حواراتمستجدات

نقاش راقي .. كم افتقدناه !

*أسامة السعدون*

عقب اللقاء الأسبوعي الأخير لقناة حرة بريس مع د. أحمد ويحمان، أثير نقاش بين الأخير ود. عمر محمود ابن المناضل القائد المرحوم أحمد بنجلون بشأن مضامين الحلقة التي كانت واحدة من سلسلة حلقات حاولنا خلالها قراءة تاريخنا الراهن عبر مسيرة قائد المقاومة وجيش التحرير المرحوم محمد الفقيه البصري كقائد سياسي في أهم تنظيم طبع هذا التاريخ؛ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) في ما بعد . نعيد هنا نشر النقاش بين الدكتور ويحمان والدكتور بنجلون نموذجا للرقي الأخلاقي وعفة اللسان الذين افتقدناهما في نقاشاتنا منذ زمان .

وعسى أن يتم تمثل هذه الملكة وهذا النيل وحسن الإصغاء في التفاعل بين المناضلين وهم يتبادلون الملاحظات ويعرضون اجتهاداتهم المختلفة باخلاق وتواضع واحترام .فيما يلي الدردشة بين المناضلين الفاضلين :

*1 – الدكتور بنجلون يرد على الدكتور ويحمان*

صباح الخير الأخ ويحمان، بداية انوه بنضالك و صمودك من أجل القضية الفلسطينية و مناهضة التطبيع من داخل بلادنا. لقد تتبعت حوارك الاخير حول الاتحاد كونك الابن الأصيل للحركة الاتحادية الأصيلة و قدوة نضالية و مبدئية يشهد لها الخصوم قبل الرفاق او المهتمين بالشأن السياسي المغربي. كوني مهتم بالحركة الاتحادية و فاعل في الجيل الجديد لما تبقى منها، بدوري بحثت و حاورت شخصيات من الاتحاد و خارجه و اطلعت على وثائق منها ما في حوزتي و اخرى بين يدي فاعلين و متتبعين و مؤسسات، و لدينا كذلك كتابات و حوارات متواضعة في هاذا الباب. فمن هذا المنطلق أود التفاعل معكم الأخ ويحمان فيما جاء في حواركم الاخير على موقع حرة بريس بصدد حواركم الاسبوعي، حول بعض الأحداث و الجوانب المرتبطة بالشهيد عمر بنجلون. تحدثم عن التقرير الايديولوجي و الافتتاحيات – عن الجدل بين الشهيدين بنجلون و بنبركة – عن العلاقة بين الفقيد الجابري و الشهيد عمر بنجلون – عن ما قاله المدعو الخطابي على الشهيد عمر بنجلون “عزي” و ان “بقه وسخ”. الأخ ويحمان،- التقرير الايديولوجي كتب باللغة الفرنسية و ذو طابع شيوعي، و منهجية الجدلية الفكرية فيه كانت لدى خريجي المدرسة الفرنسية من خلال التكوين الفلسفي المبكر الذي يحيل على شعب الرياضيات و الهندسة bac philo و التكوين الايديولوجي المثين من داخل الحزب الشيوعي الفرنسي القوي انذاك و الكونفدرالية العامة للشغل التي كانت مسيطرة على الحياة السياسية الفرنسية. فالتقرير الايديولوجي هو من اجتهاد الشهيد عمر بنجلون الوحيد في الاسماء التي ذكرتها الذي كان لديه هذا الفكر المركب ذو الطابع المعقد، فقام الفقيد عابد الجابري بإدخال الفقرات الأخيرة حول علاقة الاشتراكية و الاتحاد بالميراث الثقافي كما قام بترجمته مع الشهيد عمر بنجلون. أما جسوس و الراضي اللذان لم يكتبا و لا مقال واحد في حياتهما الجامعية و المهنية فبالأحرى السياسية، او الناصري الذي غاب عن المؤتمر الاستثنائي، او الحليمي الذي كان يشغل مدير القرض الفلاحي، هذا كان محض اختراع الاتحاديين الملصقين بالقصر في محاولة فاشلة لتقزيم الدور المحوري للشهيد في الاتحاد الوطني ثم الاشتراكي، و لعل خير دليل على هذا الهاجس التقزيمي لقب “شهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي” المقرون بصورة الشهيد عمر بنجلون في الجريدة الاتحاد الاشتراكي. التقرير الايديولوجي كتبه الشهيد عمر بنجلون و نقحه و ترجمه الفقيد محمد عابد الجابري، و اقحام الآخرون مجرد افتراء و إشاعة بنيت و روجت من قبل اليازعي بعد اغتيال الشهيد كون هؤلاء واردة اسماؤهم بيروقراطيا في تشكيلة اللجنة ما يطفي على الإشاعة طابع المشروعية السطحية. – فيما يخص الجدل بين الشهيدين المهدي و عمر، كان ذلك بصدد اللجنة المركزية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في يوليوز 1963. فكان الجدل حول المشاركة في انتخابات 1963 ليس حول الاشتراكية، كون الاتحاد كان انذاك خليطا من الروافد الفكرية و الحركية موحدة حول مقاومة دكتاتورية الحسن الثاني، و كان الشهيد عمر بنجلون من أبرز مهندسيها. في ذلك الاجتماع كان الشهيد المهدي مع المشاركة في الانتخابات و الشهيد عمر مع المقاطعة، و التصويت حسم لفائدة المشاركة، فكلف الشهيد المهدي عمر بنجلون يصياغة بلاغ الاتحاد المنادي بالمشاركة في الانتخابات و قام الشهيد عمر بذلك فقال المهدي في اللجنة المركزية : “انا من دافعت عن المشاركة … لم يكن لي لأكتب بلاغ مدافع عنها مثل هذا”. رغم سنه، كان الشهيد عمر يعتبر قياديا اتحاديا مركزيا من طرف الحسن و اوفقير اللذان وضعاه في لائحتهما السوداء منذ اضراب 1960، و المهدي و الفقيه و اليوسفي اللذين كانوا من جيل المقاومة و جيش التحرير، لم يكن الشهيد عمر بنجلون محسوبا على “ثلة من الشباب” او “القطاع الطلابي” كما كان يحلو لليازغي ان يروج في جلساته العائلية و من داخل الشبيبة الاتحادية التي اتفتقدت قاداتها بعد اغتيال الشهيد عمر و استقالة الجابري و استسلام بوعبيد حتى وفاته. – العلاقة بين الفقيد الجابري و الشهيد عمر بنجلون هي العلاقة الرفاقية و الفكرية و الأخلاقية الراقية التي وجب ابرازها، لا مع الفقيه و لا مع بوعبيد اللذان لم يكونا مثقفين كما الشهيد عمر و الفقيد الجابري. كان بينهما انسجام انطربولوجي كونهما من الجهة الشرقية، و الافتتاحيات كان اغلبها بتوقيع الشهيد عمر بنجلون بالرغم من ان الاخير كان يحس بالخطر في بعض ما يكتبه رفيقه الجابري و يقترح عليه أن يترك توقيع الشهيد عمر بنجلون “لخبرته في السجون”، و يمكن الرجوع لأرشيف المحرر من اجل التأكد من ذلك، مع الإشارة على أن كل الاعمال المتعلقة بالاصلاح الزراعي و التغطية الصحية الشاملة و القضية الفلسطينية و الهندسة التنظيمية و التوجيه الفكري للحزب قدمها الشهيد عمر بنجلون للحركة الاتحادية و التي اعتبرت الادبيات المرجعية المكونة للاتحاد الوطني ثم الاشتراكي. لدى قد تكون الكلمة التابينية لعبد الرحيم بوعبيد في جنازة الشهيد عمر بنجلون عبارة عن اعتراف : “لقد كنت الحزب يا عمر”.- أما ما قاله عمر الخطابي على الشهيد عمر بنجلون “بقه وسخ”، اعتبر هذا الكلام مساس بذاكرة الشهيد، و من كان “بقه وسخ” هو من كان يضل مع الحسن و اخوه و اوفقير و الدليمي و البصري مخمرين يتآمرون على المناضلين حتى الصباح، او من وضف إعلاميا المدعو الخطابي بداية الألفين كي يخلق القلاقل داخل الاتحاد لا سيما في تجربته الحكومية. شخصيا لم اسمع بهذا الخطابي قط رغم اسمه المنسوب للشهيد مولاي محند، لا في سفري المعرفي داخل الحركة الاتحادية الديموقراطية او المسلحة، لا سيما و انه كان في مصر بعيدا، ثم القنيطرة التي كان فيها ايت قدور مدير الميناء و الخيط الناضم للاتحاد مع الجيش او مومن الديوري او مناضلين كثر … لم يكلموننا قط عن هذا الشخص الذي يقدف في الشهداء بالتسطير على نعت دون وصف محتواه من داخل قبو للتعذيب. و غريب كيف لشخص عاش في مصر يتكلم بالمصرية يدعي التقدمية ينطق بلقب عنصري “عزي” … فمن “بقه وسخ” ؟ الأخ ويحمان احيي مجهوداتك الجبارة لمقاومة النسيان لا فيما يخص فلسطين و لا الاتحاد، و اقدم لك تحية أخوية رفاقية عالية. حفظك الله ورعاك. الدكتور عمر محمود بنجلون، ابن الفقيد احمد بنجلون و ابن اخ الشهيد عمر بنجلون

*2 – الدكتور ويحمان يعقب على رد الدكتور بنجلون*

حياك الله عزيزي عمر محمود، ابن الرفيق الصديق العزيز الغالي وبن أخ الشهيد عمر، الذي لم يقدر أن نتعرف عليه، وسكن وتربع في القلب مع ذلك، لكل ما وصفته به عن حق، وبن أخ الصديق العزيز عباس رحمه الله .لا أحد يشك أو ينازع في ذكاء وثقافة وشجاعة ونضالية وخصوصا *صدق* الشهيد عمر ومركزيته في الاداء النضالي، من موقع القيادة والتوجيه في مسيرة حزب القوات الشعبية كامتداد لحركة التحرير الشعبية ..وما تقدمت به وأكثر منه، يصح و يحق في حقه، حتى أن لسان حال كل مناضل/ة وطني/ة غيور/ة، حتى من خارج الحركة الاتحادية، يردد مع الشاعر أحمد لمسيح في تأبين الشهيد :+ *خذوا كل تيجان العالم وأعيدو لي عمر !* . هذا *الجوهري* في الأمر، ويبقى النقاش في بعض التفاصيل .. وهذا فيه هامش لاختلاف الاجتهاد والتقدير .. والكلام في هذا يطول . ومن هذه النقط، واحدة هي التي أختلف فيها جذريا معك، والمتعلقة بالمرحوم الدكتور عمر الخطابي .. وأعتقد أن قولك فيه راجع إلى رد فعل انفعالي بظاهر قوله في الشهيد وكذا لعدم معرفتك بهذه الشخصية الذي لازمته لمدة ثماني سنوات أخيرة في حياته لم نفترق حتى واريناه الثرى سنة 2006 . فالدكتور عمر يتطلب الكلام عنه حيزا أكبر ليس هذا مجاله .. أما علاقته بالشهيد عمر، بحسب ما استقيناه منه ومن رفاقه محنتيهما، فهي من المتانة والصدق والانسجام والمحبة بحيث لا ينبغي حتى مجرد التفكير في كتبت في حقه .. فالدكتور عمر مثقف موسوعي، لم يكتب للأسف ولم يترك لنا شيئا .. إلا أن كل الذين عرفوه يعلمون أن بحر زاخر من المعارف في مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية ومختلف الفنون، وهو طبيب جراح ويتقن اللغات الأمازيغية و العربية والألمانية والإنحلبزية والفرنسية … وهو صاحب ذوق إنساني رفيع … وأبعد أبعد ما يكون من العنصرية .. وما هو معروف عن العمرين – بحسب شهادات رفاقهما بالسجن المركزي بالقنيطرة – هو طرفتهما في المشادات بينهما والكمياء الخاصة التي كانت تجمعهما وكانا يعبران عنها في مناكفات استعراضية لخلق أجواء مرح كانت يقاومان بها محنة العذاب وندب التعذيب في درب مولاي الشريف والكوربيس ودار المقري . *عزي* .. لم ولا يتصور ابدا أن يقصد بها الدكتور عمر السخرية من رفيقه الأقرب إليه، لصدقه، من كل الآخرين . و *بقه وسخ* كذلك كان المقصود به ليس ظاهر الكلام وإنما وصف خطاب الشهيد المعروف عنه بأنه مباشر ويطلق العنان فيه للكلام النابي، لتبليغ الحقائق بدون مساحيق . ولو تحضر كيف كان المرحوم الدكتور ينطقها ما كان يمكن أن تؤثر فيك كل ذلك التأثير .. لأنه كان يقولها، ضاحكا، بكل محبة تنم عن عمق الصداقة والتقدير والإعجاب الذي كان يكنه للشهيد .

مع محبتي دكتور محمود عمرو تحياتي لجميع آل بنجلون أخوك أبو عمر ويحمان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube