العالم العربي و العولمة
أحمد الونزاني
في 9 نونبر 1989 دخل العالم منعطفا جديدا في تاريخ الإنسانية، سقوط جدار برلين و تفكك و انهيار الاتحاد السوفياتي و كل دول شرق أوروبا. و يعتبر ذلك بمثابة تحول كبير ،يقود العالم و الانسانية نحو مصير آخر . نهاية الفكر الشيوعي و الاشتراكية العالمية و سقوط اليسار و الفكر اليساري و تقوقعه و تحوله و انقسامه إلى تيارات متناقضة في ما بينها.
و كما قال أرسطو لا توجد حقيقة مطلقة لأنه يتم تجاوز كل حقيقة إلى حقيقة أخرى بفضل التراكم المعرفي للإنسانية على مدار التاريخ الفكري الإنساني.
و بتجاوز هذا الفكر. دخل العالم كله في قطبية الفكر الليبرالي. الذي تحول من ليبرالية بقيم إنسانية تضامنية إلى الفكر الليبرالي المتوحش أي فكر يقوم على المنفعة و لغة المصالح و السيطرة الكلية على الأسواق العالمية و على مقدرات الشعوب باستعمال كل الوسائل الغير أخلاقية وصولا إلى حتى استعمال الوسائل العسكرية لتحقيق ذلك . و دخل العالم بذلك مرحلة ما بعد الحرب الباردة في نظام عالمي جديد او ما اصطلح على تسميته ب العولمة و تغيرت الاستراتيجيات و أصبح لزاما البحث عن عدو استراتيجي جديد لهذا التوجه النيوليبرالي أو الكونيالية الاقتصادية والثقافية و السياسية بشكلها الجديد.
و قد كانت المنطقة العربية هي المستهدف الرئيسي أو الإسلام بتياراته المختلفة . و قد بدأت الخطة مع بداية 1991 حيث تمكنوا من إيهام دول الخليج بخطورة النظام العراقي على كينونتهم و يشكل خطرا كبيرا و خصوصا بعد غزوه للكويت. فكانت الذريعة الكبرى للدخول إلى المنطقة العربية و رهن آمال وتطلعات شعوبها و حرمانها من أي تغيير سياسي مرتقب، يخرج المنطقة العربية من رواسب العهد الاستعماري و رواسب مرحلة الحرب الباردة و رواسب إخفاقات النخب السياسية العربية في وضع المنطقة العربية على قطار سكة التنمية الحقيقية و النهوض بها اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و فكريا و حقوقيا. كان الفشل قدرنا سياسيا و اقتصاديا و أخلاقيا، و أصبحت المنطقة العربية بذلك لقمة سائغة للأطماع الأجنبية.
دخلت معها المنطقة العربية مرحلة جديدة. مرحلة الحمائية العسكرية الطويلة الأمد. و قد اشتعلت المنطقة و عرفت حروبا متتالية كان آخرها و ليس اخيرها إسقاط النظام العراقي و السيطرة على العراق. و دخلت بذلك المنطقة العربية زمن المناكفات و الارتهان السياسي و الايديولوجي و بدى المشهد السياسي مرتبكا و مشوشا و غاب الحس الوطني و غلب على المشهد السياسي الانحياز للحمائية الجديدة لحد تسليم الأوطان و مقدرات الأوطان للمحتل الجديد.
و قد كان قدر أبناء الأمة العربية هو مقاومة هذا الطغيان بكل الوسائل السلمية و الفكرية و فضح الممارسات المقيتة و جرم المحتل قانونيا و حقوقيا و أخلاقيا و مقارعته ميدانيا .
و بعد فشل الغرب في تركيع شعوب المنطقة العربية سياسيا و فكريا و عسكريا، جاء الانسحاب من العراق سنة 2008 ك خيار في تغيير استراتيجي لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية نحو المنطقة العربية ، و خطوة بناءة لتدعيم الخيار الديمقراطي، و خيار الشعوب العربية في الحرية و العدالة الاجتماعية و في الكرامة. و لهذا سنة 2009 حل أوباما بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية بالمنطقة العربية و خطب خطابه الشهير بين طلاب الجامعة بالقاهرة. مبشرا بفتح عهد جديد في المنطقة ،مع دعم الخيار الديمقراطي و الحريات و حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية و حرية الرأي و الصحافة والإعلام .
عاشت المنطقة العربية فصولا درامية و دموية بسبب ما يسمى بالحرب على الإرهاب و التطرف الديني و بسبب الإحتلال الأمريكي للعراق و أفغانستان و عشنا فصولا من الفوضى الخلاقة، بسبب تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، و بسبب ضيق أفق النخب السياسية الحاكمة بالبلاد العربية و التي كان انحيازها للمحتل الأمريكي، سببا في اندلاع ثورات الربيع
الديمقراطي بكل المنطقة العربية. انطلقت الاحتجاجات الشعبية في الوطن العربي المطالبة بالحقوق السياسية و الاقتصاديةوالاجتماعية في 2010 و فعلا كانت الشعوب العربية على الموعد مع انتفاضات تاريخية قضت مضاجع الطغاة و الحكام العرب و قد تمت نجاحات و تلتها إخفاقات بسبب عدم النضج . النضج الفكري الذي بإمكانه وضع مسافة بين الثورة و الثورة المضادة و التدخل الخارجي الداعم للأنظمة الاستبدادية و الفاسدة. و أنا على يقين بأن الشعوب العربية واعية بهذه اللحظة التاريخية التي نعيشها و واعية بحجم المؤامرة التي تقف ضد تطلعاتها في الحرية والعدالة والكرامة. و واعية بأن الفوضى الخلاقة لن تكون إلا في صالح الغرب الذي يسعى لتفكيك المنطقة العربية و السيطرة عليها.
أصبح العالم قرية صغيرة بفضل الفورة التكنولوجية و تقنيات التواصل الاجتماعي الجديدة، التي بفضلها ارتفع الوعي لدى الشعوب عامة و شعوب المنطقة العربية خاصة، و أصبحت سيفا ذي حدين .كما أن العولمة ساهمت في تقارب الفكر إنسانيا.
.