ضد التيارمستجدات

بوحي من حدث اعتقال قاضي بني ملال.. الأستاذ خالد مسكور يدعو مؤسسات المحاماة إلى الانخراط في محاربة الفساد القضائي حتى لا يتحول المحامي إلى وسيط، فساده شرط وجوده واستمراره

أحمد رباص – حرة بريس

بوحي من حدث اعتقال رئيس غرفة الجنايات لدى محكمة الاسئناف ببني ملال، صاغ الأستاذ خالد مسكور، احد محاميي هيئة المدينة المجتهدين، تأملاته حول فساد نظامنا القضائي.
“تأملات في فساد النظام القضائي”، عنوان اختاره الأستاذ خالد مسكور لمقالته التي توصلت “حرة بريس” بنسخة منها والتي يبسط فيها موقف هيئة الدفاع من الفساد الذي ينخر المنظومة القضائية.
اول ما يتبادر إلى الذهن ونحن نفكر في هذه االآفة هي تلك العبارة المسكوكة: “ما خفي كان أعظم”. يعد الفساد القضائي من “الشرور التي لا تحظى بالاهتمام والتحليل الكافي من أجل محاولة فهم أسبابه وآلياته وتحديد كلفته، يقول الأستاذ خالد معللا هذا العطب ب”عوامل عديدة منها ما هو سياسي، اجتماعي وثقافي”.
من وجهة نظر اقتصادية، يقدم الكاتب تعريفا للفساد القضائي باعتباره “عملية يتم من خلالها بيع وشراء القرارات القانونية عبر الانخراط في المساومة وتقديم الرشوة القضائية، بحيث تتطلب هذه العملية وجود فهم للحوافز التي تدفع بالمتقاضين والمحامين إلى شراء القرارات، وبالقضاة إلى بيعها”.
بمنطق هذا التعريف، كلما كثرت تكلفة الرشوة واشتدت مخاطرها إلا وتضآلت العوامل المحفزة عليها وتلاشت، والعكس صحيح.
بخصوص فئة الوسطاء العاملين على “عرض وتقديم الرشاوى”، يشير الأستاذ خالد مسكور إلى أنها تتكون من “محامين تربطهم علاقات مشبوهة بالقضاة، وكتاب يضطلعون بدور السماسرة او المفاتيح وموظفين وحراس ‘شواش’ ورجال شرطة وحتى نادلي مقاه…ومن مواصفات الوسيط الابتذال، الخنوع، الفراغ من المعنى، انعدام الضمير والوازع ، وتلك شروط ولوج الوسيط إلى “‘أخوية الفساد’ مقابل فتات يتلقاه من ‘العائدات الإحرامية’ المتحصل عليها”.
هنا، يعود الأستاذ الكاتب إلى جدلية المحفزات والمخاطر ليقترح على المؤسسات المتعلقة بمهنة المحاماة تشديد الخناق على الفاسدين من الأشخاص المنتسبين إليها وجعلهم “يشعرون بالألم والمعاناة من سلوكهم” عن طريق مراقبتهم، ووصمهم مهنيا وإقصائهم وحتى التشطيب على من تحول فسادهم إلى مرض مزمن غير قابل للعلاج”.
بتطلع مشروع إلى الانتصار على غول الفساد القضائي، يعول الأستاذ خالد على “التنشئة المهنية للأجيال الحديثة من المحامين،” لكونها “تكتسي أهمية جوهرية” خاصة إذا اعتمدت “مقاربة وقائية تتوخى إعطاء القدوة الحسنة والتربية على مبادى النبل والاستقلالية والعفة والكرامة والفضيلة”، مع علم الكاتب بأن “المربي هو نفسه في حاجة إلى تربية”، كما قال كارل ماركس.
وبما أن المحاماة جزء من المنظومة القضائية، يعتبر القضاء على الفساد بالنسبة لها مطلبا عزيزا، يقتضي “امتلاك تصور مشترك لهذا الوضع وتأويله باعتباره غير أخلاقي، أي الاتفاق على تشخيص الوضع الفاسد، وعلى وسيلة التصدي له وضرورة الفعل الجماعي لتغييره”.
من الناحية العملية، حرص كاتب المقال على إبراز أهمية ممارسة المؤسسات المهنية لنشاطها التأطيري-التعبوي-المستمر من خلال “التأثير في تصورات الواقع لدى المحامين بهدف توسيع انخراطهم في التغيير ورفع وعيهم بطبيعة التحديات التي تواجههم، وأبرزها مخاطر تحول المحامي إلى مجرد وسبط تابع، فساده شرط وجوده واستمراره”.
بحدس البداهة، قاد التأمل الكاتب إلى إدراك صعوبة المهمة المراد إنجازها على صعيد تخليص القضاء من شراك الفساد، وهي نفس الصعوبة التي تلمس دائما خلال الفترة الفاصلة بين اللحظة التي بدأت فيها مساعي التغيير واللحظة التي تحقق فيه وضع جديد وأحسن، مرورا بزمنية كلها أخذ ورد، مد وجزر. ولأجل تحقيق الهدف الأسمى (= منظومة قضائية بدون فساد)، لا بد من “تحسين الأوضاع المادية للمحامي وأنظمته الاجتماعية، ومعاملة المحامين في إطار من العدل من حيث الحقوق والواجبات، وتطوير ممارسة مهنية تسودها مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ونبذ الاحتكار، فالفساد يعيش على الهواجس المادية، وقد قيل: كاد الفقر أن يكون كفرا”.
وفي مقابل كون الفساد من الصعب هزيمته، يبقى الرهان قويا على “دعم سيادة القانون”، وهو ما لا يتحقق “إلا بوجود محامين صالحين وذوي مصداقية ويمتلكون حسا قويا بالعدالة”؛ ذلك أن المحامي “باعتباره فاعلا أساسيا في النظام القانوني يمكنه المساهمة بشكل فعلي في محاربة الفساد وتحرير النظام القضائي من آفاته الخطيرة، وذلك من خلال دوره الرقابي على تأويل وتطبيق القانون، والعمل على خلق بيئة قانونية نظيفة”.
بعزم على محاربة الفساد لا يلين، يحث الأستاذ خلد مسكور زملاءه على تحمل “مسؤوليتهم المشتركة” ويوصيهم “بالوقوف والنضال معا ضد عدوى الفساد” وينبههم إلى أنضخامة “المخاطر التي يحملها الفساد تستحق التضحية لمحاربتها”؛ ذلك أنه “ليس مجرد سلوك خاطئ”، بل هو “عدو عام، جريمة اقتصادية” تمس جوهر الإنسانية، ولا تني تنتشر في ظل العقلية الحالية. بالمقابل، يدعو الأستاذ خالد إلى كره الفساد والصرامة في ملاحقته ومحاربته ومعاقبته في أنفسنا “اولا ثم مع جميع الشرفاء، داخل الجماعة القانونية لتحقيق هذه الغاية النبيلة”.
وكانت آخر فكرة ختم بها الأستاذ خالد مسكور مقالته/رسالته تلك التي مفادها وجوب الإيمان بأن “المحاماة ليست مجرد خدمة أو عمل مأجور يفتقد للقيم، بل قضية متعالية عن أي انتماءات سياسية أو طبقية، رسالتها الأساسية هي حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين التي يعتبر الفساد مصدر التهديد الأخطر لها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube