات الإصلاحية الوطنية.

ذلك كَي تساعِد على الارتقاءِ بالوطَن و السّيرِ به، نحو إنجاز الوثبة الحضارية المرغوبة. من خلال إبداع نموذج تنموي محلي، نستطيع به كَسبَ رِهانِ استِكمالِ بناءِ مغربِ “المسَاواةِ للجَميعِ”. و عبر تَوْطيدِ الثّقةِ في المكتسباتِ، و تحفيز النفوس على المثابرة، في أفق الوصول إلى التَّسْريع الاقتِصادِي الشامل، و النَّجاعَة المؤَسَّسِيّة دُونَ الانغلاق على الذات.

بالتالي؛ يُشَكل الجواب التّثْقِفيّ مَدخلا أساسيا لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة. و التي لن تكتملَ عدَا بِإشراك جَيْلٍ ثَقَافي مَحَلِّي مُبْتَكَرٍ و مُبْدِعٍ، جَيْلٍ مَغربي جديد يُبدع من أجلِ وحَدَة الوَطَن و تقدمه الحضاري. مثلما ينافح عن الكرامة، و يناضل لِمَصلحَة تحسِينِ مُحيطِ عَيشِ الموَاطناتِ و الموَاطِنينَ.

وَ لا مجالَ لِحُسْنِ التَداولِ و المناظرة و المحاورة و المجادلة و المُحَاجَجة، حول تَرَاكُبِية مَفاهِيم التّنميَّة و الديمُقراطيّة و الحُرية و المساواة. عَدَا عندَ رَحابَة الفَضاءِ الثقافي المشْتَركِ، المؤَسَّسِ بدَوْرِه على أَوْتَاد الجوابِ التثقيفي العَميق، المُنْبَعِثِ من رمادِ المجتمع السّحيق. كما المُرتَكِز؛ على مبدأ “التَّعَدُّدِيَّة المُتَسَاوِيَّة” في تَنميَّة الوَعْيِ و الذَّوْقِ، و تَقوِيَّة حِسِّ التَّمَدُّن، و التَّرَقِّي بأحكام المواطنة الدستورية. فَأنه ذاتُ الجوابِ الديمقراطي التَّشَارُكِي، الذي يضمنُ القُدرَة علَى إلتِئَامِ جميعِ مُكَوِّناتِ إتحاد كتاب المغرب، لِرَفْعِ تحَدِّيَات مرحَلةِ التِّقْنية العَالية. و الإنطلاقِ من واسع الأملٍ مع العملِ، قصد تنقيح النمُوذج التَّنمَوِي المغربي من شوائبه الثقافية.

و أنَّ على اتحاد كتاب المغرب واجب النضال الأدبي، من أجل إِحلالَ القِيَم البَنَّاءة، الفاعِلة في وثبة التَّخْليصِ منَ الفَوارِقِ الإجْتماعِيّةِ و المجَاليَّةِ. و أيضا؛ في سبيل الإستعاضة بالمنَاهِج العِلميَّة الرَّائِدَة، التي تجْعَل منَ الرَّقْمَنَة التَّعليميَّة وَرْشًا عُمُوميّا مُنتِجًا لأجيالٍ ثَقَافية جديدةٍ. ذلك؛ وفقَ إستِعَاضَةٍ إِصلاَحِيَّةٍ مَحَلِّيَّةٍ ثاقِبَةٍ، تَعمَلُ علَى تَطوِيرِ دِينَامِيَّةِ المجتمَع المحَلي و مُؤَسَّساتِه القَريبَة، و رعاية تَفاعُلِ العَلاَقاتِ الثَّقافِيّة و الاجْتِماعِيّة و الاقْتِصادِيّة المحليَّة، معَ زَمَنِ الرَّقْمَنَة السَّائِلَة و تِقْنِيَّاتِ الذّكاء الاصْطِناعي. إذْ يَستَحِيلُ الإنتماءُ المُوَاكِبُ لِسُنَنِ التاريخِ البَشَري، و الإنخِراطُ المُشَارِكُ في رَسمِ الفُسَيفِساء الحضاري العالمي. عَدَا بتَقديمِ الإضَافَة النَوْعِيّة للمَنتُوجِ المَحلِي، و إعادَةِ تَحْيين شَخْصِيَّتِهِ الأَصِيلَة.

و لَعَلّ كوارِثَ التَّنافُرِ، وَ غَمَّ التَّضَادِّ، وَ هَمّ التَّدَابُزِ القِيَمِي، و التطاحن السّياسي الاجتماعِي و التَربَوِي، داخلَ الوَاقِع الإفتراضي المغربي. بالإضافَة إلى فَواجِع الإِنْزِلاقاتِ الاحتِجاجيّةِ، و فَظاعَاتِ التَّفاوتاتِ الطَّبَقِيّة الصّارِخة، و شُيُوعٍ مَظاهر الرِّيعِ الفَظِيعِ. دونَ التَّغافُلِ عن مَصَائِبِ العَقْلِيَّاتِ الجامِدَة و التَّصَرُّفاتِ البَاليّة المُحْبِطَة، و خَسائِر إهْدَارِ الوَقْتِ و الجُهْدِ و المالِ. جَمِيعُهَا مَشاهِدٌ تَخْتَصِرُ التَّعبيرَ ، عن النَّواقِصِ الجَسيمَة. كَيْ تُوَضِّحَ بِجَلاءٍ، تَقَادُمَ الجوابِ الثّقافي الحَالي، الذِي يَعيشُ علَى حَصيلَةِ الفَشلِ في بناءِ حداثةٍ بخصائصَ مَغربيّةٍ سَليمةٍ. إ؛ لم يَتخلِّصِ المجتمَع المغربي، من تَفشِّي أَمراضِ التَّوَهُّمِ وَ العَجْزِ و التَّواكُلِ و الاسْتِيلابِ المُريعِ. كما غَلَبَت مُؤَثِّراتُ الدُّونِيَّة الثقافيَّة، و طَغَتْ مظاهِرُ التَّبدِير الاستِهْلاكي الساذَج، و سَيْطَر التَّعَصُّب الأعمى على مَفاتيح الرّحمَة. ثم انتَشَر الخطابُ العَدَمي المُحْبِط، المُؤَدِّي إلى سَعير الهزيمة المعنوية، و إفْشَالِ مَشْرُوع الإِصْلاحِ في إِطار الإستمراية.

إِيْ نَعَمْ؛ قد فَشلَ الجواب القديم المُتَجَاوَزُ، في بناءِ حداثةٍ تَنْوِيرِية بَنَّاءة. تجعل الإنسان المغربي قَادِرًا على المشارَكة في زمَن الثورة التكنولوجيا العالية. إنما من موقع مَحلّي فاعل، مُعتَز بِشَخْصِيَّتِهِ الثقافيّةِ المُنفتِحة. نَاهِضٍ بِالتلاقُحِ الحضاري، و تَبادُل التأثير بما يؤشر على السطوع الثقافي المغربي. و التي تُعَزِّزُ من فَرَضِيَّاتِ الاختيار الحُرِّ، المُبادِر كأساس للتَّغيِير الإجتمَاعي المُناسب. كما تُجَدِّدُ قِيَمَ العَمَلِ والمسؤولية، والاستِحقاقِ و تكافُؤ الفُرَص، بما يتَنَاسَبُ مَعَ سياقِ الطفرة الإنسانية الجديدة.

إن تَبْريزَ النموذج التَّثْقِيفِي المغربي؛ يَرتبِطُ ارتباطًا غير مُنْفَصِلٍ عن وَاجبات اتحاد كتاب المغرب، في إنجاحِ وَرْشِ الجِهوية المُتَقدِّمَة. و الذي يَتَطلَّبُ تأهِيلاً تثقيفيًّا للموارد البشرية (مُنتَخَبين و إداريين ..)، حتّى تَتمكَّن من ممارسة الإختِصاصَات الموكولة إليْها. ذلك؛ بما يَفرِضُه مبدأ التَّفْريع كَتِقْنِيّة دستوريّة لتنظيم عملِ مؤسَّسات الجماعات الترابية. إِذْ؛ لن يستقيمَ صِراطُ الديمقراطيّة المحليّة، و لن نتمكن من تقريب الخدمات الإدارية، عدَا بتَرسيخِ ثقافة الرَّقْمَنَة الإدارية. قصد إعادة تدوير أسئلة تَثْبِيتِ اللاَّمَرْكَزِيَّة و اللاَّ تَركيز، التي تَؤُزُّ العَقلِيّاتِ المُتَأَخّرة أَزًّا. و الاعتماد أساسًا؛ على توعية العقل المحلي، للتمسك بثقافة المَأسَسَة و التَّعاون الجماعي و رعاية الحقوق الأساسية المُشتركة. كل ذلك؛ بغاية إشراكِ النسيج الثقافي، في تنزيلِ الهندسة الجديدة لتَنظيمِ سُلطة الدولة على مجالها الترابي المتكامل السيادة. و بما يلائِمُ خصوصياته الثقافية المتعددة، و بما يتَعَايَشُ مع ثورة التكنولوجيا العالية.

مِنْ تَمَّ؛ أعود إلى صِفْرِيَّة المجموعة الفارغة، التي تريد أدلجة اتحاد كتاب المغرب، و مسخ مشروع “دار الفكر” إلى بناية ملحقة بحزب ادريس لشكر. كي يقرر مصيرها عندئذ؛ صاحب بدع التوريث الحزبي اللادستوري، و المتلاعب بقضايا الوحدة الوطنية، الذي أمر بالتصويت على شبيبة البوليساريو، في مؤتمر الشبيبات الاشتراكية العالمية بألبانيا. و ها قد هاجت مجموعته الفارغة، بِصِفْرِيَّتِهَا المشكلة ممن يصطلح عليهم : بمثقفي بدعة ” الولاية الثالثة”. بعدما جهلوا على اتحاد كتاب المغرب، بالحجر و الوصاية حَدَّ التمَلُّكِ و الإمتلاك، دون نبوغ يُذكر. بل؛ نسمع دَوي المجاسرة الكذابة، عندما صار البعض منهم يزج بنقاش القضية الوطنية الأولى، في حانة الترويج الباطل لأضاليل المجموعة الفارغة، التي تريد كبح جماح التغيير التثقيفي النافع، بإدعائها رؤيا إشارة الضوء الأخضر.

ختاما .. وجب التأكيد مرة جديدة؛ على أنَّه واهِمٌ كما مُتَوهّمٌ، من يخال خَلْفِيَّتَهُ الحزبية الأيديولوجية الماضوية. أو؛ أن مجموعة “لَفْرَاقْشِيَّة اللّادِيمُقرَاطِيّة”، هي المكلف الوحيد و الأَوْحَد لِابداع الحلول المناسبة لأزمة اتحاد كتاب المغرب. فهذه الأخيرةُ؛ تستَوجِب وثبةَ العقول المحلية، نحو العُمقِ الإبداعي البارِع و المدَى الرقْمي الواسع. ذلك من خلال اعتماد اتحاد كتاب المغرب، لِنَهْجٍ تَثْقِيفي مُتعَدد الأبعادِ. و حاملٍ لأَثرِ التكنولوجيا العالية، بِصَبيبِهَا الذي يَسْري بين عروقِ فئات المجتمع، و عبر تنوع تَمَايُزَاتِهَا المَحلية. نهجٌ تَثْقِيفِي لا يربط فقط النتائج بالمُقدِّمات، بل يعمل على جعل قلوب الثقافات المحلية مُتَضامِنة، وعقولِها مُؤَهَّلَة لحِقبَة التَّعَلُّمِ الآلِي، و سَوَاعِدِهَا قادِرَة على حَمْلِ حُلُمِ الوطن المغربي المُوَحَّدِ، وَ اللّحَاقِ بالركب الحضَاري المُتَقدِّم.

عبد المجيد موميروس
سَجَّاعٌ، شَاعِر و كَاتِبُ الرَّأْيِ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube